وسط مناخ سياسى محتقن وحالة من الجمود والارتباك تسيطر على المشهد السودانى أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهى أول انتخابات فى البلاد منذُ انفصال الجنوب تفرز من خلالها رئيسِ البلاد وأعضاء البرلمان ومجالس الولايات. أبرز الظواهر التى رصدناها جراء هذه العملية وعلى مستوى التصويت كانت فى الإقبال الضعيف من الناخبين على صناديق الانتخابات _ يبلغ عدد من لهم حق التصويت 13 مليون ناخب _ رغم أن المفوضية القومية للانتخابات هناك منحت الناخبين 3 أيام فى 11000 مركز اقتراع فى 18 ولاية سودانية وهو أمر له دلالته فى العزوف من قبل الناخبين عن المشهد الساسى وأرجعه المحللون السياسيون لأسباب اقتصادية ولهث المواطن السودانى وراء لقمة عيشه فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية فضلا عن وجود قناعة عند قطاع عريض من المواطنين بأنه لا جديد سيحدث فى المشهد الساسى بل تعد الانتخابات بمثابة استفتاء على تجديد حكم حزب المؤتمر الوطنى الحاكم هناك رغم تنافس 15 مرشحا رئاسيا بجوار الرئيس عمر البشير منهم 5 مرشحين من احزاب مثل الإصلاح الوطنى والحقيقة الفيدرالى والاتحاد الاشتراكى وتسعة مرشحين مستقلين. وعلى الصعيد السياسى احتلت مقاطعة الأحزاب المعارضة للنظام هناك للانتخابات مساحة كبيرة ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة خاصة أنها اتخذت إجراءات تجاوزت المقاطعة لتصل إلى حد تنظيم انتخابات موازية مراكزها مقار الأحزاب نفسها تحت شعار «ارحل» فى إشارة إلى نظام الرئيس البشير. منطق المعارضة فى المقاطعة يعود إلى ضرب النظام الحاكم عرض الحائط بمخرجات الحوار الوطنى السودانى الداعى لحل الأزمة السودانية عبر تأجيل إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة إنتقالية وصياغة دستور توافقى وأثار إعلان المعارضة مقاطعتها أسئلة بشأن حجم الأحزاب الممثلة لها ومدى تأثيرها سلبا على نسب التصويت ومع تقليل الحكومة من شأن القوى السياسية المقاطعة فإن واقع الحال كما يراه متابعون سياسيون يشير إلى غير ذلك. ووفق هؤلاء المتابعين فإن الأحزاب التى أعلنت مقاطعتها الانتخابات تمثل ثقلا جماهيريا وغيابها عن المشهد الانتخابى لا يصب فى مصلحة المحصلة النهائية للانتخابات لاسيما أنها أحزاب تاريخية على رأسها حزب الأمة القومى بزعامة الصادق المهدى والمؤتمر الشعبى بقيادة الدكتور حسن الترابى والشيوعى السودانى بجانب بعض أحزاب اليمين واليسار الأخرى وعلى الرغم من ابتعاد تلك الأحزاب عن السلطة والعمل السياسى عدة سنوات فإنها لاتزال ممسكة بكثير من مفاتيح اللعبة السياسية. ويرى متابعون أن اجتماع تشكيلات المعارضة السودانية بتبايناتها السياسية والفكرية حول الدعوة لمقاطعة الانتخابات يعد نقطة تحول فى الساحة السياسية. وبحسب الإحصائيات فقد أعلن 76 تشكيلا سياسيا سودانيا مقاطعتهم لهذا الاستحقاق بينما يشارك فيه 44 حزبا سياسيا بين 120 حزبا مسجلا. بينما منطق الحكومة فى إجراء الانتخابات رغم مقاطعة المعارضة وكما جاء على لسان إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطنى بأن الانتخابات هى حق دستورى ولايجوز أن تكون الدولة بلا شرعية ونذهب للحوارالوطنى على أساس أن عدم وجود الشرعية يمكن أن يعطى أى شخص الحق فى أن يعلن شرعية لا مكان لها ولا يسندها الشعب وبالتالى فإن الانتخابات هى لتأكيد الشرعية كما أن الذى يطالب بإلغاء الانتخابات لم يقل لنا ما البديل. وأضاف: المعارضة تتحدث عن حكومة انتقالية ويريدون أن تتوازن فيها أحزاب تعلمون وجودها فى الشارع قبل أن نقوله لكم مع أحزاب أخرى وجودها راسخ ومعروف فالفيصل فى هذه الحالة هو الانتخابات الأمر الثانى هو أن الحكومات فى الدنيا كلها تطالب بتأجيل الانتخابات بينما تطالب المعارضة بإجرائها فالأمر يكون صحيحا لو طالبت المعارضة بآلية ولو مستوردة لإقامة الانتخابات وضمان نزاهتها وشفافيتها لكن إلغاءها أو تأجيلها بحجة عدم نزاهتها مقولة باطلة يراد بها باطل مؤكدا أن الحوار الوطنى التزام حزبى والتزام يقوده رئيس الجمهورية باعتباره الرئيس المنتخب لاسيما أننا اتفقنا فى آلية «7+7» على أن يبدأ الحوار بعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة. الظاهرة