حالة من التوتر والقلق تسود جماعة الإخوان من الداخل عقب إلقاء القبض على حسن مالك، لتجد قيادات جيل الشباب المتمثلة فى مجموعة محمد كمال، التى تسيطر عليها المخابرات القطرية، الفرصة أمامها فى التقاط الأنفاس، والسعى مرة أخرى لطرح نفسها كبديل فاعل وقوى فى إدارة الملف المالى وشئون التنظيم، فى منافسة قوية وصريحة أمام المجموعة التاريخية للجماعة والمتمثلة فى محمود عزت ورفاقه، وتملك جميع مصادر التمويل والإنفاق، والتى يميل إليها حسن مالك فى توجهاتها وقرارتها الخاصة بإدارة المرحلة الحالية من عمر الجماعة.خاصة بعد نجاح قوات الأمن مؤخرا فى القبض على أحد أهم أطراف المجموعة الشبابية وهو حسين إبراهيم الذراع اليمنى لمحمد كمال وللمخابرات القطرية بالقاهرة، أثناء هروبه وآخرين عبر الحدود الليبية. لكن ثمة أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات بسبب تغافل الدولة عن حسن مالك كل هذه الفترة، وتحديدا منذ 3/7، فلماذا تركته كل هذه المدة دون أن تلاحقه ؟ ولماذا جعلته يتحرك بسهولة يدخل ويخرج من و إلى مصر دون أية مسئولية أو شبهة على دوره وعلاقته بالتنظيم الدولى ؟ ولماذا تم القبض عليه مؤخرا ؟ وهل هناك رجال أعمال كبار مؤثرين فى الاقتصاد المصرى على علاقة شراكة قوية به ؟ وهل كانت هناك ضغوط دولية للحيلولة دون القبض على مالك لما يتمتع به من علاقات دولية ؟ فالتحقيقات جديرة أن تكشف الكثير من الغموض حول دور مالك .. ومن ثم علينا الانتظار. عقب إلقاء القبض على حسن مالك خضع لتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار تامر فرجانى، وأمرت بترحيله إلى سجن مزرعة طره وحبسه 15 يوما على ذمة قضية الإضرار بالاقتصاد القومى. مخطط التنظيم وكانت وزارة الداخلية قد اصدرت بيانًا ذكرت فيه تفاصيل القبض على حسن مالك أشارت فيه إلى أنه: «قد توافرت مؤخرًا معلومات لقطاع الأمن الوطنى باضطلاع قيادات التنظيم الإخوانى الهاربين خارج البلاد بعقد عدة اجتماعات اتفقوا خلالها على وضع خطة لإيجاد طرق وبدائل للحفاظ على مصادر تمويل التنظيم ماليًا فى إطار مخطط يستهدف الإضرار بالاقتصاد القومى للبلاد من خلال تجميع العملات الأجنبية وتهريبها خارج البلاد، والعمل على تصعيد حالة عدم استقرار سعر صرف الدولار لإجهاض الجهود المبذولة من جانب الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادى الذى ينشده الوطن». كما أوضح بيان الداخلية أنه تم القبض على كل من حسن عز الدين يوسف مالك مسئول الدعم المالى للجماعة، وكرم عبد الوهاب عبد العال عبد الجليل صاحب شركة صرافة، ونجدت يحيى أحمد بسيونى صاحب شركة صرافة، وأحمد محمد سعيد أبو المعاطى مسئول تهريب الأموال، وفارس السيد محمد عبد الجواد مسئول تهريب الأموال. وأنه عثر بحوزتهم على مجموعة من الأوراق التنظيمية تضم مخططات التنظيم لضرب الاقتصاد المصرى والتكليفات الصادرة لعناصره بشأن الإجراءات المطلوبة لتخفيض قيمة الجنيه المصرى وجهاز لاب توب، ومجموعة من الفلاشات والأسطوانات المدمجة تم التحفظ عليها بمعرفة