أثار قرار مجلس الوزراء بإعطاء رئيس الجامعة صلاحية «عزل» عضو هيئة التدريس المخالف من خلال تعديل قانون تنظيم الجامعات - ردود أفعال واسعة داخل الأوساط الجامعية بين مؤيد ومعارض. المؤيدون يرون أنه قرار احترازى واستثنائى لفترة زمنية معينة لعدم تكرار ما حدث فى الجامعات من فوضى وعنف العام الماضى، مؤكدين أنه ليس لتكميم الأفواه أو ضد حرية الرأى. أما المعارضون فيرون أنه قرار متسرع وخرج بدون دراسة وسيضع الجامعات فى ورطة حيث ستضطر لإعادة الاستاذ المفصول بحكم من القضاء الإدارى وأنه سيخلق فرعون جديدًا لأنه يمنح سلطة مطلقة لرئيس الجامعة فى «عزل» عضو هيئة التدريس دون تحقيق. «أكتوبر» استطلعت آراء بعض رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والأساتذة حول هذا القرار الذى أصبح حديث الساعة بالوسط الجامعى خاصة مع بداية العام الجامعى الجديد. وحول هذه القضية الشائكة يقول د.فاروق إسماعيل رئيس جامعة القاهرة الأسبق ورئيس جامعة «الأهرام الكندية» إنه قرار متسرع بدون دراسة، وهدفه إشاعة الرهبة داخل الجامعات أكثر منه تحقيق الانضباط. مؤكدًا أن قانون تنظيم الجامعات الحالى كان كافيًا لمواجهة أى خروج عن الشرعية حيث يحتوى على إجراءات لمعاقبة عضو هيئة التدريس من خلال مجالس التأديب تبدأ بالتنبيه ثم لفت النظر ثم اللوم وتنتهى العقوبة بالعزل. مشيرًا إلى أن ما يؤخذ على قانون الجامعات هو البطء فى إجراءات معاقبة عضو هيئة التدريس ويمكن معالجة هذا العيب بزيادة أعداد لجان التأديب بدلًا من هذا القرار لتكون هناك لجنتان بكل جامعة بدلًا من لجنة واحدة وأضاف: كان من الممكن أيضًا الاستعانة بنواب رئيس الجامعة الثلاثة فى تشكيل 3 لجان بكل جامعة تتولى التحقيق مع عضو هيئة التدريس المخالف مما يؤدى سرعة التحقيق وأيضًا سرعة إصدار العقوبة. مشددًا على أن هذا القرار كان يحتاج لدراسة قبل إصداره حتى لا يضع الجامعات فى ورطة لأنه سيجعل الجامعة تضطر لإعادة عضو هيئة التدريس «المعزول» مرة أخرى بناء على حكم من القضاء الإدارى. ويضيف د.فاروق إسماعيل أن أعضاء هيئة التدريس ليسوا من السطحية أن يرتدعوا أو يخافوا من هذا القرار وخاصة أن هناك قانونًا لتنظيم الجامعات موجود وأقوى من مظلة هذا القرار الذى اتخذه مجلس الوزراء.. وكان يمكن أن يتم التعجيل فى قرارات مجالس التأديب بالاستعانة بنواب رئيس الجامعة فى تولى هذه اللجان.. مؤكدًا أنه إذا كان هناك تجاوز من بعض الاساتذة فإن هذا لا يعطى الحق لمجلس الوزراء لاتخاذ مثل هذا القرار. ومن جانبه يوضح د.