الثالثة هى إفساح المجال للمرأة السودانية للتواجد بشكل اكبرفى الانتخابات فعملية التصويت تشمل 3 بطاقات خاصة بالبرلمان الأولى للدوائر الجغرافية والثانية للقوائم الحزبية النسبية والثالثة لقوائم المرأة التى تستحوذ على 25% من مقاعد البرلمان وفق الدستور فضلا عن خوض فاطمة عبد المحمود والتى تتزعم حزب الاتحاد الاشتراكى السودانى وللمرة الثانية السباق الرئاسى. وعلى المستوى الإعلامى وقبل بداية الاقتراع برزت الاتهامات الموجهة فى غالبها للمؤتمر الوطنى باستغلال موارد الدولة وإعلامها وتوظيفه لصالح مرشحه عمر البشير وصوّب منافسون على مقعد رئاسة الجمهورية اتهاماتهم المباشرة لمفوضية الانتخابات واصفين إياها بعدم الحياد والعمل لصالح مرشح المؤتمر الوطنى الحاكم إعلاميا. وشكا بعض المرشحين الرئاسيين من قصور فى تغطية وسائل الإعلام الرسمية لبرامجهم الانتخابية مما أضعف عدالة المنافسة وقدم أفضلية مرشح الحزب الحاكم وفق قولهم وعدم عدالة الوقت المخصص لشرح برامجهم الانتخابية لافتين إلى أن مقترحات قدمت لتطوير التغطية الإعلامية لم تجد أذنا صاغية لا من المفوضية المعنية بعدالة المنافسة ولا من الأجهزة الإعلامية الرسمية لكن نفيا قاطعا أكدته مفوضية الانتخابات وأجهزة الإعلام الرسمية كاشفة منحها فرصا متساوية لكل المتنافسين ومقللة فى الوقت نفسه من الاتهامات التى قالت إنها لا تستند إلى واقع. وأمنيا بلغ عدد القوات التى امنت الانتخابات 75 ألف شرطى وضابط بجانب التعزيزات الأمنية التى أرسلت إلى مناطق النزاعات ولا سيما فى إقليم دافور وولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق بعد إعلان الجبهة الثورية أنها ستقاوم الانتخابات بالقوة وقامت مجموعة مسلحة تابعة للحركة الشعبية فى إقليم جنوب كردفان بإخلاء مركز انتخابى بالمنطقة ومنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وقد أعلنت المفوضية القومية تعطل الانتخابات فى 7 مراكز بسبب الأوضاع الأمنية. وعلى مستوى مراقبة الانتخابات من قبل المنظمات الدولية فبلغ عدد المنظمات 230 منظمة محلية و31 منظمة إقليمية من أبرزها الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد» وتتألف بعثة مراقبيها من مشاركين يمثلون مراقبين عن الدول الأعضاء فى إيقاد «جيبوتى، إثيوبيا، كينيا، الصومال، جنوب السودان وأوغندا» بخلاف مشاركة 40 مراقبا من الجامعة العربية ووفد من الاتحاد الأفريقى برئاسة الرئيس النيجيرى السابق ألوسانجو أبوسانجو وتضم البعثة سفراء دول الاتحاد الأفريقى فى حين لا يوجد ممثلون للمنظمات الدولية الكبرى المتخصصة فى متابعة الانتخابات مثل منظمة كارتر وكذلك ممثلى منظمة الأممالمتحدة أو الاتحاد الأوروبى ودول الترويكا وشكك الاتحاد الأوروبى فى نزاهة الانتخابات واعتبر أن نتيجتها ستكون غير مطابقة للمعايير الدولية وانتقدت المفوضية الأوروبية فى بيان لها إجراء الانتخابات فى هذا التوقيت التوقيت. واعتبر الحزب الحاكم بيان المفوضية محفزا للحركات المسلحة والمعارضة بفشل البدء فى الحوار الوطنى الذى أعلنه البشير قبل عام الأمر الذى فجر غضب الحكومة السودانية التى استدعت ممثل الاتحاد الأوروبى فى الخرطوم وأبلغتها احتجاجها الشديد على ما ورد فى البيان. وبنهاية الانتخابات سيكون البشير قد وضع القوى السياسية فى مسارين لا ثالث لهما مسار المتحالفين مع المؤتمر الوطنى ومسار غير المتحالفين معه فى اللعبة السياسية وسينال كل طرف نصيبه من السلطة حسب وزنه السياسى خاصه أن المؤتمر الوطنى يريد أن يستقوى بهم لخوض الحوار الوطنى من جديد. ولكن السؤال الذى يتبادر فى ذهن كل متابع للعملية الانتخابية هو هل يستطيع البشيرالاحتفاظ بكرسيه بعد الانتخابات لخمس سنوات أخرى فى ظل المتغيرات الجديدة ؟ وهل سينجح البشير فى الصمود أمام اتهامات المحكمة الجنائية الدولية؟ هل لدى عمر البشير ما يضيفه على الساحة السياسية حال فوزه بفترة رئاسية أخرى؟ وهل تمثل المعارضة السودانية والأحزاب الرافضة للانتخابات تحديا حقيقيا للحزب الحاكم؟ وهل حان الوقت لتكوين حكومة جبهة عريضة يضم المؤتمر الوطنى وحلفاءه والأحزاب المعارضة أم ستكون الانتخابات الحالية كذبة إبريل؟