وصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى إلى منطقة الشرق الأوسط فى أولى زياراته المكوكية والتى ستتوالى خلال الشهرين القادمين. وتنقل بين رام الله وتل أبيب لتسويق شىء وهمى يسمى «الاتفاق الإطارى». وهو وفق روايات وسائل الإعلام الإسرائيلية عبارة عن وثيقة لن يطلب من أى مسئول فلسطينى أو أمريكى أو إسرائيلى التوقيع عليها. ومن ثم فلن تكون ملزمة لأى من الأطراف الثلاثة كمفهوم عام لاتفاق تسويق نهائية فلسطينية إسرائيلية. وبعد أربعة أيام من المداولات وممارسة الضغوط على الجانب الفلسطينى. غادر «كيرى» المنطقة دون فرض بضاعته بالإكراه على السلطة الفلسطينية والتى هى فى الواقع مناورة جديدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لكسب المزيد من الوقت للتوسع فى بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينيةالمحتلة. الجولة التى قام بها جون كيرى مؤخرا للمنطقة هى الجولة العاشرة منذ توليه منصبه فى فبراير الماضى. وكان الوفد المرافق له يضم اثنين من الادارة الأمريكية لكنهما فى الواقع يعملان بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الأكثر شهرة منهما «مارتن إنديك» السفير الأمريكى السابق فى إسرائيل فى عهد كلينتون والذى كان يعمل سابقًا فى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق شامير بعد هروبه من استراليا إلى إسرائيل لاتهامه بالتجسس لتل أبيب، والعضو الثانى فى وفد المفاوضات الأمريكى هو ديفيد ماكسوفسكى «نائب إنديك» من مركز أبحاث واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وهو الذراع الفكرية غير الرسمية لمنظمة «ايباك». وتفاصيل الاتفاق الإطارى الذى صرح «جون كيرى» بأن شهر ابريل القادم هو الموعد النهائى للاتفاق بشأنه كإطار عام شامل للتسوية النهائية الفلسطينية الإسرائيلية وصيغة اتفاق السلام الشامل فى المنطقة كشف عنها «مارتن انديك» ليس فى تل أبيب، ولا فى رام الله، بل فى مؤتمر الزعماء اليهود الأمريكيين بواشنطن ونشرته صحفية يديعوت الصادرة فى 31 يناير الماضى. ويشمل استمرار بقاء 85 % من المستوطنين فى مستوطناتهم بالضفة الغربيةالمحتلة كجزء من مرحلة لن يحدد جدول زمنى لها يتم فيها التفاوض بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى لتبادل الأراضى، وفى حدود يونيو 1967. وأيضًا يشمل اعترافا فلسطينيًا بإسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودى وفلسطين التى هى فى علم الغيب كدولة للشعب الفسطينى. وترتيبات أمنية تشمل استمرار احتلال القوات العسكرية الإسرائيلية لوادى الأردن من جهة الضفة الغربية بإدعاء عدم تحولها إلى غزة أخرى تنطلق منها الصواريخ على إسرائيل. ويقضى المقترح الأمنى الذى قدمه «كيرى» بوجود جيش الاحتلال الإسرائيلى فى وادى الأردن لمدة عشر سنوات. وهذه السنوات العشر قد تمتد إلى مائة عام إذا كان الأمر سيتم برعاية أمريكية مثل اتفاق أوسلو عام 1993 الذى نص على وجوب إنهاء المرحلة الانتقالية وإقامة الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات أى عام 1998. بينما طرح الجنرال «جون ألن» المبعوث الخاص للشئون الأمنية والقائد العسكرى الأمريكى السابق فى أفغانستان وهو أيضًا المستشار الأمنى «لجون كيرى» خطة ترتيبات أمنية لوادى الأردن الذى تعتبر مساحته 6% من مساحة الضفة الغربية. وخطته ليس فيها قوات احتلال عسكرية إسرائيلية فى وادى الأردن. فمنذ أغسطس الماضى يقوم الطاقم الأمنى برئاسة الجنرال «جون ألن» بالتواصل مع الجانبين الفسلطينى والإسرائيلى لصياغة ترتيبات أمنية فى حال انسحاب الجيش الإسرائيلى من الضفة الغربية. ومعظم الاتصالات التى أجراها كانت مع طاقم أمنى يشمل ممثلين عن قسم التخطيط فى الجيش الإسرائيلى وجهاز الأمن العام «الشاباك». وتناولت الجوانب التكتيكية والاستراتيجية للأوضاع المستقبلية على أرض الواقع. فعند إقامة دولة فلسطين لن يكون بمقدور