أمين مصطفى وكيل كلية الحقوق جامعة الإسكندرية وأستاذ القانون الجنائى أنه تم استبدال الفقرة الثانية من المادة (110) لقانون تنظيم الجامعات بإضافة مادة جديدة تعطى لرئيس الجامعة حق «عزل» عضو هيئة التدريس المخالف وبالتالى تكون هذه الإضافة قد ألغت مجالس التأديب التى كان يتم تشكيلها من أحد نواب رئيس الجامعة ومعه أستاذ من كلية الحقوق ومستشار من مجلس الدولة والتى من سلطتها توقيع عقوبة «العزل» للاستاذ الجامعى بعد التحقيق معه. مضيفًا أن العجيب فى هذا التعديل أنه أعطى لرئيس الجامعة صلاحية «عزل» عضو هيئة التدريس فى حين أنه لا يستطيع أن يعزل موظفًا أو حتى فراش بالجامعة إلا بعد تحقيق طبقًا لقانون العامليين المدنيين وأن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسببًا ومؤكدًا أن هذا التعديل يتعارض مع مبادئ العدالة وسيادة القانون ويخالف الدستور فالمادة (95) تنص على أنه لا توقيع عقوبة إلا بحكم قضائى.. والمادة (96) تنص على أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وتساءل هل من القانون والمنطق أن يعطى لرئيس الجامعة صلاحية عزل الأستاذ الجامعى فى حين لا يملك صلاحيته عزل الموظف أو الفراش بالجامعة؟ وقال لا ننكر إن جامعاتنا تحتاج إلى ضبط وردع المخالفين ولكن تجب معالجة الخطأ بالصواب وليس بالخطأ ومعالجة الخروج عن القانون بالقانون وليس بالخروج على القانون ويجب ألا نسمح للغضب والاستياء من تصرفات بعض أعضاء هيئة التدريس بأن يشوش على تفكيرنا نحو جميع أعضاء هيئة التدريس بقرارات انفعالية ففى كل مجال يوجد الصالح والطالح ويجب ألا نضطر لاتخاذ موقف انفعالى فليس من الحكمة التعامل مع الاستاذ الجامعى بهذا الشكل، مشيرًا إلى أنه كان يمكن التغلب على هذه المشكلة بدلًا من تعديل القانون بتسريع وتفعيل إجراءات مجالس التأديب وإلزامها باتخاذ القرار فى وقت محدد على النحو الذى يحقق الردع ودون إهدار لكافة الضمانات ودون توسيع لسلطة رئيس الجامعة. ويرى د. أمين مصطفى أنه كان يمكن تفعيل المادة (106) من قانون تنظيم الجامعات تفاديًا لهذا الحرج بإيقاف عضو هيئة التدريس المخالف عن العمل إذا اقتضى الأمر لمدة 3 أشهر يتم خلالها التحقيق معه منعًا لهذا المأزق حيث يمكن للأستاذ الجامعى المعزول بقرار من رئيس الجامعة العودة لعملة مرة أخرى بحكم من القضاء الإدارى مما يضع الجامعات فى ورطة. فرعون جديد يؤكد د. أحمد إبراهيم أستاذ الإدارة العامة بجامعة بنها إن هذا القرار أثار حفيظة أساتذة الجامعات ووصفه بأنه «كلام فارغ» لأنه لابد أن تكون هناك مساحة كافية للنقاش والتحاور وبحث العقوبة ليخرج القرار جماعيًا وليس فرديًا بالعقوبة سواء كان «بالفصل» أو عدم الفصل.. مشيرًا إلى أن قانون الجامعات رقم (14) فى أمريكا يوجه 3 إنذارات لعضو هيئة التدريس المخالف بينهم فترة زمنية قبل «الفصل» وهذا معناه أن تكون هناك مساحة كافية من التحاور والنقاش والبحث لتحديد العقوبة المناسبة. وشدد على أنه لا يصح إعطاء رئيس الجامعة صلاحية مطلقة فى «عزل» الأستاذ الجامعى وإلا فإننا نصنع فرعون جديدًا فى الوقت الذى بدأت فيه الدولة فى تعظيم قيم الديمقراطية والمشفافية مؤكدًا أن وجهة النظر الواحدة