أصابنى الذهول وأنا أقرأ ما نشرته الصحف عن واقعة حرق الكتب فى مدرسة فضل، مع صورة جمعت قيادات التعليم والتربية، وتصريح الأستاذة الدكتورة بثينة كشك وكيلة وزارة التعليم بالجيزة بأن هذه الكتب «فاسدة» وفيها معلومات مغلوطة، وممنوعة من دخول مصر، وتبث سموما فى عقول الطلاب، وتحرض على التطرف والعنف والإرهاب.. إلخ، وقائمة طويلة من الاتهامات وجهها كبار أساتذة التعليم حتى كدت أطالب بإحالة هؤلاء المؤلفين «الفاسدين» إلى محكمة الجنايات والمطالبة بإعدامهم وعدم الاكتفاء بحرق كتبهم.وجدت أن عملية حرق الفكر فى ذاتها ليست جديرة، فالتاريخ يسجل قديما حرق مكتبة بغداد ومكتبة الإسكندرية ويسجل حديثا حرق مكتبة بغداد على يد قوات الغزو الأمريكية وأخيرا حرق داعش لمكتبة الموصل.. وقصة حرق كتب ابن رشد معروفة ومشهورة.. اذن فحرق الفكر، بل حرق المفكرين ليس جديدا.. الجديد هو سيناريو الحرق، حدث فى مدرسة فضل، ولم يمنعنى من المطالبة بمحاكمة المؤلفين إلا أنى وجدت اسمى من بين المؤلفين الفاسدين وكتابى «البحث عن المستقبل» ضمن قائمة الكتب الفاسدة، ووجدت الأستاذة الدكتورة بثينة كشك تقول إن اللجنة التى فحصت الكتب وجدت أنى أنتمى إلى جماعة الإخوان! ??? نبدأ بسيناريو الحرق كما جاء على لسان الدكتورة بثينة كشك وكيلة وزارة التعليم قالت: إن الجهات الأمنية طلبت منها إعدام الكتب «الفاسدة» وأنها نفذت التعليمات، وهذا طبيعى من الموظف المثالى ويستحق عليه مكافأة، وأضافت فى برنامج على قناة النهار أنها أخبرت الجهات الأمنية عن وجود كتب تحمل أفكارًا فاسدة فقالوا لها إعدميها، ولم يراجعوا هذه الكتب وتركوا المهمة لها وللجنة من كبار المتخصصين فى التربية والتعليم. وفعلا شكلت سيادتها لجنة من أكبر المتخصصين على رأسهم الدكتورة نفسها وموجه اللغة العربية الأستاذ محمد حسنى محمد، ومشرف مادة الدراسات الأستاذ حسام غريب، ومدرس اللغة العربية والتربية الدينية الأستاذ السيد عبد النبى، وأخصائية المكتبات الأستاذة فريدة حسنى أحمد، وبعد مراجعة الكتب الموجودة فى مكتبة المدرسة وجدت اللجنة، 82 كتابا تحرض على التطرف والعنف والإرهارب (ثلاث تهم مرة واحدة) وضمن هذه الكتب كتاب الشيخ على عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) الذى يثبت بالأدلة والمنطق أن الخلافة ليست أصلا من أصول الإسلام ولكنها نظام حكم اختاره المسلمون فى مرحلة كانت لها ظروفها التاريخية ولكل زمان نظام الحكم الذى يناسبه، فهل هذا يدعو إلى الإرهاب؟ هل يفسد العقول؟ هل عالم الأزهر الجليل الشيخ على عبد الرازق من خارج مصر، هل كتابه ممنوع من دخول مصر؟ وهل هو من جماعة الإخوان؟ إن كان كذلك فسيكون اكتشافا جديدا ونحن فى انتظار الأدلة التى استندت إليها اللجنة من نصوص الكتاب. المصيبة أن اللجنة اعتبرت الإمام الأكبر شيخ الأزهر الراحل الشيخ عبد الحليم محمود ضمن هؤلاء المؤلفين (الفاسدين) وحرقت أحد كتبه، وحرقت أيضًا كتابا للدكتور عثمان أمين أستاذ الفلسفة وهو من أكبر أساتذة التنوير، وحرقوا 6 كتب عن مخاطر المخدرات صادرة عن المجلس القومى لمكافحة الإدمان وهو - طبعا - غير تابع لجماعة الإخوان ولكنه تابع لرئيس الوزراء.. وعندما استنكر المثقفون مشهد حرق الكتب أصدرت وزارة التعليم بيانا يعبر عن موقفها قالت فيه إن الكتب (المضبوطة) تم (تسريبها) إلى مكتبة المدرسة، وهى كتب (خارجة على المألوف) والتعليمات تقضى بإعدام هذه الكتب وليس فرمها فقط، ولهذا تم حرق الكتب، بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل وكان الحرق ليكون عبرة لأى أفكار متطرفة، وبعض المؤلفين معادون للوطن، والباقى ينتمون إلى جماعة الإخوان مثل رجب البنا، وتم حرق الكتب بإشراف اللجنة على أنغام الأغانى الوطنية مثل (يا أغلى اسم فى الوجود - والنشيد الوطنى - وتحيا مصر) مع رفع الأعلام المصرية عاليا بأيدى الحاضرين إلى جانب توافر طفايات الحريق. هذا هو بيان الوزارة وهذا هو موقفها، مع التركيز على مسألة توافر طفايات الحريق. ??? ولم ينته المسلسل، فقد قالت الدكتورة بثينة كشك لصحيفة الشروق: بدأنا بمكتبة مدرسة فضل وفى الطريق 10مدارس أخرى إخوانية، والإخوان يهاجموننى لأوقف التفتيش على مدارسهم، والشباب الذى يحرق الجامعات الآن من نتاج القراءة لمثل هذه الكتب وفيها معلومات خاطئة، وتبث السموم فى عقول الطلبة، وهى كتب ممنوعة من دخول مصر، وليس لها علاقة بالإسلام، وبها معلومات خاطئة عن الدين فكان لابد من إعدامها حرقا والا ستسبب فى خلق جيل جديد يحرض على العنف والفوضى كما يحدث الآن، فالشباب الذى يحرق الجامعات الآن هو نتاج لقراءة مثل هذه الكتب. ??? اكتشفت الدكتورة بثينة كشك واللجنة الموقرة أننى من جماعة الإخوان وقد اتصل بى صديق من كبار المحامين واقترح على رفع دعوى أو إبلاغ النيابة لأنها اسندت إلى تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية وهى تهمة تؤدى إلى كراهية الناس لى.. ومازلت أفكر فى هذا الاقتراح. واهتمامى الأكبر بدراسة العقلية التى تحكم وزارة التعليم وخبرائها، ليس كلهم طبعا ولكن بعضهم على الأقل يهمنى أن يقرأ عاقل كتابى الذى حرقوه، وهو موجود فى المكتبات وطبع طبعتين، الطبعة الأولى فى المكتبة الأكاديمية، والطبعة الثانية فى الهيئة العامة للكتاب. وهى هيئة حكومية مائة فى المائة والكتاب يبحث عن نظام تعليمى جديد، وإعادة ترتيب أولويات التنمية، وتطوير الدراسة فى الجامعات لتساير جامعات الدول المتقدمة، ومسئولية المثقفين، وضرورة المشاركة الشعبية فى التنمية والإصلاح الشامل، وتطوير الأحزاب وتجديد النخبة السياسية، وإحياء علم التكامل العربى، ونقد الثقافة الانتقالية وثقافة العنف والجمود والدعوة إلى ثقافة جديدة للتغيير. ??? فهل هذه أفكار (فاسدة)؟ وهل فيها دعوة لجماعة الإخوان؟ وهل أنا من خارج البلاد؟ وهل الكتاب محظور؟ وهل خرج الطلبة لحرق الجامعات بعد أن قرأوا كتابى؟ ولعلم الدكتورة بثينة كشك واللحنة الموقرة فإن كتبى معتمدة فى وزارة التعليم ووزير التعليم الحالى يعلم أننى كنت عضوا فى مجلس إدارة المركز القومى لتطوير المناهج، وكذلك فى مجلس إدارة المركز القومى للامتحانات وشاركت فى جميع مؤتمرات تطوير التعليم. المسألة خطيرة.. وأخطر ما فيها أن لجان التعليم تصدر أحكاما دون تدقيق ودون قراءة، وإن كانت قرأت ودققت فالمصيبة أكبر. أما مسألة الحرق فقد أضيفت إلى حرق داعش للطيار الأردنى الشهيد «معاذ الكساسبة» وحرقها للمكتبات، فهى واقعة أضيفت إلى مثيلاتها فى التاريخ، وإن كانت الدعوة (السلفية) قد أعلنت أن حرق الكتب عمل (بربرى) إلا أن بثينة كشك قالت: أنا فخورة بحرق كتب تدمر بلدى!