انتشرت مؤخرًا زلات وسقطات من مسئولين إما بالإشارة باليد أو بألفاظ يعاقب عليها القانون، البعض يراها مجرد تصرفات فردية لم تصل إلى حد الظاهرة، بينما يطالب آخرون بضرورة التصدى لها ومحاسبة المسئول الذى يفترض أن يكون قدوة ونموذجا للمواطنين فى تصرفاته وأقواله. كانت آخر سقطات المسئولين التى أثارت غضب الرأى العام واقعة اللواء أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية، عندما أشار خلال لقاء جماهيرى بمواطنى قرية أبو سلطان «جنوبى الإسماعيلية» بإشارات خارجة وأصدر ألفاظا خادشة للحياء وهو يعلق على أزمة الخدمات والإسكان بالمحافظة وسبقتها سقطة د. جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة خلال جولة تفقديه له بمنطقة المرج يبحث فيها أحوال المواطنين، حيث تقدمت منه سيدة من أهل المنطقة تشكو له من معاناتها اليومية، وبعد أن انصرفت قال المحافظ لمن حوله عن السيدة إنها «قابضة قرشين»، وملوحا بأصابعه! وكان المستشار أحمد مكى وزير العدل الأسبق قد قام بصفع موظفًا بالوزارة أثناء إحدى الوقفات الاحتجاجية التى نظمها الموظفون، ووقتها طالبت المنظمات الحقوقية بأن يقوم هذا الموظف برد القلم للوزيرأمام الجميع. وتضم قائمة الشتائم أيضا مدير آثار رشيد الذى سب المواطنين بعد قرار د. ممدوح الدماطى وزير الآثار بالخصم من راتبه لإهماله الجسيم فى عمله. يذكر أن حادثة شبيهة بهذه الوقائع حدثت مع رئيس وزراء بريطانيا السابق، جوردون براون، الذى نسى مايك قناة سكاى التليفزيونية مفتوحا فى جيبه، فالتقطت القناة تعليقا له عن مواطنة انتقدت سياسة حزبه، يصفها فيه بأنها «مخبولة». ورغم أن وصف مخبولة أقل كثيرًا من الألفاظ التى تخرج فى مقابلات المسئولين إلا أن رئيس الوزراء البريطانى اعتذر للسيدة علانية فى حوار إذاعى. ولم يكتف بذلك بل ذهب بنفسه إلى السيدة البريطانية فى بيتها واعتذر لها، تحدث من بيتها إلى وسائل الإعلام وحده، بعد أن رفضت السيدة أن تظهر إلى جواره أمام الكاميرات. وحول انتشار هذه الوقائع فى مصر وكيفية التصدى لها يقول د. أحمد حجازى أستاذ علم الاجتماع بجامعة كفر الشيخ أن هناك الكثير ممن لا يعجبهم رأى الآخرين يتلفظون بمثل هذه الألفاظ وهى ظاهرة اجتماعية تضر بالهوية المصرية وبعيدة عن لغتنا وثقافتنا ومن ثم ستخلق فجوة أكبر وتعد ثقافة جديدة غير مقننة وغير محترمة، فى توجيه الحديث الذى يتضمنها، خاصة للكبار أو المسئولين. وقال حجازى إن الفترة الحالية تشهد وجود البعض الذين لايفرقون بين المسئولية والمنصب ولا بين كبير السن والشباب، وبين النساء والرجال، فى حين أن ديننا وأعرافنا، تدعو إلى وزن الكلام وتقدير المخاطب. وقال حجازى إن هذه الظاهرة الاجتماعية تدل على وجود خلل فى البناء الاجتماعى وتظهر فى بعض المجتمعات كما أنه لا صلة لها بالتقدم العلمى والمعرفى بقدر صلتها بالتخلف النفسى والأخلاقى التى تضر الآخرين. وأشار إلى أن ثقافة اللسان مبدأ قوى بالنسبة لمجتمع طامح إلى تنمية أما لو افترضنا العكس وتخيلنا مجتمعا مدنيا يقوم بعض أفراده بممارسة سلوكية السباب فهو مجتمع لم يبلغ مستوى المدنية لا يزال بدائيًا. وأكد أن هذه الألفاظ والمصطلحات الدخيلة المتداولة بين المسئول هى عبارة عن كلمات عامية جديدة فى المجتمع يستعملها الشخص خاصة، للتعبير عن استيائه أو ظاهرة ما لكنها قبل كل شىء فهى ألفاظ تشوه الثقافة، فهى عبارة عن كلمات مشفرة ناتجة عن تواطؤ اجتماعى. ومن أجل تفادى انتشارها فيجب على أى إنسان أن يرفض التعامل أو التحاور مع شخص يتكلم بمثل هذه اللهجة حتى لا يؤثر فيه ونحن نتساءل عن ماهيّة المسئول ومعايير اختياره هل تكون خاضعةً لمُخرجات تتناسب مع احتياجات التنمية وخططه. وطالب حجازى بضرورة منح المسئولين عددا من الدورات والبرامج التى تمنحهم الترقية المطلوبة فى مجال عملهم الامر الذى يؤدى إلى وجود بناء تراكمى للخبرات فى العديد من الإدارات الحكومية. أخطاء المسئول وقال مؤمن العقيلى عضو اتحاد التحكيم الدولى ان أخطاء المسئول تنقسم من الناحية القانونيّة إلى ثلاثة أقسام هى الأخطاء الجسيمة والعادية وأخرى قد يرتكبها المسئول بحكم صلاحياته مُشيراً إلى أهميّة التفريق بين استخدام السلطة التى قد لا يكون المسئول موفقاً فيها وينتج عنها خطأ ناتج عن اجتهاده واستخدامه السلطة وبين الأخطاء الجسيمة التى تكون فى القرارات الاستراتيجيّة ويترتّب عليها خطأ جسيم أحدث ضرراً أو خسارة للإدارة، لافتًا إلى أنه لا بد هنا من مُساءلة المسئول عن الخطأ. وأكد العقيلى أن منظومة الإدارة الحكوميّة تحتاج إلى إعادة هيكلة ومزيد من الوقت لتأهيل كبار موظفى الدولة حتى تضع الشخص المُناسب الذى يحمل المؤهلات العلميّة المناسبة للتعامل مع المواطن وغيره. وأشار إلى أن الحضارات الإنسانية حرصت على زرع قيم المهنية وحب العمل باعتباره قيمة إيجابية مهمة تدل على تميز الفرد ومكانته ليسهم فى تطور المجتمع ونمائه واستمرار تفوقه. وقال حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن هناك العديد من دول العالم وضعت قانونا يعاقب على التفوه أو إصدار ألفاظ خارجة أو بكلمات نابية فى الأماكن العامة وذلك بغرامة مالية للأفراد الذين يرتكبون هذه المخالفة بينما المسئول يدفع المخالف ضعف هذه القيمة تقريبا. وأكد أبو سعدة أن العقوبة المعنوية لأى مسئول تبقى أشد وطأة من خلال نظرات الاستهجان وتعبيرات الاشمئزاز وهو ما يعد أقسى عقاب يناله فى أى مكان.