تهدف الدراما - كغيرها من الفنون - إلى تقديم خبرة جمالية للإنسان.. كما تقدم أيضا تعبيرا عن المجتمع وثقافته.. والتأثير التى تحدثه تلك الخبرة وهذا التعبير عاطفى فى المقام الأول.. وذهنى فى المقام الثانى.. وهكذا تؤدى الدراما دورا ثقافيا وجدانيا يحفز الإنسان على الحياة وتحمل مشاكلها. وتتضمن الدراما فى وجهها عنصرى الفعل والمشاهدة.. أما أشكالها فهى كثيرة تبدأ بدراما القصيدة والقصة والرواية.. وتنتهى بدراما المسرح ودراما المسلسلات فى الإذاعة والتليفزيون. وربما تنزوى دراما الشعر والقصة والرواية المقروءة، جانبا لأن تأثيرها مرتبط بالقارئ الذى يختار أن يقرأ.. لكن الأمر يختلف حينما تقدم الدراما تلك الرواية أو القصة فى وسيلة إعلامية يشاهدها كل بيت فى الشاشة الصغيرة أو فى الشاشة البيضاء فى دور السينما.. أو على خشبة المسرح.. فهنا نجد تأثيرها قويا على المتلقى. وهذا التأثير يمكنه ببساطة أن يكسب المشاهد أو المستمع لغة وثقافة ورؤية وفهما وتعديلا للسلوك.. ومحاكاة ما يشاهده أو يستمع إليه طمعا فى تجاوز الذات المنعزلة إلى المجتمع المفتوح. نذكر ذلك بمناسبة التلوث الثقافى عن طريق الدراما.. ففى السنوات الأخيرة قاومت الدراما الجادة.. الدراما العرجاء.. وقدمت أعمالا جيدة عن شخصيات مؤثرة فى المجتمع مثل مسلسلات طه حسين - وعلى مشرَّفة - وأم كلثوم - والعقاد وغيرها وكان لهذه الأعمال أثرها الكبير على الصغار والكبار.. فهى تقدم الشخصية من خلال عظمتها وإضافتها وإيجابياتها للمجتمع.. بل تعدى تأثيرها من مجرد الشاهدة إلى البحث عن أعمال الشخصية وتاريخها وهذا تأثير جيد إيجابى. لكن هذه المقاومة سرعان ما انهارت أمام أطماح المنتجين المادية والتى تمثلت فى مسلسلات العنف والجريمة والمخدرات والجنس وغير ذلك مما يصيب المتلقى بصدمة نفسية لا يفيق منها.. لأن هذه الأعمال تحاول إقناعه بأن المجتمع الذى يعيش فيه هو ما تعكسه وتقدمه له.. وتلك كارثة مؤكدة.. فقد حرصت هذه الأعمال الدرامية على تصوير المثالب والسلبيات بشكل يجعل المتلقى البسيط يكتسب خبرة سيئة يواصل بها حياته. وإلى جانب ذلك نجد تلك الأعمال التى تخاطب غرائز الشباب عن طريق المشاهد الساخنة التى تمر مر الكرام على الرقابة خشية الاتهام بالحجر على التعبير وتكميم الأفواه. وحينما يقبل شهر رمضان تتنافس الأعمال الدرامية.. فى التليفزيون.. ويقضى المشاهد معظم وقته مصلوبا أمامه لمشاهدة أكثر من عمل.. وإذا لم يستطع شاهد العمل فى الإعادة.. وبهذا ينصرف عن كل شىء ربما العبادة والعمل والحياة! هل نحن راضون عن هذا الأسلوب من الدراما التى تغيّب المشاهد وتصرفه عن أى اهتمام آخر؟ إن هناك قدرا إيجابيا من الدراما يؤثر فى المتلقى ويرتفع بذوقه وينمى خياله ويخاطب عقله ووجدانه ويحفزه على تقبل الحياة.. فأين هذا القدر فى تلك الأعمال التى تلوث العقل والوجدان.. وتصيب العين بالعمى.. والأذن بالصمم والقلب بالإحباط. إن من أهداف الدراما التسلية والمتعة والترفيه.. فى إطار من الفن الرفيع الذى يغذى الذهن والإحساس معا.. ولا نود أن نحجر هنا على موضوع الدراما فالموضوعات كثيرة ولكننا نتحدث عن (الكيف) أى كيف تناول المؤلف هذا الموضوع.. ومن أى زاوية نظر إليه.. وهل وضع المشاهد أو المتلقى فى حسابه وهو يتناول هذا الموضوع.. وهل تحلى بقيم المجتمع الذى يعيشه لكى تكون الدراما إيجابية فى تقدم هذا المجتمع؟ إنها أسئلة كثيرة يتحتم أن يجيب عنها المؤلف والممثل والمخرج والمنتج جميعا وهم يقدمون أعمالهم لشرائح المجتمع المختلفة. وماذا علينا لو سألنا أبناؤنا الصغار عن حقيقة ما يحدث فى هذه المسلسلات فقد نجد الطفل لديه رغبة فى المحاكاة أو ترديد لغة الأبطال فى العمل مهما كان مستواها.. ويعدّها لغة صحيحة جيدة.. فهل سأل القائمون على هذه الأعمال أنفسهم عن تأثيرها على أطفالنا الذين يشاهدونها مع الكبار؟ أما المسرح فحدث عنه ولا حرج.. واسأل عنه أين هو.. أين المسرحيات التى كان يقدمها المسرح القومى والمسارح الأخرى والتى مازالت فى ذاكرتنا لا تحول أبدا.. هناك بالطبع محاولات شبابية هنا وهناك. لكن قيمة العمل المسرحى فيما تتركه فى وجدان المشاهد من قيم وتجارب إنسانية تعينه على تقبل مشاكل الحياة.. لقد افتتح المسرح القومى أخيرا فهل له خطة تشبع فهم المقبلين عليه.. وهل لازال لدينا كوادر فنية تؤدى المسرحيات الجادة النثرية والشهرة.. إن الأزمة ليست فى النصوص وإنما فى هذا المناخ الملوث فى الساحة الثقافية تحت دعاوى التجريب والتجديد والتطور والتمرد وغيرها من الدعاوى التى تجذب إليها الجهلة والأميين. ندرك تماما أن الفن يتطور ويتشكل ويختلف من عصر إلى آخر.. لكننا الآن فى مرحلة تتطلب دراما صحيحة مؤثرة إيجابيا فى وجدان المتلقى.. وكفى ما يعاينه فى الواقع المعيش.. ولا ينقصه أن يجد هذا الواقع فى دراما عرجاء. كفانا تلوثا ثقافيا فى مجالات كثيرة.. وحسب الإعلام وما يجنيه بأجهزته على عقولنا فقد انحاز تماما إلى التسلية والترفيه والضحك والعنف والجريمة وإبراز المثالب.. وغيرها من السلبيات التى تزدرى الجمال وتعظم القبح.. وليتها عالجت تلك السلبيات فى أعمال درامية ممتعة تخاطب العقل والإحساس السليم! قيل للأحنف بن قيس: بم سدت قومك؟ قال: بالخلق الصحيح.. والكف عن القبيح.. وترك اللسان البذىء!