على مساحة لا تتجاوز الكيلو متر المربع توجد منطقة تنفرد وتتميز بها مصر عن العالم كله، حيث تجسد بشكل حى المحبة والتسامح والتعايش بين الأديان السماوية الثلاثة فهى تضم جامع عمرو بن العاص أول جامع فى مصر و أفريقيا إضافة إلى الكنيسة المعلقة التى تم الاحتفال بانتهاء ترميمها منذ أيام قليلة ومعبد بن عزرا اليهودى، إنها منطقة « مجمع الأديان»، حيث ترتفع هناك أصوات الأذان وأجراس الكنائس و ترانيم المعبد فى تناغم مسبحين جميعهم باسم الله. وقد قامت أكتوبر بجولة فى منطقة « مجمع الأديان « بمصر القديمة و كانت البداية من الكنيسة المعلقة التى تم منذ أيام قليلة الاحتفال بانتهاء مشروع ترميمها الذى استمر 16 عاما، وذلك بحضور المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء والبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ود. ممدوح الدماطى وزير الآثار. ويعود تاريخ الكنيسة المعلقة إلى أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الخامس الميلادى وعرفت باسم كنيسة السيدة العذراء والقديسة دميانة وقد سميت بالمعلقة لأنها مشيدة فوق برجين من أبراج حصن بابليون حيث تم وضع أخشاب النخيل مع طبقة من الأحجار لتكون الأرضية وتعود أهميتها إلى أنه كان يتم فيها رسامة البطاركة، كما يعقد فيها كثير من الاحتفالات الدينية المسيحية الكبيرة، و يتم الوصول إليها بواسطة درجات سلالم مقامة بالقرب من أحد أبراج الحصن ويتقدم المدخل حوش يستعمل كاستراحة للزائرين والكنيسة مبنية على شكل مستطيل أما من الداخل فينقسم الصحن إلى أربعة أقسام يفصلها عن بعضها ثلاثة صفوف من الأعمدة الرخامية ويغطى الأقسام الثلاثة الرئيسية لها أقبية نصف دائرية من الخشب أما القسم الرابع فيغطيه سقف مستوى من الخشب ويوجد المنبر فى الناحية الشمالية للكنيسة وهو مصنوع من الرخام ويرتكز على خمسة عشر عمودا، كما يوجد بها أكثر من مائة أيقونة يرجع أقدمها للقرن الثامن الميلادى. أما حصن بابليون فقد تضاربت الآراء حول تاريخ بنائه فيذكر البعض أن الذى بناه هو الامبراطور تراجان عام 98 م بينما يرى آخرون أنه يرجع الى عصور فرعونية قديمة وفريق ثالث يرى أنه أنشئ عوضا عن قلعة بابليون التى بناها الفرس بأعلى الجبل ويذهب البعض أن الفرس هم الذين بدأوا بعمارته ثم أكمله الرومان. وقد استعمل فى بناء الحصن الحجر الجيرى والطوب الأحمر وكانت طريقة البناء خمسة مداميك من الحجر الجيرى وثلاثة من الطوب الأحمر، ويصل ارتفاع الأبراج إلى حوالى 18 مترا و قطرها 31 مترا وأرضية الحصن حاليا تنخفض حوالى 6 أمتار عن مستوى الشارع، وذلك نتيجة التراكمات عبر العصور ويمكن داخل من المتحف القبطى المجاور للكنيسة المعلقة زيارة جزء من الحصن وهو «باب عمرو» الذى دخل منه عمرو بن العاص فاتحا مصر. وإلى جانب الكنيسة المعلقة فتضم منطقة مجمع الأديان العديد من الكنائس منها كنيسة أبى سرجة التى أنشئت فى أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس الميلادى ولقد اتخذت تسميتها من اسم قديسين لهما شهرة كبيرة فى التاريخ المسيحى وهما القديسان