عيد الغطاس الذى احتفل به المسيحيون فى مصر الأسبوع الماضى، هو ذكرى عماد السيد المسيح عليه سلام الله على يد يوحنا المعمدان فى نهر الأردن، حيث جاء المسيح عليه السلام إلى يوحنا ليعتمد منه معمودية التوبة بالرغم من أنه كان باراً بلا خطية. ويعد هذا العيد من أهم الأعياد التى يحتفل بها المسيحيون حول العالم، خاصة فى الكنيسة الأرثوذكسية حيث يرمز العماد للحياة الجديدة، ولذلك فإن كثيرا من المسيحيين يقومون بتعميد أطفالهم فى هذا اليوم تبركاً بذكرى عماد السيد المسيح، ويعتبر العماد أحد أسرار الكنيسة المقدسة لدى الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية.. وفى مصر كان الاحتفال بهذا العيد شأنا عظيما حتى بعد الفتح العربى كما يقول المؤرخ المسعودى فى كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، وكان يشارك فيه كل المصريين مسلمين ومسيحيين، ويذكر المسعودى أنه حضر ليلة الغطاس فى مصر سنة 330 ه حيث أمر الأخشيد محمد بن طفج أمير مصر فأسرج ألف مشعل أمام قصره المطل على النيل وطوال الطريق الممتد للشاطئ وجانب الفسطاط، وامتلأ شاطئ النيل فى تلك الليلة بآلاف المصريين مسلمين ومسيحيين أقاموا الخيام على الشاطئ وركبوا الزوارق واشتركوا فى الاحتفال والغناء والطعام والسباحة والغطس فى النيل للتبرك والوقاية من الأمراض على الرغم من برودة الطقس، وكانت ليلة لم ينم فيها المصريون وتعتبر أعظم ليلة فى مصر وأكثرها فرحاً وابتهاجاً. أما عن أسباب تناول الأقباط للقلقاس والقصب فى هذا العيد فيقول القمص صليب متى ساويروس إن لهذه الأطعمة معانى روحية ترتبط بالمناسبة، فالقلقاس عند زرعه يتم دفنه بشكل كامل فى التربة، وكذلك الإنسان قبل المعمودية يكون مدفونا بالخطية ثم يغطس فى المعمودية لينال حياة جديدة، كما أن خلع القشرة الخارجية للقلقاس قبل الطبخ يشير إلى خلع الطبيعة العتيقة للإنسان قبل المعمودية، والقلقاس أيضاً يحتوى على مادة هلامية سامة تسمى «قلس» ولكن هذه المادة عندما تغمر بالمياه تماما تتحول إلى مادة نافعة للإنسان، وهكذا فى المعمودية يتطهر الإنسان بالماء من سموم الخطية ليصبح خليقة جديدة. أما القصب فهو يرمز للاستقامة والنمو فى القامة الروحية، كما ينقسم إلى عقلات وكل عقلة ترمز لفضيلة يكتسبها الإنسان فى مراحل حياته العمرية بعد المعمودية، وقلب القصب أبيض ومملوء حلاوة والإنسان يمتص حلاوة الأسرار الكنسية التى ينالها بالمعمودية، والقصب حتى نحصل على حلاوته يجب أن يتم عصره وهكذا الإنسان المستقيم يجب أن يكون نقى القلب ويعتصر من أجل الأخرين حتى يقدم حلاوة المسيح لهم. ويستكمل القمص بولس عويضة الحديث بالقول أن عيد الغطاس من الأعياد الوطنية المصرية منذ القرن العاشر حينما أتى المعز لدين الله الفاطمى إلى مصر، فكان يشارك المصريون فى الاحتفال به على حافة نهر النيل فى مصر القديمة، وكان يوزع الصدقات واللحوم والحلوى والخضار وخاصة القلقاس والفاكهة وخاصة قصب السكر على كل المشاركين فى الاحتفال فكان يعد احتفالا وطنياً لكل المصريين.