الجيش الإسرائيلى دخول الأراضى الفلسطينية، كما هو الوضع عليه الآن. ومقترحاته بمعناها العملى لمصطلح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، تشمل إقامة منطقة عازلة بين الأردن والضفة الغربية وإخلاء المستوطنات بهذه المنطقة خلال ثلاث أو أربع سنوات.. والسماح للفلسطينيين بالبدء فى إسكان هذه المنطقة. مع إقامة أسوار جديدة، وأجهزة استشعار عن بعد. وتسيير سيارات للمراقبة. ونشر قوات متعددة الجنسيات فى الوادى. الصحيفة التى كشفت أبرز نقاط مقترح «جون كيرى» لن تتطرق لمدينة القدس مكتفية بالقول بأن موضوع القدس بقى شبه مغيب فى هذا المقترح. كما تجاهل كيرى عند حديثه عن حل الدولتين الاشارة إلى مدينة القدسالشرقية باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين وكل ما جاء فى تصريحاته أنه أشار إلى أن الاتفاق الإطارى الذى يدعو إليه يلحظ طموحات الفلسطينيين بأن تكون لهم عاصمة فى القدس، معتبرًا أن هذا شىء والاعتراف بالقدسالشرقية عاصمة لدول فلسطين شىء آخر مختلف تماما. وعاصمة فى القدس وفق إشارة كيرى قد تعنى «العيسوية» وربما «شعفاط» أو «بيت حنينا» أوحى من الأحياء الفلسطينية الأخرى المجاورة لمدينة القدسالشرقية. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسئولين إسرائيليين وصفتهم بأنهم رفيعو المستوى أن رئيس الوزراء نتنياهو أكد لوزراء من حزب الليكود فى حكومته أنه لن يوافق مطلقا على إدخال مدينة القدس ضمن الاتفاق الإطارى وأنه أبلغ الوزراء بأنه لن يوافق على ذكر القدس ولو بشكل عام على أنها العاصمة للدولة الفلسطينية حتى وإن كان الثمن نسف المفاوضات مع الفلسطينيين. فى الواقع بعد زيارة جون كيرى للمنطقة بأسبوع أعلنت وزارة الاسكان عن خطط لبناء اكثر من ألف وحدة استيطانية جديدة فى القدسالشرقية، فى أحياء «رامات شلومو»، «راموت» «بيسجات زئيف» وأكثر من 800 فى مستوطنتى «إفرات» و «أرييل» فى الضفة الغربيةالمحتلة، ويقيم نحو 350 ألف مستوطن يهودى فى مستوطنات بالضفة الغربية وفى الأحياء الاستيطانية بالقدسالشرقيةالمحتلة حوالى 200 ألف مستوطن. وكان «كيرى» قد أعلن عدة مرات أن واشنطن تعتبر الاستيطان عملا غير مشروع وكان استمراره سببا رئيسيا لتوقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فى أكتوبر 2010 حتى استئنافها فى يوليو الماضى برعاية أمريكية على أن يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين فى غضون تسعة أشهر. فى الواقع أن مشروع الاتفاق الإطارى هو مقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو. فبعد ستة أشهر من المفاوضات العقيم خلف الأبواب المغلقة طرحها نتنياهو كأفضل خيار فى المرحلة الحالية وذلك بهدف الحفاظ على استمرارية المحادثات، ففى الواقع ليس لدى نتنياهو أى نيه للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ويتضح هذا مما ورد فى خطابه أمام أعضاء الكنيست فى 31 ديسيمبر الماضى حيث أضاف صيغة غامضة فى المحادثات وهى «تأمين المصالح الإسرائيلية فى المستوطنات كجزء من أى اتفاق نهائى». وكان القصد منها واضحا وهو توسع المستوطنات فى مناطق كبيرة من أراضى الضفة الغربيةوالقدس الشمالية. وقبل وصول جون كيرى للمنطقة قدم أعضاء كنيست من الليكود مشروع قانون جديدًا لضم وادى الأردن لإسرائيل على غرار قانون الكنيست الصادر فى نهاية عام 1981 بضم مرتفعات البلدان المحتلة لإسرائيل. وأكد نتنياهو فى خطابة أن فكرة الاتفاق الإطارى كانت ببساطة لضمان أن المحادثات لن تنهار تماما، وستخضع إسرائيل اثنى عشر شهرا أخرى لتوسيع المستوطنات وإحاطتها بالجدار العازل. ولما قال «مارتن إنديك» إن الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى وبرعاية أمريكية على بعد اسابيع وليس شهورًا من اتفاق تم الاتفاق عليه ولكن بدون أن يتعين على الطرفين التوقيع عليه. رد عليه المسئولون الفسطينيون بأنه مقترح إسرائيلى مرفوض بامتياز.