والمغلقة على شخص واحد فقط تعد غير كافية لاتخاذ القرار الرشيد والسليم والفعال فصدور عقوبة «بالفصل والعزل» لابد من أن تكون صادرة من مجلس الجامعة أو الهيئة القانونية (الشئون القانونية) بالجامعة بعد التحرى عن المعلومات بشكل كافٍ مؤكدًا أن هذا القرار يعنى إلغاء مجالس القسم والكلية والجامعة ويؤكد أن ليس لها أى وجود. ويرى أن هذا القرار هدفه «تخويف» أساتذة الجامعات أكثر منه لتحقيق الانضباط داخل الجامعة محذرًا أنه ربما يسىء رئيس الجامعة استخدام السلطة المطلقة ويستخدمها فى أغراض شخصية لتصفية الحسابات مما يضر بالعملية التعليمية مؤكدًا أن هذا القرار يحتاج إلى المراجعة وهذا ليس عيبًا لأنه يصح «عزل» عضو هيئة التدريس بقرار شخصى، فالمفروض أن يكون لممثلى الجهات القانونية بالجامعة وكذلك مجالس القسم والكلية والجامعة رأى فى القرار بالعقوبة ثم يأتى فى النهاية رأى رئيس الجامعة وهو رأى استشارى مطالبًا بضرورة وجود مرجعية خلف رئيس الجامعة للقرارات المهمة من خلال نواب رئيس الجامعة الثلاثة أو من خلال لجنة للخبراء يتم تشكيلها بالجامعات حتى لا تكون السلطة مطلقة ويساء استخدامها. التدرج الهرمى وتطالب د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالتدرج الهرمى فى الجامعة فى اتخاذ القرار، قائلة لم نتعود فى الجامعة أن يكون رئيس الجامعة هو المتصرف فى كل شىء نحن لا ننكرر أننا فى ظل ظروف استثنائية ولكن لا نريد أن نتعامل بشكل استثنائى حتى لا نرجع للوراء، لأنه عندما نعطى رئيس الجامعة هذه السلطة فإننا سوف نثير حفيظة الآخرين، لأنه لايوجد رئيس جامعة على معرفة شخصية بكل استاذ؛ لذا كان الأفضل أن يصدر القرار من مجلس الكلية ثم عميد الكلية الذى يطرحه إلى مجلس الجامعة ثم إلى رئيس الجامعة. وأضافت: لا ننكر أنه حدث تخريب وحرق وسباب وشتائم داخل الجامعة والقرار الذى أصدره مجلس الوزراء يأتى من منطلق الخوف على البلد، ولكن المهم أن يكون هناك تدرج هرمى حتى نصل للقرار النهائى، وحتى لا نخلق مناخًا من الشك وإثارة الحساسية وتفجير نوع من الوشاية وعدم الثقة داخل الجامعة. وتوضح د. سامية خضر أن أحدًا لا ينكر احتياجنا ضرورة ضبط إيقاع الأداء فى الجامعة وتأمين سلامة العملية التعليمية مع بداية العام الجامعى بوضع التشريعات أو تعديل ما هو قائم للحفاظ على الكيان الجامعى وحمايته من الإرهاب الأعمى الذى مارسته عناصر محدودة تنتسب إلى طرفى العملية التعليمية من أساتذة وطلاب، لكن المهم أنه لا ينبغى أن تتحول تلك التشريعات إلى «سيف مسلط» على رقاب الأساتذة وتمس هيبة الأستاذ الجامعى بين طلابه.. ولا يجوز مهما خلصت النوايا أن يصبح مصير الاستاذ الجامعى رهن وشاية كاذبة مثلًا، فيتم «عزله» دون وجود ضمانات قضائية لنزاهة عملية التحقيق من الاتهامات الموجهة إليه.. مؤكدة أنه بالقرار الجديد لا توجد ثمة ضمانة أو آلية تحمى براءة المتهم حتى تثبت إدانته، إذ تكفى وشاية أو شكوى كيدية أمام رئيس الجامعة ضد أحد الأساتذة من ذوى الدم الثقيل أو الرأى المخالف لتكون ذريعة لعزله بجرة «قلم» من رئيس الجامعة. ويتفق د. «حسن شحاتة» مدير مركز تطوير التعليم الجامعى الأسبق بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة مع رأى د. سامية خضر بضرورة وجود التدرج الهرمى فى اتخاذ القرار بأن يأخذ القرار داخل مجلس الكلية والجامعة ثم يرفع إلى رئيس الجامعة، وأن يتم اتخاذ القرار فى ضوء اللائحة التنفيذية للقانون.. وأن يكون هناك استاذ من كلية الحقوق بكل جامعة للتحقيق مع عضو هيئة التدريس المخالف فى ضوء اللأئحة ثم يطبق القانون. تحقيق مسبق وعلى الجانب الآخر يؤيد د. « سمير أبو على» العميد الأسبق لكلية التربية جامعة الإسكندرية هذا القرار ولكن بشرط أن يسبقه إجراء تحقيق لكى نعطى «للأستاذ» الجامعى المخطىء حق الدفاع عن نفسه وحتى لايقع رئيس الجامعة فى خطأ غير مقصود قد يكون ناتجًا عن وشاية أو شكوى كيديه أوتخليص حسابات.. مؤكدًا على ضرورة إجراء تحقيق وحتى لو كان سريعًا لنعطى للمتهم الحق فى الدفاع عن نفسه أمام لجنة تتكون من قدامى الأساتذة ومعهم أحد مستشارى مجلس الدولة ليكون الشكل القضائى صحيحًا وليخرج القرار سليمًا لايشوبه أى فساد. ويضيف أنه تأييده لهذا القرار يرجع إلى أنه مايزال بعض الأساتذة المؤيدين للجماعة الإرهابية موجودين داخل الجامعات.. وأنه لابد من حصرهم حيث إنهم معروفون بالاسم لأعضاء هيئة التدريس ولابد من اتخاذ إجراء سريع وحاسم ضدهم وإبعادهم عن العلمية التعليمية؛ لأن وجودهم يهدد الاستقرار. ومن جانبها تؤيد د.محبات أبو عميرة العميد الأسبق لكلية البنات جامعة عين شمس هى الأخرى هذا القرار قائلة إنه قرار استثنائى لفترة زمنية معينة.. وقرار احترازه حتى لايتكرر ما حدث فى الجامعات العام الماضى من فوضى وعنف. وتضيف ماهو المانع أن يطبق هذا القرار إذا ثبت أن هناك عضو هيئة تدريس يحرض على العنف أو يقوم بإدخال أسلحة للحرم الجامعى وثبت بالأدلة والصوت والصورة أنه ارتكب هذه الأفعال. وتكشف د.محبات أن بعض الجهات المعارضة لهذا القرار بالجامعات تحاول أن توصل للأساتذة أن كل من سيقول رأيه سوف يعزل.. وهذا كلام غير صحيح.. مؤكدة أن التعديل الجديد الذى اقره مجلس الوزراء مؤخرًا ليس بجديد عما ورد فى قانون تنظيم الجامعات فى مادته (110) والتى تجيز لرئيس الجامعة أن يعزل عضو هيئة التدريس المخالف بعد تحويله إلى مجلس التأديب.. وبالتالى فإن الفرق بين التعديل الجديد وبين الموجود بالقانوم الحالى لتنظيم الجامعات إن الذى يعزل عضو هيئة التدريس هو مجلس التأديب ولكن بعد التعديل الأخير فإنه يكون قد تم إلغاء مجلس التأيب الذى كان يستغرق وقتًا طويلًا فى التحقيقات ليكون لرئيس الجامعة سلطة مجلس التأديب لسرعة الفصل فى المخالفات.