على الرغم من الأجواء الإيجابية التى شهدتها جولة الحوار الاستراتيجى بين القاهرةوواشنطن إلا أن علامات الاستفهام مازالت كبيرة حول الرغبة الحقيقة للولايات المتحدةالأمريكية للتعامل بجدية تجاه القضايا العربية العالقة خاصة سوريا والعراق واليمن وليبيا، إضافة إلى مكافحة الارهاب، حيث إن فهم الإدارة الامريكية للإرهاب يقتصر على كل ما يهدد مصالحها فى المنطقة، أما ما تتعرض له الدول من الجماعات الإرهابية فمازل الموقف غامضًا بالأجندة الامريكية. وكان من الملاحظ أن البيان المشترك الذى صدر قبل مغادرة وزير الخارجية الامريكى جون كيرى لمصر يتضمن عبارات وجمل عامة تتحدث عن رغبة مشتركة بضرورة تعميق العلاقة الثنائية المصرية - الأمريكية، وكذلك اعتراف الطرفين بالدور الإقليمى والدولى لكل منهما والحاجة لإيجاد حلول مشتركة لعدد كبير من الموضوعات التى تتسم بالتعقيد. واتفق الجانبان على استمرار التعاون الوثيق من أجل تحسين أمنهم المتبادل، ومكافحة الإرهاب والتطرف والعمل معًا لنزع الشرعية عن الخطاب الإرهابى، كما ناقش وزير الخارجية سامح شكرى ونظيره الأمريكى جون كيرى خارطة الطريق المصرية وأهمية جهود تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان فى جميع المجالات، بما فى ذلك مكافحة الإرهاب، ورحبت الولاياتالمتحدة بمشاركة مصر فى التحالف الدولى لمحاربة داعش وأكدت دعمها الكامل لمصر فى حربها ضد الإرهاب. وهذه الفقرة تعد لغة مريحة للمتحاورين ولكنها لا تعكس الانفراج المطلوب فى مسألة احترام واشنطن لخصوصية كل دولة عربية وحديثها الدائم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنحها لمن يتفق معها ويخدم مصالحها فقط وإلا لماذا تصر أو تتعامل على استحياء مع بعض المتطرفين فى مناطق عدة، والأمر الشائك هنا وضعية التعامل مع جماعة الإخوان التى دعمتها واشنطن باعتبارهم المجموعة الاحق بالحكم وبعد فشلهم وانكشاف خططهم ورفض الشعوب لهذه المجموعات التى تستخدم العنف للوصول إلى الحكم بات من الواضح ان هذا الامر سوف يعكر صفو العلاقات من وقت لآخر وربما يتعامل كل مع الآخر بحذر شديد. وقد تحدث البيان المشترك عن أهمية العمل معاً للتعامل مع النزاعات الراهنة فى منطقة الشرق الأوسط وخاصة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن. كما أبرزا أهمية التوصل إلى حل عادل ودائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين يحقق رؤية حل الدولتين، اتساقاً مع المبادئ والمقررات الدولية المتفق عليها. وناقش الوزيران تطورات إقليمية أخرى، وأعربا عن أهمية التنفيذ الكامل لخطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران ومجموعة (EU 3 + 3) لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين. وتشير بعض المراكز البحثية فى الولاياتالمتحدةالامريكية إلى أن الإدارة الأمريكية بدأت فى محاولة تحسين علاقاتها مع مصر بعد حقبة جماعة الإخوان فى سبتمبر 2014، فى أعقاب مقابلة الرئيس أوباما مع الرئيس السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد إدراكها أن «الأسلوب البارد» لن يؤدى إلى تحقيق المصالح الأمريكية. وفى مارس 2015 أنهت الإدارة الأمريكية تجميد المعونة العسكرية. وشرعت فى مسألة الحوار الإستراتيجى باعتباره جزء من استراتيجية الولاياتالمتحدة لطمأنة حلفائها من العرب السنة فى أعقاب الاتفاق النووى الإيرانى، علمًا بأنه حتى مع غياب الحوار الاستراتيجى فى السنوات الماضية لم تتأثر العلاقات الثنائية من حيث المضمون، حيث استمر التنسيق فى مجال مكافحة الإرهاب، ومنحت مصر الولاياتالمتحدة حق المرور فى قناة السويس واستخدام المجال الجوى المصرى لتوفير الإمدادات للقواعد العسكرية الأمريكية فى الخليج. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد التقى جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى قبل مغادرته القاهرة حيث سلمه رسالة من الرئيس «أوباما» أكد خلالها أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة التى تهدد مصالحهما، معرباً عن أمله فى أن يضع الحوار الاستراتيجى بين البلدين إطاراً لتعميق التعاون بينهما فى كافة المجالات، وأن يساهم فى تحقيق التنمية الشاملة التى تنشدها مصر وفى إثراء العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فضلاً عن مساهمة الولاياتالمتحدة فى تحقيق نجاح واستقرار مصر والمنطقة، معرباً عن استعداد الشركات الأمريكية للمشاركة فى دفع عملية التنمية التى تشهدها مصر. وأعرب الوزير الأمريكى خلال اللقاء عن ارتياحه لنتائج جولة الحوار الاستراتيجى التى عُقدت بين البلدين، منوهاً إلى اهتمام بلاده باستئناف هذا الحوار مع مصر لتعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، وحرصاً من الولاياتالمتحدة على التشاور مع مصر بشأن مختلف القضايا الإقليمية للاستفادة من خبرتها العميقة واستثماراً لدورها الرائد إقليمياً وكونها محوراً لارتكاز المنطقة. وقد أكد «كيرى» تأييد بلاده للجهود المصرية المبذولة لمكافحة الإرهاب سواء على الصعيد الداخلى فى سيناء أو على الصعيد الإقليمى، مشيرًا إلى استعداد بلاده للتعاون مع مصر فى هذا الصدد وتقديم الدعم اللازم لها لتتمكن من مواجهة الإرهاب ودحره والقضاء عليه. وقد رحب الرئيس بما أبداه الوزير الأمريكى من استعداد بلاده للتعاون مع مصر فى مجال مكافحة الإرهاب أخذاً فى الاعتبار توسع وانتشار الجماعات الإرهابية والمتطرفة فى المنطقة، وهو الأمر الذى يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولى للقضاء عليه، محذراً من مغبة تدهور الأوضاع الأمنية فى بعض دول المنطقة وإمكانية امتداد خطر الإرهاب إلى خارجها.