طغت الأحداث السياسية ومستجدات الأوضاع الأمنية الملتهبة على مستوى العالم على مجريات المؤتمر العام الخامس والعشرين الذى عقدته وزارة الأوقاف بمحافظة الأقصر على مدار يومين تحت عنوان "رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الدينى" وشارك فيه وفود من 45 دولة عربية وإسلامية حيث ركز الكثير من المشاركين فى جلسات المؤتمر على ضرورة محاربة الارهاب ونبذ العنف ومحاربة الفكر الداعشى الذى لا يمت إلى الإسلام بصلة والعمل على مساعدة و إنقاذ الشعب الفلسطينى من براثن المخالب الصهيونية التى تسعى لتفكيك البنية الفلسطينية والقضاء على الهوية العربية والإسلامية وعلى رأسها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك مشيرين فى سياق منتصل إلى ضرورة أن يسعى العرب والمسلمون لنبذ الإرهاب والتبرؤ من تلك الجرائم الإرهابية التى يلصقها مرتكبوها بالإسلام .جلسات الختام كانت مع كلمة الدكتور يوسف ادعيس وزير الأوقاف الفلسطينى الذى عنون بحثه بآلية تجديد الفكر المتطرف فى فلسطين ولكنه خصص وقت طويل للحديث عن آلام الأمة فى القدس مطالبا الشعوب الإسلامية بضرورة شد الرحال إلى الأقصى من أجل تفكيك الفكر الصهيونى المتطرف مشيرا إلى تصاعد حدة المخطط الصهيونى الساعى لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وقال أدعيس أن الحكومة الإسرائيلية تسمح حاليا لقطعان المستوطنين بدخول الأقصى وتلاوة الصلوات اليهودية بداخله والعبث بمقدرات المسجد وبنيانه واساساته وكل ذلك يحدث بسبب الصمت العربى والإسلامى سواء على مستوى الحكومات أو حتى على مستوى الشعوب التى صمتت صمتا مريبا حيال كل ما يتعرض له المسجد الأقصى وكأنه لا يخص الإسلام ولا المسلمين ورغم الصمت الكبير من جانب العرب فإن أطفال فلسطين يبذلون حياتهم فداء لشرف الأمة المستباح على أرض القدس. وأشار الوزير الفلسطينى إلى أن الصهاينة عندما يقتحمون الأقصى يفعلون امورا يندى لها الجبين بداية من سب البلدان العربية والإسلامية بحكوماتها وقاداتها ومرورا بتمزيق الكتب الإسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم إضافة إلى تجرؤهم على سب النبى صلى الله عليه وسلم وشرب الخمور داخل باحات الأقصى وكل ذلك يحدث تحت بصر جيش وشرطة الإحتلال مشيرا إلى أن المسجد الأقصى فى حاجة للدعم المالى الكبير للمساعدة فى صمود الشعب الفلسطينى فى مواجهة الأطماع الصهيونية. من جانبه قال الدكتور حامد أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء أن هناك عوائق عديدة تعيق تجديد الخطاب الدينى أهمها تعدد الخطابات الدينية فقد اصبح لكل مجتمع خطاب دينى بل لكل جماعة من الناس خطاب دينى مختلف عن خطاب الآخرين ولم يعد أحد قادرا على تحديد معنى واحد للتجديد فى الخطاب الدينى ولهذا تفرقت الجهود وضاعت هباءًا وحل تلك المعضلة يكمن فى وجود اجتهاد جماعى يحدد المعنى الصحيح لمفهوم التجديد ويمنع إصدار أى معنى مخالف منعا لإثارة البلبلة بين الناس. وأشار د. أبو طالب إلى أن من أهم المشكلات التى تعيق جهود التجديد الاختلاف فى أسلوب