رمضان شهر النصر بتقوية الإرادة وبناء المسلم روحيًّا وبدنيًّا، ولا يتحقق ذلك إلا بالتقوى والرقابة الدائمة لله عز وجل، وهذا يمنح المسلم القوة التى تجعله قوى الإرادة، يصبر ويصابر إلى أن يحقق الله له النصر. وشهر رمضان بصيامه وقيامه وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف يقرب المسلمين من ربهم، ويمنحهم القوة، ويوصلهم إلى النصر مثلما حدث فى بدر، وفتح مكة العظيم، والعاشر من رمضان، وأن أعداء الله ليخشون المواجهة مع المسلمين فى رمضان؛ لأنهم على يقين من أن رمضان يمد المسلمين بقوة لا تكون لهم فى غير رمضان، وفى هذا الشهر المبارك قد تحققت للمسلمين انتصارات عظيمة وحول ذلك كان هذا التحقيق:- يقول الأستاذ الدكتور عبد الدايم نصير بكلية العلوم جامعة الأزهر ومستشار شيخ الأزهر والأمين العام للرابطة العالمية لخريجى الأزهر:- نعم إن شهر رمضان هو شهر الانتصار على النفس والانتصار على الرغبة بالسمو إلى أفق الروح بعيدا عن الماديات وشهوات الجسد، وكذلك شهد أول انتصار للمسلمين فى قتال مشركى قريش، فى غزوة بدر الكبرى فى 17 رمضان سنة 2ه، وقد انتهت بالنصر الباهر للمسلمين، وهى أول صدام حقيقى بين المسلمين ومشركى قريش، وكانت قريش تحمل لواء الكفر فى الجزيرة العربية، ثم كان الانتصار الذى أعاد الروح إلى مصر والعرب وكذلك حرب التحرير العظيمة التى حدثت فى 10 رمضان سنة 1393ه، التى اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد؛ فالحواجز التى عبرها الجيش المصرى تدخل فى عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب، فكانت النزعة والتربية الإسلامية فى الجيش ملموسة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت فى أبهى صورها. وأدعو فى رمضان المعظم شهر النصر الشعب المصرى بكل فئاته شبابه وكباره، نسائه ورجاله أن ينتصروا لمصر بأن يعطوها حقها عليهم بكل ما أوتوا من قوة وجهد؛ لأنها صاحب الفضل على كل من نشأ على ترابها وتعلم فى مدارسها وجامعاتها، وعمل على أرضها، وأكل من خيراتها، وتضم رفات أجداده، وأيضًا هى المستقبل، فلابد أن نعلم أنه يجب علينا أن نستخدم عزيمة الإرادة والنصر التى تتجلى فى رمضان فى أن ينتصروا لمصر من أنفسهم بالعمل على رفعتها وسداد ديون مصر عليهم وأنا أول المدينين. ويقول الشيخ أحمد على محمد الأستاذ بالمعاهد الأزهرية وإمام مسجد الصحابة بالمقطم:- رمضان شهر الانتصارات العسكرية والروحانية فمن الانتصارات العسكرية أن المسلمين انتصروا على المشركين فى غزوة بدر فى السابع عشر من رمضان فى العام الثانى من الهجرة، وفيها فتح مكة وتم فى العشرين من رمضان فى العام الثامن من الهجرة. وفيه تم فتح المدائن على يد سعد بن أبى وقاص فى زمن خلافة عمر بن الخطاب، فأرسل سوارى كسرى وتاجه ضمن الغنائم إلى الخليفة دون أن ينقص منه خرزة واحدة فتحقق لسراقة وعد النبى صلى الله عليه وسلم له حيث ألبسه عمر سوارى كسرى. وفيه انتصر المسلمون على التتارفى معركة عين جالوت (25 رمضان 658 ه / 3 سبتمبر1260)، هى إحدى أبرز المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى، إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا، وانتصر العرب فى حرب أكتوبر وهى الحرب التى شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973م. بدأت الحرب فى يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم 10 رمضان1393 ه بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصرى