انتهى عيد الأضحى المبارك على خير وسلام، ولم يبق منه سوى تلك الصورة البائسة للعظام والجلود والدماء التى تناثرت فى شوارع القاهرة! حتى فقد هذا العيد فلسفته وأصبحت سلوكياتنا تتنافى مع قيم الإسلام وتعاليمه التى تحض على النظافة والبساطة والقناعة! كنت أقود سيارتى فى اليوم الذى يسبق وقفة عرفات حتى سمعت صوتا عاليا مفزعا لاصطدام تحت جانبها الأيسر، فاعتقدت أنى احتككت بالرصيف وأن العجلة قد تحطمت، وحين نزلت لأتفحصها لم أجد شيئا، لكنى وجدت السيارة التى خلفى يتكرر معها نفس الموقف وتدور مع عجلاتها قطعة من العظام تتجاوز النصف متر طولا والعشرين سم عرضا مكسوة بالدماء وهى لذبيحة حديثة ترك أصحابها مخلفاتهم فى قارعة الطريق! فى ذات اليوم الذى قرر فيه كثير من الناس أن يذبحوا الأضحية مبكرا حتى يتصدقوا بها ويأتى العيد وقد نال الفقراء نصيبهم ويتوفر طعامهم مبكرا، قررت أنا أيضًا أن أقوم ببعض المهام سيرا على الأقدام، ويا هول ما رأيت من كلاب ضالة يتدلى من بين فكيها مخلفات الذبائح وأعداد مهولة من الذباب قد تكتلت وروائح عفنة تأبى النفس أن تقترب منها ، ناهيك عما يحدث من أعاجيب أمام محلات الجزارة بداية من احتلالهم لشوارع بأكملها وانتهاء بالحالة المفزعة لتلك الشوارع بعد العيد، ثم أنهار الدماء التى تسير فى شوارع مدن وقرى مصر المحروسة من أقصاها إلى أقصاها فنظل نعانى أياما وأسابيع حتى تمحى آثار هذا المشهد الغريب الذى ليس له مثيل فى العالم! فالعالم الإسلامى كله يحتفل بعيد الأضحى، ويذبح الذبائح تنفيذا للسُنّة، لكن العالم الإسلامى كله لا يجرى فيه ما يجرى فى مصر من مظاهر بشعة لتلك المناسبة الجميلة، لقد تحول الأمر كما تحولت أمور كثيرة إلى نوع من التفاخر والتباهى بحجم الأضحيات، إضافة إلى الحالة التى تصيب الجزارين من غرور وعجرفة وصعوبة تحديد موعد وأصبح الأمر كله نوعا من المعاناة والتزيد والمبالغة وكل ذلك لا يرقى لتعاليم الدين الإسلامى! ففى كل الدنيا هناك مذابح تجرى فيها عمليات الذبح بطريقة منظمة ونظيفة للمواطن وللمجتمع، ويمكن لنا فى مصر أن نخصص أماكن فى أطراف القرى والمدن، وأن تجهز وسائل لنقلها فى التجمعات السكنية. أما السادة الذين يملأون شوارعنا وأرصفتنا عظاما ودماء ومخلفات فعليهم أن يعلموا جيدا أن الذبح سنة لكن النظافة فرض على المسلم وأنها دالة على إيمانه بل هى فى صلب إيمانه!