التجديد حيث اختلف العلماء والمفكرون فتعددت الآراء مما وسع الفجوة بين الأفكار وحال دون الوصول الى نتيجة مرضية وهو ما يستلزم الاتفاق على منهج واحد فى تجديد الخطاب الدينى أضف إلى ذلك ان البعض شوه مصطلح التجديد وروج إلى أن المجددين فى الخطاب الدينى يقصدون التساهل فى الدين وتبديل كل ثوابته والتهاون فى احكامه وتعاليمه ولهذا فلابد من توضيح المقصود الإسلامى الصحيح بمصطلح التجديد ومواجهة ظاهرة تخوين الآخر فكل جماعة ترى فى نفسها اليوم الاتجاه الصحيح ومن يخالفها خونة ومتاجرون بالدين واختفت مقولة أن الاختلاف سنة الحياة وأن اختلاف الفقهاء رحمة لهذا فلابد من مواجهة ظاهرة التخوين بكل حسم وقوة. وأكد عضو هيئة كبار العلماء على ضرورة توجيه الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى على نطاق موسع حيث ظن الكثيرون أنهم المقصودون بتجديد الخطاب الدينى وأصبح كل شخص يدلى بدلوه فى الدين حتى لو كان ليس مؤهلا للحديث فى شئون الدين لدرجة أننا وجدنا من يطالبنا بترك الدين كله بزعم أنه بذلك يجد فى الفكر الدينى وفى الخطاب الدينى ليس هذا فحسب بل انتشر المتشددون الذىين استدعوا مفاهيم لا علاقة لها بالإسلام مثل الرق واستباحة النساء لهذا فلابد من التصدى لتلك الأفكار الشاذة ونشر الأفكار الصحيح بدلا منها. وفى جلسة أخرى شارك فيها وزير الثقافة حلمى النمنم انتقد النمنم عدم وجود اتفاق مجمعى على قاعدة زرع ونقل الأعضاء البشرية من الموتى للأحياء أو تحديد ماهية وفاة جزع المخ ومتى تعلن وفاة تلك الحالات ومدى شرعية نقل الأعضاء من الأحياء للأحياء متهما الفقهاء بعدم مسايرة العصر الحديث وهو ما جعل الدكتور صابر عبد الدايم الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر يطلب الرد عليه ليؤكد للوزير أنه وهو يطالب العلماء بمواجهة الفكر المتشدد والمتطرف عليه أيضا ان ينظر للفكر المتسيب الذى يصدر للأسف الشديد بحسب قوله عن بعض المؤلفين ممن يطلقون على انفسهم نخبة المثقفين والأدباء والمبدعين والذين يشطحون شطحات غريبة تخالف المنطق وتخالف تعاليم الدين ليس هذا فحسب بل إن مطبوعات وزارة الثقافة تخلو كثيرا من كل ما هو له علاقة بالدين حتى ان طلب احد العلماء طباعة كتاب دينى تجعله يقع فى دائرة الشبهات داخل وزارة الثقافة وهو ما رد عليه الوزير قائلا إن المثقفين ملتزمون ولا يشطحون شطحات غير معقولة فلم يثبت أن كتب مثقف أو كاتب منطوقا اخر للشهادتين كأن يقول لا اله الا محمد أو أحمد أو إسماعيل مثلا أما الشطحات فيما عدا ذلك فمن الممكن أن تناقش فى اطار من احترام الرأى والرأى الأخر. التمييز بين الإرهاب والتطرف وفى جلسة رأسها وزير الإرشاد والأوقاف السودانى نزار الجيلى أكد جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أن التمييز بين الإرهاب والتطرف أمر واجب، فالتطرف فكر، والإرهاب عمل، التطرف من أخطر التحديات التى تواجه المجتمعات فى كل العصور، مشيرًا إلى أن الفكر المتطرف يتولد عنه الإرهاب وأن من يتطرف فى فكره يبحث عن آليات لفرض أفكاره فيلجأ إلى العنف