سرجيوس وواخس اللذان استشهدا فى عهد الإمبراطور الرومانى « مكسيمان». وتعد المغارة التى احتمت بها العائلة المقدسة عند مجيئها إلى مصر من أهم معالم كنيسة أبى سرجة وهى محفورة فى الصخر ويغطيها قبو حجرى، وبالإضافة لهذه الكنيسة فإنه يوجد كنائس أخرى بمحيط المنطقة مثل كنيسة القديسة بربارة وكنيسة مارجرجس ودير مارجرجس للراهبات الذى يحتوى على باب طوله سبعة أمتار تقريبا ومزين بنقوش بارزة آية فى الإتقان. انتقلت أكتوبر بعد ذلك لجامع عمرو بن العاص الذى أنشئ عام 642 ميلادية ويعد أول جامع أنشأ بمصر وأفريقيا ولم يقتصر دوره على أداء الفرائض الدينية فحسب بل كانت تقام فيه محكمة لفض المنازعات الدينية والمدنية، كما كان به بيت المال واستخدم كأول جامعة لتدريس العلوم الدينية ليس فى مصر فقط بل فى أفريقيا. وكانت مساحة الجامع وقت الإنشاء 50 ذراعا فى 30 ذراعا تسوده البساطة وليس له محراب مجوف وقد ظل على مساحته حتى عام 672 م، حيث زاد من مساحته مسلمة بن مخلد الأنصارى أمير مصر، وقد زخرف جدرانه وسقوفه وأنشأ أربع مآذن كما أمر بفرشه بالحصر، وفى سنة 698م أزال عبد العزيز بن مروان والى مصر جدرانه ووسعه من جوانبه وفى عام 710م أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بهدمه ثم زاد من مساحته وأنشأ فيه محرابا مجوفا ووضع به منبر خشبيا واستمرت أعمال التوسعة والتحديث للجامع حتى آخر توسعة عام 1797م، وذلك فى العصر العثمانى حيث تم هدم الجامع وإعادة بنائه بسبب ميل أعمدته و سقوط ظلاته. ويتكون الجامع الآن من صحن أوسط مكشوف مستطيل وأربع ظلات أهمها وأكبرها ظلة القبلة وبها عشرون رواقا ويليها فى المساحة الظلة الشمالية الغربية وتتكون من سبعة أروقة، ثم الظلتان الجانبيتان وتتكون كل منهما من خمسة أروقة. وكان معبد بن عزرا اليهودى هو آخر مكان فى جولتنا بمنطقة مجمع الأديان وقد كان مكان هذا المعبد كنيسة ترجع للقرن السادس الميلادى ويدل على ذلك التصميم المعمارى الذى يماثل تصميم الكنيسة والمعروف بالطراز البازيليكى، وفى القرن التاسع الميلادى اشترت الطائفة اليهودية هذه الكنيسة ومساحة من الأرض حولها، وذلك للأهمية الدينية والروحية للمكان لديهم وتتمثل فى أن مياه النيل كانت تفيض فى هذا المكان حيث انتشل الصندوق الذى وجد فيه سيدنا موسى عليه السلام وهو طفل، كما أنه بعد أن كلف بالرسالة كان يقف فى هذا المكان يصلى ويستدل على ذلك بالكتابات العبرية المحفورة على التركيبة الرخامية الموجودة فى صالة المعبد من الأصحاح التاسع من سفر الخروج.والمعبد بناء مستطيل الشكل مقسم عن طريق صفين من البائكات إلى ثلاثة أقسام وكل بائكة تتكون من ستة أعمدة و يوجد فى كل من الجدارين الشمالى والجنوبى ثلاث حنيات تستخدم كمكتبات تضم مجموعة من الكتب وتحمل أسماء المتبرعين باللغة العبرية، أما الهيكل الذى يضم دولاب التوراة فيقع فى الجدار الشرقى وهو من الخشب المطعم بحشوات من الصدف والعاج ومزخرف بزخارف مذهبة معظمها من الطراز الإسلامى وبعض الزخارف اليهودية مثل النجمة وشكل الوصايا العشر فى كتاب مفتوح باللغة العبرية.