النيابة العامة وكمية كبيرة من المبالغ المالية والعملات الأجنبية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة. تهريب الأموال ووجه بيان الداخلية، اتهامات لاثنين من قيادات التنظيم، وهما حسن عز الدين يوسف مالك، صاحب مجموعة شركات (مالك جروب)، وعبدالرحمن محمد محمد مصطفى سعودى، الهارب خارج البلاد صاحب مجموعة شركات (سعودى)، باستغلال بعض شركات الصرافة التابعة للتنظيم فى تهريب الأموال خارج البلاد». وأوضح البيان أن هذه الشركات، هى: «شركة التوحيد للصرافة، الكائنة ب 171 شارع 26 يوليو بالزمالك، وشركة النوران للصرافة، الكائنة ب 1 ميدان الأوبرا فى القاهرة، المملوكتان لعضو التنظيم كرم عبدالوهاب عبدالعال عبدالجليل، وشركة الغربية للصرافة، المملوكة لعضو التنظيم نجدت يحيى أحمد بسيونى». لكن شركتين من بين الثلاث المعلنة فى بيان وزارة الداخلية، وهما شركتى التوحيد والنور تحت تصرف لجنة إدارة وحصر أموال الإخوان، قبل أكثر من شهرين، منذ 13 أغسطس 2015، وأعلن المستشار عزت خميس، رئيس لجنة حصر وإدارة أموال الإخوان، فى مؤتمر صحفى عقده بمقر وزارة العدل، فى 13 أغسطس 2014، أنه تم التحفظ على 14 شركة صرافة بفروعها المنتشرة فى أنحاء الجمهورية وتشكيل مجالس إدارة من المختصين، والاستعانة ببعض مديرى البنوك المحالين إلى التقاعد بالاتفاق مع البنك المركزى والتعاون معه. الاعتراف اعترف مالك أمام جهات التحقيق المختصة، أنه عضو فى جماعة الإخوان أبًا عن جد وأن أبناءه أعضاء فى التنظيم، كما كشف عن تفاصيل اعتقاله وحبسه على ذمة عدة قضايا سابقة قبل ثورة 25 يناير وفى عام 2006 وحبسه على ذمة قضايا عسكرية. وأضاف مالك فى أقواله أنه لم يتولى أى منصب قيادى فى الجماعة، وأنه لم يقم بإمدادها بأى أموال، وأن جميع شركاته تم التحفظ عليها خلال الفترة السابقة من قبل لجنة حصر أموال الجماعة، وتديرها الأسواق الحرة وأنها حددت له راتبًا شهريًا يقوم بصرفه فى أول كل شهر بمبلغ 20 ألف جنيه. وتم خلال جلسة التحقيق فض الأحراز التى تم ضبطها مع حسن مالك، ومواجهته بها والتى كانت عبارة عن مبلغ 38 ألفًا و640 جنيهًا تم ضبطها داخل سيارته بالإضافة إلى مبلغ 137 ألفًا و585 جنيهًا و15 ألف دولار تم ضبطها داخل شركة الصرافة، واعترف بحيازته وملكيته للأحراز، كما ضمت الأحراز أوراق ومذكرات وأبحاث. من هو؟ ولد حسن عز الدين يوسف مالك فى 8 أغسطس 1958 بالقاهرة، وتخرج فى كلية التجارة جامعة الإسكندرية، وتزوج من جيهان عليوة، خريجة كلية تجارة، وشقيقة رجل الأعمال الإخوانى محمد عليوة صاحب شركة الحجاز لتوظيف الأموال، ولديهما سبعة أبناء هم: معاذ وخديجة وعمر وحمزة وأحمد وأنس وعائشة. انخرط مالك فى العمل والسياسة مبكرًا منذ أن كان طالبًا، حيث كان ينتمى لعائلة تجارية، فوالده عز الدين يوسف مالك، أحد قيادات التنظيم الخاص للجماعة فى منتصف الأربعينيات، والتقى بالرعيل الأول للإخوان كحسن البنا وعبد الرحمن السندى . علاقته بالشاطر حين كبر حسن مالك كان والده واحدًا من أكبر تجار القماش فى