والإرهاب، فينبغى مواجهة التطرف بالحجة والبرهان وبيان جوهر الدين وحقيقته وتقديم الفكر السمح للمسلمين، ولا بد من نشر الثقافة الدينية حتى لا يقع طلاب الكليات العلمية فى فخ الفكر المتطرف. ومن جانبه أكد عبد الله النجار عضو هيئة كبار العلماء أن الفكر المتطرف لا يمثل خطرًا على حياة الإنسان فقط، بل على وجود الدين نفسه، لهذا كانت مواجهة الفكر المتطرف من أوجب الواجبات، مشيرًا إلى أن المتطرف يتسم بالانحراف فى فهم الدين، وقد تسبب فى إيقاع كثير من المصائب فى تاريخ الإسلام، مؤكدًا أن من أول مظاهر تعطيل التجديد السمع والطاعة للبشر، فهى طاعة لله فقط. وأكد أحمد تميم مفتى أوكرانيا أن الأمن والأمان يكون فى فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فمنبع التطرف الجهل بالدين، مشيرًا إلى أن الحملات العسكرية قد تقضى على الجماعات المسلحة إلا أنها لا تملك إنهاء الفكر المتطرف الذى أسس على الإرهاب الفكرى من خلال التشكيك فى العقيدة والدين، والقضاء على الإرهاب ومكافحته يتطلب استراتيجية عقائدية صحيحة بعيدة عن الطعن فى أهل السنة والجماعة. وكشف إبراهيم الهدهد نائب رئيس جامعة الأزهر عما لمسه من واقع الخطاب الدينى اليوم بأوجهه الثلاثة – خطاب منغلق جدًّا يدعو إلى تفسيق وتبديع المجتمع وإعادتنا لفكر الخوارج الذين كفروا الخليفة الراشد على بن أبى طالب، وخطاب الانحراف أو الانفلات فإما أن ينحرف بالنصوص خدمة للأهواء أو ينفلت بمحو قداسة النص الإلهى، وخطاب وسطى يجمع بين العقل والنص ويراعى الزمان والمكان وهو ما ينبغى أن يسود المجتمع المسلم ويفعل دوره لينحسر خطاب الانفلات والانغلاق والانحراف. وفى كلمته أشار السيد محمد الديب أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر الى أن تجديد الخطاب الدينى لا يعنى تنحية القرآن والسنة، ولن يتجدد الفكر الدينى فى يوم وليلة، فيوصى بعضنا بعضًا بالصبر ولا نتعجل نتائج التجديد، ونحتاج إلى عقل وفكر الشباب، موضحًا أنه يجب العمل على حماية الإسلام مما يسيئ إليه ويشوه شخصية المسلم، فليس من المقبول أن يؤخذ التراث بالجملة أو يطرح بالجملة، فهذا الميراث يحتاج إلى تكاتف الجهود وبيان وجه الحق والصواب فى كبريات القضايا مثل العلاقة بين العلم والدين، وفقه الأولويات، وعلم الأجنة، والاستنساخ، والتركيز على القضايا ذات الأهمية الكبرى للحرص على الوقت، كما يجب أن يتسلح المسلمون بالعلم والمعارف العصرية والمتنوعة. كان المؤتمر قد افتتح بكلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والذى أكد على أن الإرهاب وحش كاسر أصبح يهدد العالم كله وعلى العلماء أن يستجيبوا للدعوات المتعددة التى يطلقها القادة والحكام بين الحين والآخر من أجل تجديد الخطاب الدينى بما يتلاءم مع الواقع الذى نعيشه حيث يستغل الإرهابيون صمت العلماء ليخرجوا بفتاواهم التى تستحل دماء الناس من كل دين ومن كل جنس ولون، مشيرا إلى أن داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية تتبنى خطابا دينيا مغشوشًا يفهم النصوص حسب الهوى ويوظفون الدين لقتل