احتفلت المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء 23 سبتمبر الجارى بذكرى اليوم الوطنى الرابع والثمانين للمملكة العربية السعودية، حيث احتفت البلاد قيادة وشعبًا بذكرى إعلان الملك عبد العزيز- رحمه الله - توحيد كافة أراضى المملكة تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها. و سجل التاريخ فى مثل هذا اليوم من عام 1351ه، الموافق1932م مَولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة بطولية حافلة قادها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود- رحمه الله - على مدى اثنين وثلاثين عامًا تمكن خلالها من جمع شتات المملكة، ليشهد التاريخ لأول مرة توحيد المملكة العربية السعودية بموجب المرسوم الملكى الصادر فى 17 جمادى الأولى عام 1351ه فى اسم واحد هو «المملكة العربية السعودية». التاريخ سيذكر دومًا، كيف نظم الملك عبدالعزيز رحمه الله دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، حيث أنشأ عددًا من الوزارات، وأقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسى الدولى المتعارف عليه رسميًا، وتم تعيين السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية، كما اهتم كثيرًا بدعم القضية الفلسطينية، وعندما تأسست جامعة الدول العربية فى القاهرة عام 1365ه،1945م كانت المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة. كما انضمت إلى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، نتيجة لموقعها العظيم ورسوخها، بل كانت من أوائل الدول التى وقعت ميثاق هيئة الأممالمتحدة عام 1364ه (1945م) إرساء الأمن فى المملكة العربية السعودية من أهم الإنجازات التى تحققت فى عهد الملك عبد العزيز، حيث أصبحت الطرق والمدن والقرى والهجر تعيش فى أمن دائم، كما أسس الملك عبد العزيز الأنظمة اللازمة والمؤسسات الأمنية، وردع جميع المحاولات التى تمس استقرار الناس وممتلكاتهم. وهكذا أرسى القائد المؤسس قواعد دولته الفتية على أرض الجزيرة العربية، مستمدًا دستورها ومنهاجها من كتاب الله الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبدل خوفها أمنًا، وجهلها علمًا، وفقرها رخاءً وازدهارًا. فى المقابل، يستعيد أبناء المملكة العربية السعودية ذكرى توحيد البلاد، وهم يعيشون واقعًا جديدًا، خطط له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز- يحفظه الله-، واقعًا حافلًا بالمشاريع الإصلاحية، بدءًا بالتركيز على إصلاح التعليم والقضاء، مرورًا بالإصلاح الاقتصادى والصناعى والصحى والاجتماعى، إضافة إلى ما بذلته المملكة العربية السعودية من جهود متميزة فى خدمة الأمتين العربية والإسلامية وترسيخ مكانتها فى المحافل الدولية والعالمية، بفضل الإرادة السياسية الثابتة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصولًا إلى بناء مجتمع متماسك، عماده الوحدة الوطنية. علاقة قوية جذور العلاقات السعودية المصرية تمتد لسنوات طويلة، حينما أكد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود،على أهميتها الاستراتيجية بمقولته الشهيرة، «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب»، هذه المقولة الخالدة، أصبحت ميثاقًا للعلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، والتى طالما اتسمت بأسس وروابط قوية نظرًا للمكانة والقدرات الكبيرة التى يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية. وترجم الملك عبد العزيز ذلك من خلال حرصه، خلال تأسيسه الدولة السعودية الحديثة، على إقامة علاقات وطيدة مع مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر، مؤكدًا ذلك من خلال زيارته لمصر، وهى الزيارة الوحيدة التى قام بها خارج الجزيرة العربية، وقد كان لهذه الزيارة أثرًا كبيرًا فى تطور العلاقات بين البلدين. وكان من رأى الملك الراحل أن خط الدفاع الأول فى تاريخ العروبة هو خط مشترك بين السعودية ومصر. كما تلا ذلك توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1936م، كذلك كان الملك سعود أول ملك عربى زار مصر إثر قيام ثورة 1952م. وظلت العلاقة بين البلدين متماسكة رغم العواصف التى مرت بالمنطقة خلال عقود، حيث