لم يعد الفن الصوفى بأشعاره وأدائه وموسيقاه المميزة فنًا يمكن تجاهله بعد أن أصبح يشغل طبقة كبيرة من الشباب والمثقفين ربما هروبا من الصخب العام الذى أصاب كل شىء حتى الموسيقى، وربما أيضًا كحالة من البحث عن الذات من خلال مناجاة الله بصورة تختلف عن التواشيح الدينية القديمة بصورة تجمع الأصالة بالحداثة وتخاطب الروح لذلك بحثنا فى حقيقة الصوفية الفنية من خلال أكبر فرقة فى هذا اللون من الفنون فى مصر أحدثت فارقًا فى هذا المجال وهى المولوية المصرية.بداية قال عامر التونى مؤسس فرقة المولوية المصرية إن الكثيرين يعتقدون أنى شيخ طريقة وأن المولوية مذهب صوفى ولكننى أرى فى المولوية مناجاة بالإنشاد فى حفلاتى ولا أسعى لإمتاع الجمهور كما أن الجمهور لا يأتى ليشاهدنى أو يسمع صوتى لأن الأصوات الرائعة كثيرة وأفضل منى وكذلك لا يأتى من أجل موسيقى تطربه لأنه بالمقارنة بألوان الإبداع الموسيقى فربما أكون هاويا وإنما يأتى إلى الجمهور وتنفذ تذاكر الحفلات فور صدورها لأن القادم يأتى لأشخاص يشبهونه ليتوحد مع حالتهم التى تنطلق من الروح لتنفذ الى الروح وتحول الحفل لحضرة يستطيع المشارك فيها الاحساس بتلبية المناجاة إلى الله. وأضاف: للملابس فلسفة خاصة فالرداء الأبيض يرمز للكفن وملابس الإحرام واللون الأبيض هو لون النقاء والطهر والجامع لكل الألوان أما الطربوش الطويل فيرمز لشاهد القبر وهو غالبا باللون الجملى رمزة للجمل الذى يمثل الصبر والتحمل وكذلك الحركات الراقصة لها معانى وفلسفة فما يبدو دوران ليس إلا طواف يثبت الراقص نصفه الأيسر ويدور بنصفه الأيمن كالطواف حول نقطة محددة المستقرة فى قلبه والشكل العام للراقص يرمز لحرف الألف لأنه نقطة الابتداء للدلالة على النور الإلهى. بدأنا خلال إحدى حفلات الراحل أحمد فؤاد نجم، حيث قمت بأداء إنشاد دينى وعندما سألونى: هل أنت وحدك أم فرقة؟ قلت فرقة وأسرعت لصديق يعزف الناى ليصاحبنى وبعد نجاح تلك التجربة طلب منى تكرارها وهنا بدأت فى الإعداد للفرقة وعندما كنا نسأل عن هذا اللون الصوفى الفريد وخاصة طوال فترة الوزير الأسبق فاروق حسنى كنا نقول نعبر عن الحالة الصوفية ثقافيا كفن وليس كفكر وأداء تأثيرى روحانى واتسعت شهرتنا يوما بعد يوم وصعد معنا اللون الصوفى موسيقى وشعرا وأداء فأصبح له شغف عام وربما موضة تنتشر اليوم بين أوساط الشباب وخاصة المثقفين منهم، ولكن الكثير لا يعرف حقيقة ماهى الصوفية فهى معناها المجرد اتباع كتاب الله وسنة رسوله مضافا له الزهد ومجاهدة النفس وزيادة فى العبادات بما يوافق ما تعلمنا من سيدنا النبى كما وصلنا عنه تورم قدميه الشريفتين من كثرة الصلاة وهو مغفور له وهى حالة الزهد التى عرفناها عن صحبته الشريفة بالتنزه عن متاع الدنيا والاكتفاء بما يحتاج وما دون ذلك يعد خروجا عن الدين. ويستكمل التونى قائلاً: يأتينى كثيرا من الناس بعد انتهاء حفلاتى يطلبون الانضمام للطريقة المولوية فأخبره أنى لست شيخا ولا أسلك طريقا، وإنما يوجد طريق من يتبع النبى وصحابته يعرفه جيدا ولا استطيع أن استغل هذا فى خلق كيان و قوة واتباع، ولسنا أهل دعوى فنحن أقل من ذلك كثيرا وحتى بعض السلفية الذين اعترضوا على عروضنا فقد تناقشت معهم فى لقاء تليفزيونى لم أكن أعلم أنه لقناة سلفية، كما أننا نستخدم الموسيقى وهى حلالها حلال وحرامها حرام ونحن لا نثير بها شهوة ولا غرائز أما وزارة الأوقاف والأزهر فلم يبلغنا منهم أى شىء لا تأييدا ولا رفضا ولا رقابة فنحن ننتقى أشعارنا وموسيقانا التى تعتمد على النمط التصوفى القديم وشعراء الصوفية الأوائل كابن عربى وابن الفارض ورابعة العدوية ولا يمكننا استحداث الحالة التصوفية الآن لدى أى شاعر فمستحيل أن تخرج صادقة وتحاكى لسان حال صاحبها فى عشقه لربه ولذكره وللشوق له ولنبيه الكريم فنحن لا نقدم أشعارا من شأنها التعبير أن المادية وتقديمها كفن ولو كانت ذات شأن دينى وإنما التعبير عن الروح المتصوفة والمتجردة لله وهذا ليس فنا. أما تعليقا على مسلسل السبع وصايا الذى عرض فى رمضان فقال عنه المنشد الصوفى أنه لا يقدم شيئا على الاطلاق وإنما يروج للاساطير والخرافات ولا يمت للجو الصوفى الذى رأيناه بأى صلة، بل إنها هدم فكرتها النورانية التى هى المحبة ذاتها لتحل محلها الجرائم والأطماع المادية وربما الفلسفات غير المفهومة وغير المحددة الأهداف فالمفترض توظيف الأدوات الممكنة فنيا بحيث يكون لكل شىء دلالة جزئية توصل لدلالة أخرى كلية وما شاهدناه دراما هدم فالقتلة يزورون الأضرحة فى حين يؤمن الناس بضريح وهمى فارغ وقارئة رسائل ابن العربى أحد أهم الصوفيين فى التاريخ من «سوسن بدر» التى يتضح أنها المدبر الأكبر لقصة الوصايا الشيطانية فى شكل دلالى يحطم قيم التصوف تماما، بالإضافة للتيمة الصوفية فى المقدمة أقرب للحضرة لجزب المشاهد لاستغلال الرواج العام للفن الصوفى كما أن الأغنية كرسالة بها حالة من التوهان للمحتوى والرموز وتشوهت بسبب اللحن الذى قال عنه طارق مهران قائد الاوركسترا السيمفونى أنه نوع من موسيقى الفاجولا المشوهه بحالة من التعتيم والتداخل الذى جذب الناس أيضًا وشغلهم ليفهموه وبعد تعرف كلماته ويسمع مرة أو اثنين يجده المستمع عاديا وفارغا لا يعنى شيئا للجمهور ولا يرتبط به لانه كسر الحالة الاصيلة للإنشاد الدينى وحتى أداء الممثلين فى مجمله مفتعل ومتشنج ولا أهاجم الفن فما استهوانى حقا كان مسلسل «الخواجة عبد القادر» وأشعاره وحالته الروحية الجميلة لذلك أقول لأصحاب الوصايا السبع «ربنا ينتقم منكم اسأتوا للصوفية».