الناس ويخدعون الشباب من مختلف الدول للانضمام لهم وممارسة النهب والقتل تحت شعار الاسلام. وأشار الطيب إلى أنه قد آن الأوان كى يتحد العالم لمواجهة هذا الوحش المسعور الذى طالما حذر منه الحكام العرب كذلك فقد إن الأوان كى يناقش علماء الأمة القضايا التى تم منعهم من الخوض فيها منذ زمن طويل حيث يروج أصحاب هذا الاتجاه إلى أن التجديد هو مرادف للتفريط فى الدين وهو ما أخاف العلماء ولكننى كشيخ للأزهر اطالب العلماء بالخوض فى امور الحياة ومناقشة المفاهيم التى يتبناها الإرهابيون عندما يرتكبون جرائمهم فعلى العلماء أن يقدموا تفسيرا إسلاميا صحيحا لمفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ومشروعية الدستور والبرلمان وقضايا معاملات البنوك وقضايا المرأة مثل النقاب وتوليها القضاء والولاية العامة وكذلك مسالة الاختلاط فى العمل وقضية نقل الأعضاء وتهنئة غير المسلمين باعيادهم ومسائل الحج والإحرام فنحن نحتاج لفتاوى شجاعة وجريئة تخوض فى تلك القضايا المسكوت عنها. وأشار الطيب فى نهاية كلمته إلى أن المسلمين أقاموا حضارة قوية عندما أسندوا ظهورهم إلى صحيح الدين وتدهورت حضارتهم عندما أداروا رؤوسهم للدين وظهر من بينهم المتطرفون والتكفيريون والإرهابيون بعكس الغرب الذى تدهورت حضارته عندما ارتبطوا بدينهم وبنوا حضارتهم عندما انفصلوا عنهم وهى مفارقة غريبة علينا الاستفادة منها. من جانبه أعلن وزير الأوقاف المصرى الدكتور محمد مختار جمعة استنكار المشاركين فى المؤتمر للعمليات الإرهابية التى ضربت باريس مؤكدا أن الإرهاب لا دين له ولا وطن وأنه شر كله مؤملين أن يساهم المؤتمر فى وضع حلول لاجتثاث الإرهاب من جذوره فقضية الخطاب الدينى هى قضيتنا الأولى لتوضيح صحيح الإسلام ومن يريد أن يبنى وطنا أو أمة على حضارة سمحة لامة تعرضت للتشويه على يد الإرهابيين المستأجرين لتشويه ديننا وحضارتنا، مشيرا إلى أننا نحتاج لصياغة للفكر الإسلامى والعربى من خلال خطاب علمى سياسى اجتماعى ثقافى متكامل تتعاون فيه كل المؤسسات العربية والإسلامية. وأشار جمعة إلى إصرار مصر لإقامة المؤتمر على أرض الاقصر للتأكيد على ترحيب الإسلام بالحضارات السابقة وصيانته للآثار بعكس ما يروج له الإرهابيون من داعش وغيرها الذين يقودون جهودا مكثفة لنهب الأثار وتدمير ما تبقى منها للتعمية على نهبهم لتلك الآثار رغم أن الصحابة لم يهدموا أى أثر فى البلاد التى دخلوها أو فتحوها ولم يثبت أنهم حطموا تمثالا سوى الأصنام التى كانت محيطة بالكعبة لأن الناس كانوا يعبدونها واليوم لم يثبت أن مسلما واحدا يعبد الأصنام وهو ما يدحض نظرية داعش ويؤكد أن الدواعش يحتاجون لوحدة العرب والمسلمين فى مواجهتهم لاستئصال شوكتهم. وأشار جمعة إلى أن مصر لن تركع ولن تستلم رغم الظروف الصعبة التى يعيشها المصريون ولكنهم سيظلون صامدين فى مواجهة المحن وستظل مع الأمة تدافع عن القضايا العادلة للعرب والمسلمين وفى مقدمتها قضية المسجد الأقصى وحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم على حدود ما قبل الرابع من يونيو 1967.