كانت الفرصة الأخيرة فعلا لتحقيق السلام فى جنوب السودان، تلك التى أهدرها طرفا النزاع الرئيس سلفاكير من جهة، ونائبه السابق ريك مشار من جهة أخرى، وذلك بعد انتهاء المهلة التى حددتها الهيئة الحكومية للتنمية «إيجاد»، والمحددة بالخامس من مارس الحالى، دون التوصل لأى اتفاق ينهى صراعا امتد قرابة 15 شهرا، وأسقط أكثر من 50 ألف قتيل، وترك البلاد على حافة مجاعة قاتلة. وبعد الفشل الذريع الذى منيت به الاتفاقات السبعة السابقة بين الفرقاء فى جنوب السودان، جاء إعلان وزير الخارجية الأثيوبى سيوم مسفين، والذى يرأس وفد منظومة الهيئة الحكومية للتنمية «إيجاد»، عن فشل الحكومة وما وصفهم بالمتمردين فى تحقيق أى تقدم فى القضايا الخلافية الأساسية، خلال مفاوضات «الفرصة الأخيرة» التى استمرت نحو أسبوعين بأديس أبابا، ليضع البلاد فوق فوهة بركان، ويهدد بالمزيد من التدهور على الأرض، بعد أن كان من المفترض إنجاز الاتفاق على تقاسم السلطة بحسب النسب المتفق عليها سابقا وهى: 53% للحكومة و33% للمتمردين وتوزيع بقية النسب على القوى السياسية الأخرى، والاستعداد لبدء الفترة الانتقالية فى الأول من أبريل المقبل، وصولا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فى التاسع من يوليو بحد أقصى. هذه الظروف المعقدة تضع دولة جنوب السودان ذات السنوات الأربع فى مفترق طرق، وتتلاشى فيها فرص إحلال السلام التى تحولت تقريبا إلى سراب فى ظل استمرار سلفاكير ومشار كلاعبين أساسيين فى المفاوضات، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبار ما جرى فى أديس أبابا قبل أيام قرعا لطبول الحرب، بل توقعوا الأسوأ بأنه لن يمضى وقت طويل حتى تتجدد المواجهات العسكرية بين القوات الحكومية والقوات التابعة لمشار، الأمر الذى يهدد بنشوب حرب أهلية أكثر شراسة من ذى قبل. على المستوى الداخلى بجنوب السودان، يبدو الجميع فى حالة تململ من طول أمد الصراع، ووصول معظم سكان البلاد إلى حافة الهلاك، فى الوقت الذى يزداد فيه السياسيون تعنتا، وأخذ ممثلو المجتمع المدنى فى جنوب السودان يعبرون عن نفاد صبرهم حيال تفاقم الصراع وتعنت الطرفين واستمرارهما فى إطلاق الأكاذيب لإطالة أمد الأزمة، وهو ما تكشف عنه تصريحات وزير الإعلام بجنوب السودان وعضو الوفد الحكومى المفاوض «مايكل مكوى»، والتى رفض فيها اعتبار جولة المفاوضات قد فشلت، وقوله إنها «عملية طويلة لا يمكن أن تنتهى فى وقت قصير»، وهو نفس ما ردده تقريبا «ضيو مطوك» رئيس فريق التفاوض التابع لريك مشار، حين قال إن المساحات لا تزال متباعدة بين الوفدين، ولكنه عاد ليعلن أن «ثمة نقاطا اتفق عليها الطرفان، وما زلنا متفائلين بإمكانية الاتفاق». فى المقابل، مايزال الموقف الدولى من جنوب السودان محيرا ومرتبكا منذ نشوب الأزمة، ولم يتعد فى معظم مواقفه حدود التهديدات الإعلامية، وحتى بعد وصول الأطرف المتنازعة إلى طريق مسدود مؤخرا، لم يتخذ مجلس الأمن الدولى أية خطوة أكثر من التلويح باحتمال فرض حظر على الأسلحة فى المستقبل، وإدراج أعضاء من جانبى الصراع الذين يحاولون تقويض الأمن أو التدخل فى عملية السلام، على القائمة السوداء، دون أن يفرض حظر سفر فى مختلف أنحاء العالم وتجميد أصول المسئولين المتورطين فى الصراع . ونبعت الدعوة الجادة الوحيدة لخلخلة الأزمة، والاتجاه نحو إيجاد حل حقيقى ينقذ البلاد من الانهيار التام، من لجنة الاتحاد الأفريقى للتحقيق فى جنوب السودان، والتى أوصت باستبعاد زعيمى الحزبين المتصارعين على الحكم، الرئيس سالفا كير والنائب السابق للرئيس ريك مشار، خلال الفترة الانتقالية القادمة. ودعت اللجنة إلى وضع جنوب السودان تحت إشراف مجموعة من المراقبين مكونة من ثلاث شخصيات ينتدبها الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة. ومع ذلك ربما تحمل الأيام المقبلة جديدا بعد زيارة وفد مجلس الأمن الدولى إلى أديس أبابا نهاية الأسبوع الماضى والتى تتركز مهمتها حول عدة قضايا أفريقية، ومنها جنوب السودان، كمحاولة ما بعد الأخيرة لانتشال البلاد من الهوة السحيقة التى تقف على حافتها.