والجيش السورى على القوات الإسرائيلية التى كانت مرابطة فى سيناء وهضبة الجولان. وساهم فى الحرب بعض الدول العربية سواء كان عسكريا أو اقتصاديا. وأما الانتصارات الروحانية فمنها الانتصار على البخل متمثلًا فى إطعام الطعام فى رمضان للفقراء والمساكين وابن السبيل على موائد الرحمن أمام المساجد وفى التجمعات، والانتصار على العزلة والقطيعة من خلال الزيارات والإفطار الجماعى لما فيه من صلة الرحم والمحبة بين الأهل. والانتصار على الشهوات من مأكل ومشرب وجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والانتصار على الرياء فالصوم هو العبادة الوحيدة التى لايطلع عليها أحد إلا الله:- [إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به]، والانتصار على الذنوب فالله يغفر الذنوب لمن صام إيمانًا واحتسابًا، الانتصار على ألد أعداء الإنسان ألا وهو الشيطان والفوز بالجائزة الكبرى ألا وهى ليلة القدر والعتق من النار ودخول الجنة من باب الريان لكل ماسبق يعتبر رمضان شهر النصر والانتصار. يقول الشيخ أشرف مهنا إمام وخطيب مسجد النصر بالمقطم:- يقول القائل:- إنى ابتليت بأربع ما سلطوا علىَّ إلا لشدة شقوتى وعنائى. إبليس والدنيا ونفسى والهوى كيف الخلاص فكلهم أعدائى فالانتصار لابد أن يكون على الأعداء عسكريًّا ومعنويًّا، ورمضان فعلًا شهر النصر والانتصارات، فعسكريًّا أن الله من على أمة الإسلام بأعظم الانتصارات، فالانتصار فى غزوة الفرقان (بدر) التى فرق فيها الله بين الحق والباطل حدث فى رمضان، والفتح الأعظم (فتح مكة) تم فى رمضان، وانتصار السادس من أكتوبر كان فى العاشر من رمضان. أما معنويًّا فنبدأ بالانتصار على أعدى أعدائك (نفسك التى بين جنبيك):- فالشبع والرى ومباشرة النساء يحمل النفس الأمارة بالسوء على الأشر أى الأكثر سوءًا والبطر أى الطغيان والغفلة، وعلاج ذلك باطمئنان القلب ولا يحدث ذلك إلا بالذكر، ورمضان فرصة لكسر النفس فلو أتيت قبل المغرب بدقائق وأمامك ما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة نفسك تشتاق إلى ما أمامك لكنك بكل عزيمة وإيمان تقول:- كلا يا نفس فإن سيدى لم يأذن لى بعد. وهذا انتصار على النفس. وهناك انتصار على النفس بضبط اللسان لننال أجر الصيام عملًا بقول النبى:- ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه). وكذلك شهر رمضان شهر القيام والنفس بطبيعتها تحب الركون إلىالسكون والدعة والراحة، والمسلم يقوم بين يدى الله الساعات الطوال فيؤدب نفسه ويربيها فى مدرسة القيام، كما ربى النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه عندما فرض الله عليه القيام (قم الليل إلا قليلًا)، ونفذه عامًا كاملًا، ثم خفف بعد ذلك . وهذا انتصار على معصية النفس بطاعة الله والقيام بين يديه. ومن طبيعة النفس أنها تحب المال حبًّا جمًّا، ورمضان شهر الجود والإنفاق امتثالًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أجود الناس وأجود ما يكون فى رمضان، وهذا انتصار على شح النفس. الانتصار على الشيطان، فالصيام هو العبادة الأولى فى رمضان ومن خلال تضييق سبل الشيطان ومجاريه يسيطر المسلم وينتصر عليه عملًا بقول النبى ?:-إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالصيام ، وأيضا فى رمضان تصفد الشياطين وهذا انتصار على الشيطان، وهناك انتصار آخرلنا بمنحة من الله على الشيطان:- (إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن).