فى أوائل القرن العشرين استيقظت انجلترا ممثلة فى سلطة الاحتلال على مصر مذعورة على خبراء أزعجها وهو دعوة محمد طلعت باشا لإنشاء بنك وطنى بنك الأمة يحمل اسم بنك مصر ويعادل هذه الذعر الصدمة الثانية لبريطانيا بقرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس وهو قرار اقتصادى وسياسى وقانونى.. على الفور كلفت لندن مستشارها التجارى فى القاهرة ليقنع طلت حرب بالعدول عن الفكرة وفى بداية المقابلة قال المسئول الإنجليزى.. كنت أظنك رجلا عاملا.. لكن يبدو أنك أصبت بالجنون المنتشر فى هذا البلد.. هل تتصور أن المصريين يستطيعون إدارة بنك.. فهى صناعة الأجانب وحدهم واختتم المقابلة قائلا إننى بجرة قلم أستطيع منع إنشاء هذا البنك لكننى وافقت عليه لسبب واحد وهو أن ألقن المصريين درسا فى الفشل، واستدرك إذا أردت أن تخيب ظنى فأنصحك بالاستفادة من الأجانب وكان رد طلعت حرب لقد قررنا أن يكون البنك مصريًّا مائة بالمائة فكان الرد لطمة للمستشار البريطانى.. فرد قائلا أنك تتكلم بلغة مظاهرات الشوارع ولغة الشارع لا تصلح لإقامة بنوك وفعلا قبل طلعت حرب التحدى وأقام بنك يضم اقتصاديين مصريين مسلمين ويهودًا..بنك مفخرة لمصر داعم للتنمية وله دور اجتماعى داعم لحركة المجتمع.. نموذج آخر أحمد عبده باشا الذى أنشأ الصناعات الثقيلة مثل السكر والسماد والبوستة الخديوية وشركات باسم مصر طرحت أسهمها فى بورصة لندن وكذلك محمد باشا فرغلى ملك القطن ولطفى منصور وأبو رجيلة وعلى أمين محيى مجال النقل البحرى والتأمين ومحمد ياسين فى صناعات الزجاج وفى المقاولات عثمان أحمد عثمان وحسن علام وفى صناعة الورق حسن باشا نشأت.. كل هؤلاء كانوا يؤدون أدوارهم كمسئولين عن تقدم وتنمية مصر.. ولم يتصوروا أنفسهم للحظة واحدة أنهم أثرياء أو أنهم نخبة أو أنهم قادرون على الضغط على الدولة أو التسلل لمقاعد السلطة التشريعية ومجالس النواب.. لكن كان كل منهم صفحة مضيئة فى تاريخ الوطن.. وللأمانة عدد كبير من اقتصادى هذا العصر أسسوا قلاع العمل الاجتماعى والشبابى والرياضى منهم الأمير عمر طوسون وهو من الأسرة المالكة فقد تبرع بأرض استاد البلدية «إسكندرية» وساهم بمبلغ 60 ألف جنيه للإنشاءات وهو يعادل الآن 600 مليون جنيه وهو الذى شيد المبنى الرائع الذى يواجه استاد الإسكندرية «مبنى الإسعاف» وهو تحفة معمارية وعلى بعد خطوات منه نجد مؤسسة الحرية لرعاية الأطفال الذى أسسها رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية الراحل محمد بك كامل بدوى شقيق الدكتور عبد الحميد باشا بدوى رئيس محكمة العدل الدولية الشهير.. وأقام عدد من أبناء مصر أول جمعية خيرية فى مصر والعالم العربى وهى جمعية العروة الوثقى عام 1892 التى كان أول رئيس لها محمود فهمى النقراشى الذى أصبح بعد ذلك رئيس الوزراء.. وساهم رجال الأعمال الأجانب فقد قام مليون يونانى يعيش على أرض مصر بإنشاء مستشفى يطلق عليه الآن جمال عبد النارصر وهذا الرجل هو كوستيكا ومستشفى المواساه أنشأها فهمى بك عبد المجيد والد د. عصمت عبد المجيد صروح عظيمة.. لخدمة الفقراء عن أبناء الشعب.. بل إن بعض الأثرياء كان يقيم للفقراء مطاعم عامة وحمامات شعبية وفى الرياضة أقيم نادى الاتحادى السكندرى على أرض قدمها فهمى ويصا باشا نائب اللبان فى أول مجلس نيابى بعد دستور 23.. فى نفس الوقت قد سيد جلال شيخ نواب مصر هدية لأبناء باب الشعرية وهى مستشفى تحمل اسمه حتى الآن وكان يفاخر بأنه رجل عصامى بدأ حياته عربجيا. وكان لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى مع رجال الأعمال ليصنع معهم ميثاق شرف لأن دورهم ليس فقط مجرد جمع الأموال ولكن دورهم إضافة للاقتصاد القومى والتنمية الحقيقية الرئيس يمد يده إليهم ليعرفوا أن عليهم مسئولية اجتماعية ورسالة نحو مجتمعهم.. وكان اختيار توقيت اللقاء ذكيًّا بعد أن أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن سكان مصر فى الداخل أصبح 90 مليون نسمة وهو ما يجب أن يكون هناك وقفة من كل مواطن ليبحث عن دوره نحو مجتمعية.. فرجال الأعمال ثرواتهم تكونت من مصر.. الرئيس بحث معهم كل مشاكلهم وظل الكثير منها.. أصبح عليهم الآن يطرحون تصورات جديدة لخلق كيانات ومجتمعات تساهم فى التنمية التى تبحث عنها القيادة السياسية لأنها هى الطريق الوحيد لانطلاق مصر للمستقبل.. أذكر هنا فرقا شاسعا بين لقائهم بالرئيس السيسى الذى اتسم بالود والمحبة والجدية.. وبين لقاء مع الرئيس الأسبق مبارك حينما قال لهم إنكم تعانون من وباء الفشخرة وإذا استمريتم فى هذا الأسلوب فسأعيدكم مرة أخرى إلى ما كنتم عليه قبل الثراء الفاحش الذى أصبحت عليه وقبل أن تسمتعوا بالطائرات الخاصة والسيارات الفارهة والقصور المنيعة.. مصر وقيادتها السياسية تفتح ذراعيها لرجال الأعمال على أن يعوا أن عليهم مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع وشعب مصر.. وأن يعرفوا أن لهم رسالة ليست جمع الأموال فقط.. اللهم قد بلغب اللهم فاشهد.