بدأ العد التنازلى لانعقاد مؤتمر الأممالمتحدة ال 21 للمناخ أو «كوب 21» فى مدينة «لوبورجيه» شمال باريس، والذى يبدأ فعالياته غدا الإثنين ويستمر حتى الحادى عشر من ديسمبر المقبل، ويهدف إلى التوصل إلى اتفاق لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحرارى التى قد تكون لها تداعيات كارثية على البيئة والاقتصاد العالمى. ومن المقرر أن يشارك فى هذا المؤتمر أكثر من 120 رئيس دولة وحكومة على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الأمريكى باراك أوباما والرئيس الروسى فيلاديمير بوتين والرئيس الصينى شى جين بينغ. كما يتوقع حضور نحو 20 ألف شخص هذا المؤتمر، من مندوبين وخبراء وصحفيين وأعضاء فى منظمات غير حكومية.وقد اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسى الثلاثاء الماضى بالدكتور خالد فهمى وزير البيئة الذى أطلع الرئيس على آخر المستجدات والاستعدادات الجارية للمشاركة المصرية فى مؤتمر الأممالمتحدة لتغير المناخ. واستعرض الوزير الجهود التى قامت بها مصر فى إطار التحضير لمشاركة قوية وفاعلة فى المؤتمر، وذلك فى ضوء توليها تنسيق الموقف الإفريقى، حيث تتولى مصر حاليًا رئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفارقة المعنية بتغير المناخ، فضلاً عن رئاستها لمؤتمر وزراء البيئة الأفارقة. واستعرض الوزير الجهود التى تقوم بها مصر من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم حول تغير المناخ يتسم بالموضوعية ويراعى حقوق كافة الأطراف ويقوم على مبدأ المسئولية المشتركة وتباين الأعباء بين الدول المتقدمة والنامية فى التخفيف من حدة التغيرات المناخية والتكيف معها، أخذًا فى الاعتبار أن إفريقيا هى القارة الأقل تسبباً فى الانبعاثات الحرارية، والأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ. الرئيس السيسى أكد اهتمام مصر بالإعراب خلال المؤتمر عن شواغل دول القارة الأفريقية وحقها فى الحصول على التمويل والقدرات التكنولوجية والخبرات الفنية اللازمة لمساعدتها على التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، وسد الفجوة التمويلية التى تواجهها حتى عام 2020 والآخذة فى التنامى من أجل التكيف مع التغيرات المناخية. وشدد الرئيس على أهمية تحقيق التوازن بين كافة عناصر الاتفاق المأمول التوصل إليه فى باريس، واحترام كافة مبادئ وأحكام اتفاقية الأممالمتحدة لتغير المناخ، بما يتيح للدول الإفريقية الفرصة للنمو، مع وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها فى هذا الإطار. كما أكد الرئيس على أهمية حشد الدعم الدولى اللازم لمبادرتى الطاقة المتجددة فى إفريقيا، والتكيف مع التغيرات المناخية، اللتين تم إطلاقهما فى اجتماع لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفارقة المعنية بتغير المناخ الذى عُقد على هامش اجتماعات الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ويحظى هذا المؤتمر هذه المرة باهتمام ملحوظ من مختلف الأوساط الدولية والإقليمية حيث أنه يعقد فى أعقاب الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها باريس فى الثالث عشر من الشهر الجارى، وأسفرت عن سقوط 129 قتيلا وإصابة 350 جريحا، ويحرص قادة العالم، من خلال حضورهم هذا المؤتمر فى ظل تلك الظروف القاسية، على توجيه رسالة مفادها التأكيد على عدم الرضوخ أمام الإرهاب وأنه ما من أحد يستطيع أن يوقف فعاليات المجتمع الدولى. ويأتى انعقاد هذا المؤتمر فى ظل ارتفاع ظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى رأسها غاز ثانى أكسيد الكربون، فقد ارتفعت الحرارة العالمية بمعدل درجة مئوية واحدة منذ العصر ما قبل الصناعى، كما ارتفع مستوى المحيطات بمعدل 20 سنتيمترًا منذ عام 1900 وذلك فى ظل ازدياد الظواهر المناخية القصوى كالأعاصير والعواصف والفيضانات الكاسحة وتسارع ذوبان الجليد مما دفع الخبراء للتحذير من مخاطر هذه التغيرات المناخية وتداعياتها الكارثية على مختلف دول العالم. فانبعاثات الغازات الدفيئة أصبحت تتجه إلى الزيادة بمعدل 2 فى المائة سنويًا وفى حالة استمرار هذا الوضع فإن ذلك يعنى زيادة فى درجات الحرارة تتراوح بين 3.7 درجة مئوية و4.8 درجة مئوية عند الوصول إلى عام 2100 وهو ما قد ينتج عنه مخاطر جسيمة على مختلف القارات. وانطلاقا من ذلك، يتطلع المجتمع الدولى إلى التوصل خلال مؤتمر باريس إلى إطار عام ملزم للسنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة يسمح باحتواء ارتفاع درجة الحرارة فى العالم وإبقائها دون عتبة الدرجتين المئويتين مقارنة بمستوى ما قبل الثورة الصناعية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بد من خفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 40 و 70 فى المائة عام 2050، بالمقارنة مع مستوياتها فى 2010. وتتوزع الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى على قطاعات عدة، حيث يأتى 35% منها من قطاع الطاقة، و18% من الصناعة، و14% من النقل، و14% من الزراعة، و10% من قطع الغابات، و6% من البناء، و3% من المخلّفات. ونظرا للأهمية القصوى التى أصبحت توليها دول العالم لقضية «الحد من التغيرات المناخية»، أدرجت هذه القضية ضمن الأهداف الرئيسية ل «وثيقة التنمية المستدامة 2015-2030» التى وقعتها دول العالم فى أواخر سبتمبر الماضى، إلى جانب القضاء على الفقر ومحاربة عدم المساواة. وتختلف توقعات المراقبين إزاء نجاح هذا المؤتمر فى التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن المناخ بين 196 دولة. فمن ناحية يبدو الفريق الأول متفائلا حيال مؤتمر باريس موضحا أن إمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم حاليا يعتبر أفضل بكثير من أى وقت سابق حيث أبدت السلطات الأمريكية والصينية، المسئولة عن 40 فى المائة من الانبعاثات، استعدادها للتوصل إلى اتفاق ملزم للحد من التغيرات المناخية وذلك خلافا للموقف الذى كان سائدا أثناء قمة كوبنهاجن للمناخ عام 2009. كما أنه خلال الاجتماعات التحضيرية الأخيرة للمؤتمر، والتى عقدت فى مدينة بون الألمانية فى أكتوبر الماضى، نجحت الوفود التفاوضية الممثلة ل 196 دولة فى التوصل إلى مسودة اتفاق طموحة مكونة من 55 ورقة من المقرر أن تكون محورا للمحادثات خلال المؤتمر، وهو أمر اعتبره كثيرون مؤشرا إيجابيا على إمكانية التوصل إلى اتفاق مشترك. بالإضافة لما سبق، يرى هذا الفريق أن العالم حاليا أصبح أكثر وعيا بمخاطر التغيرات المناخية والتداعيات الكارثية لها خاصة بعد ما أوضح الخبراء أن الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى بنسبة 0.5 فى المائة درجة مئوية يمكن أن ينقذ حياة ما يقرب من 2.4 مليون شخص بحلول عام 2050، وهو ما يجعل الدول أكثر تحمسا للتوصل إلى اتفاق ملزم للحفاظ على حياة مواطنيها وحماية أرواحهم. أما الفريق الثانى - وهو الغالب- فتبدو توقعاته أكثر قتامة إزاء ما يمكن أن يثمر عنه مؤتمر باريس حيث يوضح هذا الفريق أن مشروع الاتفاق الذى تم التوصل إليه خلال اجتماعات بون لم يحسم عدة أمور رئيسية مثل تلك التى تخص تمويل السياسات المناخية الجديدة للدول الفقيرة.