منطقة الأزهر ثم توسعت تجارته، فأسس «حسن» مصنعًا للغزل والنسيج بمنطقة 6 أكتوبر، إلا أن المحطة الأهم فى علاقته مع الجماعة بدأت يوم أن تعرف على خيرت الشاطر داخل جامعة الإسكندرية حيث كان طالبا بكلية التجارة، لتصل ذروة العلاقة بين الرجلين حين صار أحدهما «الشاطر» الأقوى سياسيًا، والثانى «مالك» هو الأهم اقتصاديًا. الكثير من الروايات تم تداولها حول علاقة مالك والشاطر تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب لكن القصة التى لا يمكن التشكيك فيها تلك التى نطق بها حسن مالك نفسه أثناء التحقيقات معه فى القضية العسكرية عام 2007 حيث أقر فى التحقيقات بأنه تربطه بخيرت الشاطر علاقة زمالة دراسية بسبب دراستهما بجامعة الإسكندرية سويًا واستمرت هذه العلاقة إلى ما بعد زواجهما وأصبح بينهما علاقة أسرية وترابط اجتماعى. روى حسن مالك تفاصيل العلاقة التجارية التى جمعته بخيرت الشاطر حيث قال إنهما كانا شريكين بشركة سلسبيل للاستثمار العقارى منذ إنشائها عام 1985، وتم إنهاء عمر هذه الشركة عام 1992 بعد حبس خيرت الشاطر فى القضية التى عرفت وقتها بقضية سلسبيل، وبعد تصفية الشركة كان نصيب الشاطر قرابة 1,75 مليون جنيه . وبعد خروجه من السجن أسس شركة بمفرده تحت مسمى «السلسبيل»، أما مالك فأسس شركة أخرى مع بهاء الشاطر شقيق خيرت الشاطر تحت مسمى شركة «المستقبل». وفى عام 2000 اشترك حسن مالك وأولاده والشاطر وأولاده فى تأسيس شركة «رواج» برأس مال تراوح بين 6 إلى 7 ملايين جنيه، كما أسسا فى نفس العام شركة مالك للملابس الجاهزة برأس مال قدره، 6 ملايين جنيه وكان يتبع هذه الشركة متجرى «العباءة الشرقية» لبيع الملابس الحريمى الجاهزة المستوردة. بينما كان مالك قد أسس مجموعة أخرى من الشركات بعيدًا عن الشاطر منها شركة «الأنوار» التى تعمل فى مجال الأدوات الكهربائية، بالإضافة إلى حصوله على الوكالة الحصرية لشركة استقبال التركية لبيع الأثاث ، ووكالة أخرى حصرية لشركة سرار التركية لتجارة الملابس الجاهزة وشركة العباءة الفريدة، بالإضافة إلى أنه كان شريكًا بعدة أسهم فى دار للطباعة والنشر تبين لاحقًا أنها تابعة لجماعة الإخوان. غسيل الأموال لم تكن دار النشر وحدها التى تبين أنها تابعة للإخوان بل أن التهمة الرئيسية التى كانت موجهة للشاطر ومالك هى غسيل أموال الجماعة، وعندما انتدبت المحكمة لجنة خبراء من إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة فإنها دونت فى تقريرها بعض التفاصيل المهمة حول شركات حسن مالك. فأثبت التقرير وجود إخفاء وتمويه فى المال المستتر بشركة مالك لتجارة الملابس الجاهزة، واعتبرت أن هذا التمويه تجلى فى شأن المحلات الكائنة بالعقاد مول وأركيديا مول والتى أسبغ عليها تارة صفة الإيجار وتارة أخرى صفة التمليك، وتارة باسم حسن مالك، وأخرى باسم خيرت الشاطر، وثالثة باسم بهاء الشاطر. وهو ما اعتبرته جهة التحقيق تلاعبًا فى قيمة رءوس الأموال الحقيقية المكونة للشركة والتى خلت الأوراق من بيان مصدرها الحقيقى، وقالت اللجنة بوضوح