العشوائيات المشكلة الأزلية التى تحاول جميع الجهات تقديم روشتات علاجية ولكن البعض ينظر إليها على أنها حالة ميؤوس منها والآخر ينظر إليها على أنها حالة تحتاج إلى تدخل جراحى فورى من قبل الحكومة قبل انهيار الحالة تماما والبعض يرى أن ما تقوم به الحكومة هو تقديم حلول تقوم بدور المسكنات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ولكن الجميع يحاول. فى هذا الإطار يحاول المجتمع المدنى المساهمة بشكل جدى فى الموضوع من خلال النزول إلى تلك المناطق وتحويلها من منطقة عشوائية إلى مناطق تجارية أو محاولة إزالة العشوائية الفكرية ومن تلك المبادرات ما قامت به هيئة الإغاثة الكاثوليكية بافتتاح سوق الجمهورية الجديد الذى يخدم 64 من الباعة الجائلين. السوق تم بناؤه من خلال مشروع «النقد مقابل العمل» والمنفذ يعتبر جزءًا من برنامج «فرصة أمل بالعمل» المنفذ من قبل هيئة الإغاثة الكاثوليكية. وبمجرد نزولك إلى تلك المنطقة تجد خلية نحل تعمل فى هذا السوق وعلى لسان أهلها يقولون إن تلك المنطقة تحولت من «خرابة» كما أطلقوا عليها إلى منطقة عمل وفرها السوق الى 64 من شباب المنطقة. وبسؤال أحمد محمد قال نتمنى أن يستمر هذا النوع من المشاريع الذى أنقذ منطقة بأكملها من تلك الخرابة التى كانت مكانًا للبلطجة والسرقة إلى مكان عمل مشيرا إلى أن العمل فى تلك الأسواق أفضل لنا من الأرصفة وسرقة خطوط الكهرباء والخوف من انتظار أى حملات تفتيش. وعن إجراءات الحصول على مكان فى تلك الأسواق قال أشرف السيد إنها عبارة عن التقدم بالبطاقة الشخصية ونوع النشاط التجارى وبعض الإجراءات الأخرى للتأكد من أن هذا المكان يذهب إلى مستحقيه ونتمنى استمرار هذا النوع من المشاريع. وتحاول الهيئة تنفيذ نطاق واسع من برنامج تنموى اقتصادى اجتماعى يطلق عليه «إشغال مصر» لخلق وظائف دائمة ومؤقتة للمقيمين فى المناطق العشوائية وذلك بالتوازى مع تحسين الظروف الاجتماعية وديناميكية المجتمعات التى يعيشون بها.. وهذا البرنامج جمع بين عدد من مشاريع الأشغال العامة مثل: تنظيف الشوارع, صيانة العيادات والمدارس والمبانى الحكومية, وتطوير بنية تحتية جديدة مثل: الحدائق أو الشوارع – مع تنمية خدمات العمل وجلسات الدعم من أجل تغيير الطبيعة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمعات المحلية المستهدفة. برنامج «فرصة أمل بالعمل» استطاع أن يخلق أكثر من 13600 وظيفة قصيرة و طويلة الأمد (30% نساء). وهدف المشروع الأساسى هو بناء سوق تجارى فى مدينة السلام، حيث يوجد 200 مقيم فى المنطقة استطاعوا الحصول على وظائف مؤقتة سواء تعتمد على المهارات أم لا وقتما كانوا يعانون من البطالة.. وأيضا عدد 30 مشاركًا فى التدريبات المهنية المتميزة، استطاعوا ممارسة مهاراتهم فى أعمال البناء والبياض وأعمال الدهان، بالإضافة إلى أن هيئة الإغاثة الكاثوليكية قامت بدعم عدد 64 من الباعة الجائلين لتنمية خطط العمل و بدء أعمال جديدة أو ممتدة فى السوق, مع توفير السلع والخدمات للمجتمع المحلى المحيط بهم. السوق يمثل فرصة لدمج جهود الإغاثة الفورية فى خلق فرص عمل مع التنمية طويلة الأمد لبيئة العمل والخدمات فى المناطق العشوائية. قضية عالمية د. أحمد عليق عميد كلية الخدمة الاجتماعية بحلوان يرى أن قضية العشوائيات لم تعد مشكلة محلية ترتبط بالمجتمع المصرى فقط بل تمتد فى جميع دول العالم والدليل أن هناك بحوثًا علمية أجرتها بعض الدول العربية منها السعودية وقطر والسودان نظرًا لأن هذه المشكلة لا تؤثر على سكان المجتمع العشوائى فقط بل يمتد تأثيرها سلبيًا إذا لم تواجه ويخطط لها بطريقة علمية. وأشار إلى أنه تم عقد اتفاقية مع الجهات المانحة لتتولى كلية الخدمة