مسحة من خفة الدم تشعر بها وأنت تستمع إلى صباح وفؤاد المهندس فى أغنية (الراجل ده هيجننى) وموجودة أيضا فى أغنيات (وحوى يا وحوى) لأحمد عبد القادر و (حالو يا حالو) للثلاثى المرح وفى (رمضان جانا) لمحمد عبد المطلب وحتى فى أغنية (هلت ليالى) التى غناها لرمضان فريد الأطرش، هذه المسحة من خفة الدم لها سر نحكيه فى سياق حكينا عن أغانى رمضان فى السطور التالية.أغنية (الراجل ده هيجننى) التى غنتها صباح بمشاركة من فؤاد المهندس نجم الكوميديا فى ذلك الوقت (ستينيات القرن الماضى) وصاحب الحضور الإذاعى المميز مع ثنائية (شويكار) من خلال مسلسل إذاعة البرنامج العام الذى ارتبط بهما حتى بدايات السبعينيات هذه الأغنية (أغنية الراجل ده هيجننى) بمفردها من بين أغانى رمضان التى تجاوز موضوعها الاحتفاء بقدوم الشهر الكريم إلى نقد سلوك اجتماعى للناس أو لبعض الناس فى هذا الشهر الكريم وهو سلوك التبذير.. الأغنية كتب كلماتها الشاعر الغنائى ذائع الصيت حسين السيد وهو واحد من الذين دخلوا عالم الأغنية العربية دون قصد.. حسين السيد الذى جاء من تركيا مع أمه وعمره لم يتجاوز العامين وعاش مع خاله فى طنطا لفترة تشبع فيها بروحانيات جوار سيدى أحمد البدوى خصوصًا وأن خاله كان شيخ تكية يضم مجلسه كل ليلة عشرات بل ومئات من الدراويش.. لم يكن هذا الشاب يحلم بالدخول إلى عالم الغناء ولكن وسامته سلطت عليه حلم الانضمام إلى صفوف نجوم السينما فى زمانه. فى القاهرة حيث كان أبوه يعمل تاجرًا دخل حسين السيد مدرسة الفرير الفرنسية فى الخرنفش (نفس المدرسة التى تخرج فيها نجيب الريحانى وعبد الفتاح القصرى) من هذه المدرسة حصل على البكالوريا. المهم حبا فى أن يكون ممثلا انتهز حسين السيد فرصة ظهور إعلان فى الصحف يطلب وجوه جديد للعمل مع الموسيقار عبد الوهاب فى فيلم يوم سعيد وفى لجنة الامتحان التى ضمت عبد الوارث عسر وسليمان نجيب نسى حسين السيد أنه جاء ليكون ممثلا لما سمع عبد الوهاب والمخرج محمد كريم يتناقشان حول مشهد فى الفيلم لايجدان أى شاعر يكتب له كلمات أغنية مناسبة هنا قاطعهما حسين السيد وعرض كتابة الأغنية. وفعلا كتب حسين فى فيلم يوم سعيد أغنية (اجرى اجرى) وكانت أول أغنية فى مشواره الفنى الذى امتد حتى عام وفاته 1983، وأغنية (الراجل ده ه يجننى) من ألحان محمد الموجى - وإذا أردنا التوقف عند مذاق النقد الاجتماعى الذى تضمنته لسلوك التبذير فى رمضان يكفى أن نستعيد سماع الكلمات التالية اللحمة 3 أشكال، وطيور بجنيه وريال، ويوماتى رز ومكرونة وكُنافة باللوز وعلب تونه، غير السلطات. والمحشيات. والمشويات والحلويات.. وإن قلت ياخوى الأكل كثير الأكل كثير، وبلاش بعزقه وبلاش تبذير، يصرخ ويقول ياخواتى صايم وراجل ثعبان ومراتى عايزه تجوعنى حتى فى رمضان! أما خفة الدم فى أغنية (هلت ليالى) التى لحنها وغناها فريد الأطرش فملمحها فى كاتب كلماتها بيرم التونسى أحد أبرز ظرفاء عصره هلت ليالى حلوه وهنية ليالى رايحه وليالى جاية فيها التجلى دايم تملى ونورها ساطع فى العلالى. وتأتى خفة الدم فى أغنية (رمضان جانا) التى غناها عبد المطلب من ألحان محمود الشريف (رمضان جانا وفرحنابو بعد غيابو أهلا رمضان) بروح كاتب كلمات الأغنية الشاعر والزجال حسين طنطاوى ولكنه شاعر حلمنتيشى تحفظ له ذاكرة الشعر العامى المصرى الكثير الشاعر حسين طنطاوى كاتب أغنية (رمضان جانا) صاحب أغنية (ع الدوار راديو بلادنا فيه أخبار) التى غناها لثورة يوليو المطرب محمد قنديل.. وحسين طنطاوى لفترة طويلة ظل ملمحًا من ملامح رمضان فى الإذاعة المصرية حيث قدم مع المنولوجست سيد الملاح برنامجًا إذاعيًا فكاهيًا فى رمضان حمل اسم السمسمية استمر يوجه نقده للمجتمع لأكثر من موسم وأيضا كتب للفنان شكوكو برنامجه الذى قامه فى رمضان (الأدباتى). تبقى أن أخبركم أن الشاعر حسين طنطاوى كاتب كلمات «رمضان جانا» هو صاحب مقدمة برنامج أبلة فضيلة (غنوة وحدوتة).. بعيدًا عن الفن حسين طنطاوى من الزقازيق وقضى عمره موظفا فى وزارة العدل، وكانت وفاته فى عام 86.