إن رأس المال المدرج بعقود تلك الشركات لا يكفى إنشاء أو إدارة تلك الشركة، بالإضافة إلى ما حققته من أرباح لا يكفى لإدارة الشركة أو تغطية مشترياتها من الأصول. انتهت القضية بمعاقبة كل من خيرت الشاطر وحسن مالك بالسجن لمدة 7 سنوات والتحفظ على ممتلكاتهما، بتهمة إدارة الأنشطة المالية لجماعة الإخوان ووجد مالك حيلة للإفلات من التحفظ على أمواله، حيث تم ضم نشاطاته التجارية إلى شركة جديدة تحت مسمى «مجموعة العز» ولم يكن هو أو الشاطر ضمن المساهمين فيها، وإنما استبدل نفسه بشقيقه محمود الذى كان يمتلك نحو 80% من الشركة الجديدة وتم توزيع باقى الأسهم على أبناء مالك الذين كان أغلبهم لم يبلغ سن الرشد بعد آنذاك، وبالتالى تولى محمود مالك إدارة المجموعة لحين خروج شقيقه من السجن. الخلاف وفى داخل السجن دب الخلاف بين مالك والشاطر لأسباب لم يفصحا عنها حتى الآن، وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أن الشركة الجديدة كانت سببا فى هذا الخلاف نظرًا لأن الشاطر لم يكن ضمن المساهمين فيها. وهنا قرر الطرفان أن يحدث تخارج من الشراكة بينهما وتعقد الموقف بسبب وجود أموال الجماعة فى المنتصف وتصاعد الخلاف إلى الحد الذى دعا مالك لأن يطلب رسمياً من مأمور سجن مزرعة طرة أن يتم نقله إلى زنزانة أخرى بعيدا عن الشاطر وكان الخلاف مثار حديث كل أسر قيادات الإخوان المحبوسين معهم فى نفس القضية. أثناء ثورة يناير تفاوضت جماعة الإخوان سرًا مع نظام مبارك وهو أمر كشف عنه عبد المنعم أبو الفتوح وكان لا يزال وقتها قياديا بالإخوان، كما كشف عنه أيضًا هيثم أبو خليل فى بيان استقالته من الجماعة الذى نشره بعد نجاح الثورة بأسابيع قليلة وكان من ضمن ما تم الكشف عنه أن أبرز ما طلبته الجماعة فى هذه المفاوضات السرية الإفراج عن مالك والشاطر تحت بند الإفراج الصحى وهو ما تم بالفعل لكن بعد سقوط نظام مبارك وأمام باب السجن تعانق الشاطر ومالك وحاولا نسيان الخلاف والاستعداد للتمكين. واثناء حكم الإخوان تولى حسن مالك التنسيق بين رجال الأعمال ومؤسسة رئاسة الجمهورية ، وكثرت الأنباء حول أن مالك كان يلتقى ببعضهم ويتفاوض معهم بهدف الحصول على مكاسب سياسية تخص السلطة. جمعية ابدأ وكانت جمعية «ابدأ» هى أهم الوسائل التى استخدمها حسن مالك فى طريقه لاستقطاب رجال الأعمال لطريق سلطة الإخوان، وهى الجمعية التى كانت تضم قبل 30 يونيو نحو 600 رجل أعمال بينما كان يقف على قوائم انتظار العضوية حوالى 500 آخرين، وكان أبرز المنضمين إليها أحمد العزبى وصفوان ثابت وآخرون وأغلب هؤلاء هربوا من الجمعية بعد سقوط نظام الإخوان . لكن ما زال نشاط الجمعية مستمرا حتى الآن، ولا يزال حسن مالك هو رئيس مجلس الإدارة، والمثير للدهشة هو أن الجمعية نظمت أنشطة بمعاونة جهات حكومية بعد أشهر قليلة من 30 يونيو مثل المؤتمر الذى نظمته فى ديسمبر 2013 تحت عنوان «المسئولية المجتمعية وتحديات المستقبل» بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة وهى إحدى الهيئات التابعة لوزارة التجارة.