كان التعاون يزيد فى أحلك الظروف، والتضامن يبلغ مداه فى التصدى للمخاطر الداخلية والإقليمية، وكانت الدولتان المؤسستان لجامعة الدول العربية، هما نبض العالم العربى والإسلامى، والساعيتان لتحقيق مصلحة الشعوب العربية والإسلامية جمعاء. وتقديرًا منه لمصر حكومةً وشعبًا، فقد حرص خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله – على تأييد إرادة الشعب المصرى فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013م، ودعم مصر فى حربها ضد الإرهاب. كما حرص، أيده الله، على زيارة مصر والالتقاء بفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 20/6/2014م، وتقديم التهنئة شخصيًا لفخامته باسم خادم الحرمين الشريفين وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية بمناسبة فوزه فى الانتخابات الرئاسية. تلا ذلك الزيارة الرئاسية لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى للمملكة العربية السعودية بتاريخ (10/8/2014م)، لتعبر الزيارتان بين القيادتين السعودية والمصرية على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتأتيان استمرارًا للزيارات للتعاون المثمر والعمل جنبًا إلى جنب لبحث القضايا والمستجدات على الساحتين العربية والدولية. مسيرة العطاء وفى يوم 23 سبتمبر من كل عام تزين ربوع المملكة من أقصاها لأدناها احتفالات رسمية، حيث تجرى الاستعدادات منذ فترة، وتقوم اللجان المختصة الرئيسية والفرعية بأعمالها، فيتم تجهيز الشوارع والميادين والمنتزهات لاستقبال المواطنين من كافة لأعمار للمشاركة فى الاحتفالات، وتنظم كل المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات فعاليات للاحتفال بهذا اليوم، ترسيخًا لحب الوطن فى نفوسٍ بريئة، تمثل مستقبل المملكة. وتتجدد مع الاحتفالات المعانى والقيم العظيمة المرتبطة بذلك اليوم الفاصل فى تاريخ الدولة السعودية الحديثة، ومن أبرز مظاهر الاحتفال بالذكرى الرابعة والثمانين هذا العام، أن مدينة جدة، شهدت رفرفة أكبر علم للمملكة، وتبلغ مساحته 1635 مترًا مربعًا، ووزنه 570 كيلو جرامًا، ترفعه أطول سارية فى العالم والتى يصل ارتفاعها إلى 170مترًا، فى ميدان خادم الحرمين الشريفين، فى خطوة هى الأولى من نوعها فى المملكة من حيث التصميم والبناء. أربعة وثمانون عامًا حافلة بالإنجازات على هذه الأرض الطيبة والتى وضع لبناتها الأولى الملك المؤسس وواصل أبناؤه تحقيق الإنجازات المتواصلة سياسيًا واقتصاديًا، فشهدت العديد من التطوّرات فى مختلف المجالات والمنجزات التنموية العملاقة التى شملت البنية الأساسية ومختلف القطاعات من خلال خطط تنموية ضخمة استهدفت الوطن والمواطن السعودى أولًا على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، بل وامتدت خيراتها إلى مختلف البقاع من الدول العربية والإسلامية. توسعة الحرمين كما يتم فى الوقت الراهن تَنفيذ مشروع توسعة الحرم النبوى الشريف لزيادة الطاقة الاستيعابية إلى ما يقارب مليون وستمائة ألف مصلٍ .هذا بالإضافة إلى مشروع سقيا زمزم لتَعبئة وتخزين مياه زمزم وتسهيل وصُولها للحجاج والمعتَمرين بمبلغ مائة مليون دولار. ويُعد جسر الجمرات من أبرز المشروعات التى تم تنفيذها فى مشعر مِنى حيث بلغت تكلفته أكثر من مليار دولار وتبلغ طاقته الاستيعابيةَ ثلاثمائة ألف حاجٍ فى الساعة هذا بالإضافة إلى قطار المشاعر المقدسة الذى يربط مكةَالمكرمةَ بالمشاعر المقدسة وبلغت تكلفة المشروع، ما يقارب من مليارى دولار. طفرة اقتصادية وبحسب تقرير صندوق النقد الدولى تأتى المملكة كأفضل الاقتصاديات أداءً فى مجموعة العشرين، وبلغ الناتج المحلى الإجمالى (بالأسعار الثابتَة) بنهاية عام ألفين وثلاثة عشر ميلاديًا، ثلاثةٍ وثمانية من عشرة فى المائة، ليصل مستواه بنهاية عام ألفين وثلاثة عشر ميلاديًا، إلى حوالى 340 مليار دولار . وقد احتلت المملكة المرتبة الثالثة على المستوى العربى وال 24 عالميًا فى مؤشر التنافسية الذى أصدره المنتدى الاقتصادى العالمى للعام 2014/2015، والذى يعد من أهم مؤشرات قياس التنافسية الاقتصادية. تطوير التعليم اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بتطوير التعليم، فتم إطلاق مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وتم تخصيص ستة وخمسين مليار دولار لقطاع التعليم من ميزانية المملكة للعام الحالى وهو ما يوازى ربع ميزانية الدولة . وتضاعفت أعداد جامعات المملكة فبعد أن كان عددها ثمانى جامعات فقط، أصبح هناك خمس وعشرون جامعة حكومية وتسع جامعات أهلية تضم إحدى وثلاثين كلية جامعية أهلية موزعة جغرافيا لتغطى احتياجات كافة مناطق المملكة . واللافت أيضًا أن للمملكة مكانة مرموقة عالميًا فى المجال الصحى وأصبحت مرجعًا طبيًا وعلاجيًا للعديد من الأمراض حيث أجريت فى مستشفياتها المئات من العمليات الناجحة، فى مجال فصل التوائم وجراحات القلب والمخ وزراعة الأعضاء .وخصصت حكومة خادم الحرمين الشريفين تسعة وعشرين مليار دولار من الميزانية السنوية للعام الحالى، لتطوير وتوسيع الخدمات الصحية والاجتماعية فى المملكة، وسيتم بناء خمس مدن طبية ومائة واثنين وثلاثين مشفى فى مختلف أنحاء المملكة بإذن الله . مشاريع الإسكان اهتمت حكومة خادم الحرمين الشريفين بمشاريع الإسكان، والتى تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، حيث إنها تُعد أحد القطاعات الاقتصادية الهامة التى تساهم فى زيادة نمو الاقتصاد الوطنى. وقد صدرت الأوامر الملكية الكريمة، بإعفاء المتوفين من أقساط قروض الصندوق صندوق التنمية العقارية، ورفع قيمة الحد الأعلى للقرض السكنى ليصل إلى خمسمائة ألف ريال. لمكافحة الإرهاب لم تكتف المملكة، قيادةً وحكومةً وشعبًا، بتأكيد استنكارها وشجبها للإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ولكنها قامت بجهدٍ حثيث ودور مؤثر وفعّال فى حفظ الأمن والتصدى لظاهرة الإرهاب على جميعِ المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وقد طالب الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، زعماء العالم، فى أغسطس 2014م، بتفعيل المركز الدولى لمكافحة الإرهاب، الذى دعت المملكة إلى إقامته خلال فعاليات المؤتمر الدولى لمكافحة الإرهاب الذى عقد فى الرياض فى فبراير 2005م. وتبرعَ يحفظه الله، بمبلغِ مائتى مليون دولار، خلال العامين 2013-2014، لتفعيل مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، مؤكدًا التزام بلاده بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن وفقًا للفصل السابعِ من ميثاق الأممالمتحدة، وكذلك ذات الصّلة بمكافحة الإرهاب وتمويله. كما دعت المملكة لعقد اتفاقية دولية لمحاربة الإرهاب، من خلال عمل دولى متفق عليه فى إطار الأممالمتحدة. كما أصدر خادم الحرمين الشريفين، أمرًا ملكيًا بتغليظ عقوبة من شارك فى أعمال قتالية خارج المملكة، ليعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على عشرين سنة. وجاء إعلان المملكة واضحًا فى مواجهة كل منابع الإرهاب من تنظيم القاعدة وفروعها المختلفة، وجماعة الإخوان المسلمين، إضافة لحزب الله السعودى وجماعة الحوثيين، بوصفها تنظيماتٍ إِرهابية، يُحظر الانتماء إليها ودعمها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل البلاد أو خارجها. مبادرات تأصيل الحوار أَعلن خادم الحرمين الشريفين عددًا من المبادرات، وبدأَ بالحوار الوطنى، فى أغسطس عام ألفين وثلاثة ميلادية، عندما كان وليًّا للعهد، بموافقة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، على قيام «مركز الملك عبد الْعزيز للحوار الوطنى». وفى الرابع عشر من أغسطس عام ألفين واثنى عشر ميلاديًا، دعا خادم الحرمين، خلال افتتاح القمة الإسلامية الاستثنائية فى مكةالمكرمة، إلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره فى الرياض، وأكد على ضرورة «التضامن والتسامح والاعتدال» و«نبذ التفرقة» ومحاربة «الغلو والفتن». ثَم أطلق جلالته مبادرته للحوار بين الأديان والثِّقافَات فى المؤتمر العالمى للحوار بين الأديان، والذى ترأسه فى يوليو عام أَلفين وثمانية ميلادية، فى مدريد. وفى أكتوبر عام ألفين وإحدى عشر ميلاديًا، تم توقيع اتفاقية إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمى للحوار فى فيينا، والذى تم تدشينه وافتتاحه رسميًا، فى السادس والعشرين من نوفمبر عام أَلفين واثنى عشر ميلاديًا.