الاجتماعية بحلوان دراسة المناطق العشوائية المحيطة بها وذلك استكمالا لمسيرة الكلية منذ سنوات عديدة بشأن قضية العشوائيات بصفة عامة والعشوائيات المحيطة بمنطقة حلوان بصفة خاصة فضلا عن القيام بمختلف البحوث بشأن تلك القضية والتى توصلت إلى أن هناك ما يقرب من 25 منطقة عشوائية تحتاج إلى عمل مشروعات خاصة بتطوير تلك المناطق العشوائية فى إطار التعاون القائم بين الكلية وكثير من منظمات المجتمع. وأوضح أن حل قضية العشوائيات يرتبط بجانبين أساسين أولهما الاهتمام بالبحث العلمى لتشخيص احتياجات ومشكلات تلك العشوائيات وتحديد الموارد الذاتية من ناحية أخرى بالإضافة إلى تحديد الموارد المجتمعية من خلال الأجهزة الحكومية والشعبية للمساهمة فى حل هذه المشكلة أيضا، أما الجانب الآخر الاستفادة من تلك النتائج التى يتم التوصل إليها لتطبيقها على أرض الواقع من قبل الأجهزة الحكومية. سياسات فاشلة وفى نفس السياق يفسر د. ماجد عاطف وكيل الدراسات العليا والبحوث بحلوان إن العشوائيات ظاهرة محورية ونتاج تراكمية سياسات اجتماعية غير رشيدة ليس فى الصالح العام لأن التخطيط فى مواجهة هذه الظاهرة يتم بنظرة أحادية مع إغفال إمكان مواجهتها هذا بالإضافة إلى عدم الاستفادة من الأبحاث والتجارب العالمية والمحلية فى هذا الشأن. ويحذر د. ماجد نجم نائب رئيس جامعة حلوان لشئون البيئة من امتداد عشوائيات القاهرة الكبرى إلى الدلتا والصعيد وغيرها، حيث وصلت عشوائيات القاهرة الكبرى إلى حوالى 3.12 مليون نسمة بما يزيد عن ربع سكان عشوائيات القاهرة الذين يمثلون 38.8% من سكانها وذلك وفقا لإحصاء الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. الأكثر عشوائية ومن جانبه أوضح المستشار إسماعيل عبد الحكيم عضو المجالس السنوية المتخصصة أن محافظة القاهرة من أكثر المحافظات التى يتواجد بها مناطق عشوائية حيث بها حوالى 18 منطقة عشوائية يقطنها 8 مليون نسمة و86 منطقة يمكن تحسينها و31 منطقة عشوائية لابد من إزالتها. بينما قالت د. منال أحمد شاهين مدير عام تطوير العشوائيات إن أهم خطوة يتم القيام بها اكتشاف المناطق العشوائية الغير مخططة والغير آمنة التى تشكل خطرا على حياة سكانها وذلك من خلال الدراسة الجيولوجية، وأن هناك70% من الكتل العمرانية على مستوى الجمهورية غير مخططة منهم 420 منطقة عشوائية غير آمنة ومهددة للحياة، بالإضافة إلى أن مصر يوجد بها كابلات غير آمنة ولا يمكن إزالتها والحل دفن هذه الكابلات ويتطلب ذلك نصف مليار جنيه. موضحة أن مراحل التطوير فى المناطق العشوائية لا يتضمن السكن فقط بل يشتمل على محاور اجتماعية واقتصادية معا لأن التنمية البشرية مدخل أساسى وضرورى فى التنمية العمرانية، هذا بالإضافة إلى أن أفضل الحرفيين فى المهن المختلفة هم سكان العشوائيات فهم لديهم إمكانيات لابد من توظيفها واستثمارها، مشيرة إلى أنه يجب التفرقة بين عشوائيات القرى والعشوائيات الحضارية، وأن القضاء على هذه العشوائيات يتطلب تجفيف المنابع وتنمية الاقتصاد المحلى من خلال القرى ذات المنتج الواحد وتنمية الاستثمارات فى الأسواق العشوائية فى مكانها وليس نقلها فى أماكن أخرى. حل صينى ويشير عبد السلام الشاذلى محلل سياسى إن هناك حلًا على المدى القريب قامت به الصين وأحدث طفرة هائلة فى هذه القضية وهو أن الحكومة تقوم بطرح المناطق العشوائية على الشركات الخاصة لتطويرها مقابل إعطاء مساكن كاملة بالمرافق لسكان هذه المناطق العشوائية، أما على المدى الطويل الأجل يجب أن تتدخل الدولة كطرف فاعل فى تخطيط المناطق العمرانية الجديدة بالاشتراك مع المحافظات نفسها وأن تكون هذه القرى متكاملة تحتوى على كل إمكانيات المعيشية فى المجتمع.