فى احتفالية الوطن الرسمية بعيد الشرطة أحاط الرئيس السيسى نفسه عند إلقاء كلمته بعدد من أبناء الشهداء ممن بذلوا حياتهم عطاءً من أجل الوطن واغتالتهم يد الخسة فى المواجهة مع الإرهاب، التى لم تعد الآن رداً لفعل بل باتت فعلاً ممنهجاً تديره مؤسسات الدولة جيشاً وشرطة مدعمة مادياً ومعنوياً بأبناء هذا الشعب الأصيل. الواقع فإن كلمة الرئيس الخاصة بهؤلاء الأبناء من كونهم سنداً له وأنه يستشعر بحق هذه المساندة، لا ينبغى أن تمر علينا مرور الكرام باعتبارها من كلمات المجاملة التى تليق بالموقف فحسب، بل علينا أن نستوقف أنفسنا لنعيد قراءة المشهد برمته عسانا نستطيع أن نؤكد على إعلاء عدد من القيم التى احتوتها رسالة المشهد والتى نحتاج إلى إعادة اكتشافها فى ذواتنا وترسيخها بالاستدامة بما يعمق لدينا جميعاً من مضمونها ومن قيمة التضحية من أجل الوطن. فعندما يتحدث الرئيس عن السند فكأن الدولة بأسرها ترى فى أبناء الشهداء حالة خاصة من المساندة المستدامة حيث الحدث عندهم مفعم بذكرى الشهيد كجزء من مفردات التكوين الوجدانى لأسرته. وفى المقابل فإن الصورة التى استمرت طيلة إلقاء سيادته لكلمته لم تكن فيما نرى سوى حالة من التوحد بين الدولة ممثلة فى رئيسها وهؤلاء الأبناء، الذين يمثلون عدة عشرات ممن لم تتح لهم ذات الفرصة بل منهم أطفال لم يعوا بعد الموقف أو حتى عايشوا آباءهم أو أدركوا وجودهم قبل الرحيل. ومن ثم اتسمت اللقطة بحالة من تجاوز الزمن الحقيقى لها إلى استمرارية لا محدودة مادام للوطن أعداء وفى الوطن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ليبقى المشهد فى ذاكرة الأمة يحكى تاريخاً حقيقياً لمرحلة عصيبة خلفت على مرارتها قيماً سمحة وبطولات حقة ورموزاً من خير أجناد الأرض. إن نعتنا لهؤلاء الصغار الذين كبروا بالحدث قبل الأوان بلقب « أبناء الرئيس» كان فى رأيى الشخصى تعبيراً جامعاً لكونهم أبناء لنا جميعاً فى بنوة ليست من قبيل التعاطف وفق ما أكده سيد الخلق (y) على المقاربة بينه وبين كافليهم، بل وفق منطق الواقع الوطنى الذى يجعل لهم حقاً إنسانياً وواقعياً فى نسيج أسرة الوطن الكبرى. ذلك أن المادة الجامعة المانعة فى الدستور حيال حق أسر الشهداء لن تكفى من حيث المطلق فى رد الجميل إلا إذا واكبتها مجموعة من التشريعات والقرارات غير التقليدية التى من شأنها تهدئة الخواطر وتسكين الآلام، فضلاً عن قيمتها المعنوية لكونها مقدمة من الوطن وتتسم بسمة الاستمرارية. إن ما ينبغى أن يقدم مهما كثر قليل فى ضوء ما سبق ذكره بيد أن الأهم هو سبل الحفاظ عليه ودوامه بالالتزام الأسرى من الوطن حيال أبنائه «أبناء الرئيس»، وأحسب أن جمعية واحدة لا تكفى لحقوق الشهداء وذويهم إذا أن الأهم من إقرار الحق متابعته.. وفى هذا الصدد آمل أن يعالج الأمر فى كل محافظة فى بر المحروسة قدمت شهيداً معالجة متميزة قوامها الاستمرارية بالمتابعة.. ولنضع جميعاً أنفسنا مكان ابن الشهيد وافتقاده للتوجيه الأبوى حيال العديد من مواجهات الحياة بدءاً من اختيار المدرسة وحتى العمل وبدائله.. ومن تقديم العيدية التقليدية فى الأعياد إلى مساعدات العرس والتأهل لحياة جديدة.. ومن مشاركات النشاط الخاص دعماً للموهبة إلى استشارات الحياة المهنية دعماً للرقى والترقى.. وغيرها كثير مما لا يساويها مهما عظمت الحرمان من نداء الأبوة السحرى.. حقيقة إن فقدان الأعزاء لا حدود لآلامه إلا أن الفقدان بالشهادة يمثل حالة خاصة يمتزج فيها الحزن بالإيمان والغدر بالمواجهة والثأر بالقانون ورد الفعل بالموقف الوطنى.. إن ما ندعو إليه بالطبع ليست حالة من الوصاية بقدر كونها حالة من استدامة العطاء المتبادل فمن وعدهم المولى أخروياً بالحياة عنده والارتزاق علينا أن نطمئنهم دنيوياً أن ذرية ضعافاً ممن تركوا لن يضيعهم المولى أبداً، بل سيكونون فى أعين الوطن ممثلة فى العديد من المتطوعين المدركين لطبيعة هذه المهمة الفريدة التى تحتاج تنظيمياً لأسلوب غاية فى الحكمة والإحكام يخول لهم الحق فى رفع معوقات الحياة عن كاهلهم من حيث أولويات التقدم والإنجاز فى تبعية فعلية غير شرفية لرئاسة الجمهورية أو الوزراء. ذلك أن معظم هؤلاء الأبناء إن لم يكن جميعهم لايزال أمامهم الكثير من مراحل الحياة حتى يشبوا عن الطوق، وهنا يأتى دور الاستثناءات المستحقة التى تتجاوز مثيلاتها المهنية أو الفئوية التى استحدثها الكثيرون وصارت أحدوثة من أحاديث عدم التكافؤ فى الحق المجتمعى. أما فى هذه الحالة فستصبح الاستثناءات التى علينا جميعاً أن نفكر فى إقرارها كالإعفاءات من بعض الالتزامات أو التمييز فى بعض المقارنات بمثابة الحق الذى يحفل به المجتمع مبرهناً على أصالته المستقاة من عبق التاريخ ومبادئ الأديان وقيم الإنسانية المصرية على مر العصور. إن ما يمكن أن نقدمه لم يأت بعد حيث إن مجيئه كاملاً غير منقوص سيكون بمثابة الضربة غير المنظورة من الوطن تجاه أعدائه من (بنى أرهب)، الذين سيدركون أن أعمالهم قد ارتدت حسرات عليهم بما زادته من تلاحم أبناء المجتمع وما أعادته من استخراج مكنونه الطيب. ليس فقط بمعاملته غير المسبوقة حيال (أبناء الرئيس) ولكن فى قدرته على تحويل الأحزان إلى طاقة إيجابية، لا سيما عندما تظل هذه الحوادث شاخصة فى وجداننا لا يفترها تقادم العهد أو يبهتها تباطؤ التنفيذ بل يجعلان منها غاية تعلو على الالتزام المهنى لتتسامق نحو الخلود الوطنى... وإنا لمنتظرون..