عندما تكون كل الاتفاقات والوعود التى قدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للشعب الفلسطينى كاذبة ومخادعة ولصالح إسرائيل، والظلم والاضطهاد والقتل أصبح مسلسلًا يوميًا ضد الشعب الفلسطينى، فاليأس يصبح نتيجة طبيعية لدى الرئيس محمود عباس ولدى الشعب أيضًا. وعندما حذر جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى من عواقب انهيار السلطة الفلسطينية، مؤكدًا أن ذلك سيشكل تهديدًا لإسرائيل. فقد بنى كيرى موقفه على إحساسه بيأس الرئيس الفلسطينى محمود عباس عندما قابله الشهر الماضى. ويقول كيرى إن الرئيس الفلسطينى بدا «يائسًا أكثر من أى وقت مضى عندما تحدث عن اليأس الذى يشعر به الشعب الفلسطينى». وأضاف أن مستوى غياب الثقة بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى لم يكن يومًا بهذا العمق، داعيًا إلى إنهاء العنف قبل أن يتفاقم. وقبل هذا التصريح بأيام قليلة استنكر كيرى الاحتجاجات الفلسطينية على الظلم والاضطهاد الذى يتعرض له الفلسطينيون ومقدراتهم واصفًا إياها ب «الإرهاب». الموقف الأمريكى هذا يعطى صورة واضحة عن تخبط السياسة الأمريكية، فهو من جهة يدين الفلسطينيين لأنهم ينتفضون من أجل حقوقهم ولدفع الظلم الواقع عليهم، وهو من جهة أخرى يقول إن الأسباب التى أدت إلى انتفاضتهم قد تقود إلى نهاية ليست فى مصلحة إسرائيل. لم يجرؤ كيرى على تسمية هذه الأسباب، لكنه اعتبرها موجودة لأنها تؤدى إلى اليأس فى المجتمع الفلسطينى. الوزير الأمريكى ليس مهتمًا بهذه الأسباب إلا بقدر ما يعتبر أنها تهدد إسرائيل. ويقول كيرى إنه «بدون قوات الأمن الفلسطينية ستضطر إسرائيل لنشر عشرات الآلاف من الجنود فى الضفة الغربية إلى ما لا نهاية لملء الفراغ». كيرى مشكورًا نبه إلى أنه على معارضى حل الدولتين أن يدركوا أن حل الدولة الواحدة يعنى نهاية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وانتقد جون كيرى أيضًا بناء إسرائيل للمستوطنات فى مناطق يعتبرها الفلسطينيون جزءا من دولتهم المقبلة. ومما يؤكد التناقض الأمريكى تحقيق نشرته صحيفة «هارتس» الإسرائيلية الإثنين الماضى أن منظمات أمريكية مختلفة قدمت فى السنوات من 2009 إلى 2013 دعمًا ماليًا للمستوطنات اليهودية فى الأراضى المحتلة عام 1967 بمبلغ 220 مليون دولار. وجاء فى تحقيق «هآرتس» أن بين المتبرعين الأمريكيين للاستيطان من دعم أيضًا حملات انتخابية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومرشحين أمريكيين للرئاسة وقد تناسى كيرى أن اليأس الفلسطينى سببه أن كل الاتفاقات التى عقدت مع إسرائيل وكل الوعود التى قدمتها الإدارات الأمريكية على مر السنوات الماضية كاذبة ومخادعة، وأن كل هدفها استهلاك الوقت بطريقة تكفل تمكين إسرائيل من تكريس الواقع على الأرض الفلسطينية. إن الخطر الذى يراه كيرى يكمن فى عدم التحكم فى طريقة إدارة الصراع بالطريقة «الأمريكية - الإسرائيلية» وخروجه عن السيطرة بانفلات الأوضاع، مما يشكل خطورة حقيقية على إسرائيل. وإذا كانت الدعاية الإسرائيلية تحاول أن تستثمر حالة الاستنفار الدولى ضد الإرهاب لتشوه الشعب الفلسطينى وتصف مقاوميه ب «الإرهاب»، وما يزعمه قادة الاحتلال عن وجود خلايا «داعشية» فى الأراضى الفلسطينية المحتلة هو تبرير ومقدمة لحملة تصفية تستهدف قوى المقاومة ورموزها. فمن حق الفلسطينيين أن يصعدوا فى مواجهة الاحتلال وسياساته، وليس من حق السلطة أن تقف فى وجه هذا الغضب الشعب، فلم يبق للشعب الفلسطينى ما يخسرخ بعد الجرائم اليومية التى يتعرف لها والتى أوصلته إلى مرحلة اليأس، وطالما عجز المجتمع الدولى عن محاسبة أو معاقبة الاحتلال، فأصبح لزاما على الفلسطينيين انتزاع حقوقهم بمختلف أشكال المقاومة.