بعض الأبيات الشعرية تكون وراءها قصة تاريخية أو موقف إنسانى، وينتهى الموقف وتصبح القصة فى ذمة التاريخ ولكن تتحول الأشعار التى قيلت فى تلك المناسبة إلى ما يشبه الحكمة، أو إلى «مثل» يتم الاستشهاد به عند تشابه المواقف، منها هذا البيت الشهير وتكملته: صلى المصلى لأمر كان يطلبه ولما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما سلوم ما زاد فى الدين خردلة ولا ترهبن فى أمر ولا قاما وهو يعبر عن رجل من الروم قدم إلى الإسكندرية فى مهمة استخباراتية وسمى نفسه (سلوم) وكان يحمل معه أكياسًا من الذهب قام بدفنها فى أماكن مختلفة، ثم تعلم العربية وأتقنها وانقطع للعبادة حتى شاع خبره وانتشر ذكره.. ووصل إلى الملك الذى كانت تعانى خزائنه من العجز، فكان سلوم يدل رجال الحاشية على مكان الذهب، وتكرر الموقف إلى أن وثق به الجميع وأولهم الملك الذى تصادف أن احتاج لأموال إضافية، فأخبره سلوم بأن الذهب تحت المنارات البحرية التى شيدها على البحر لمراقبة حركة السفن، فأمر الملك بهدم المنارات لاستخراج ما تحتها من ذهب! وبالطبع لم يجدوا شيئا، وتمكن سلوم من الهرب، وهجمت الأساطيل الرومية على الإسكندرية، ومن بعدها أصبحت تلك الأبيات تضرب مثلا لمن يقوم بعمل لا يرجو منه ثوابًا، وإنما تمويه لأمر آخر غير معلن. *** وهذه قصيدة شعرية طريقة للشاعر اليمنى إسماعيل بن أبى بكر المقرى، والعجيب أنه يمكن قراءتها من اليمين إلى اليسار فتكون مدحا: طلبوا الذى نالوا فما حُرموا رفعت فما حُطت لهم رُتبُ وهبوا وما تّمت لهم خُلق سلموا فما أودى بهم عطبُ جلبوا الذى نرضى فما كسدوا حُمت لهم شيم فما كسبوا و إذا قرأتها من اليسار إلى اليمين تكون ذما: رُتبُ لهم حُطت فما رفعت حرموا فما نالوا الذى طلبوا عطب بهم أودى فما سلموا خُلق لهم تمت وما وهبوا كسبوا فما شيم لهم حُمدت كسدوا فما نرضى الذى جلبوا *** وهذه مباراة فى «التعريض» بين رائد الشعر الجاهلى أمرؤ القيس ومعاصره الشاعر عبيد بن الأبرص والذى لقب بعبيد الفحل، حيث تزوج طليقة امرؤ القيس من بعده.. وكانت قد حكمت بأنه أشعر من زوجها، وقد تبارى الاثنان، حيث بدأ عبيد فى قول بيت من الشعر وكأنه أحد الألغاز، فكان امرؤ القيس يرد عليه ببيت آخر مفسرا لما قاله، وهكذا وبدأ عبيد بقوله: ما حية ميتة قامت بميتتها درداء ما أنبتت سنا وأضراسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك الشعيرة تسقى فى سنابلها فأخرجت بعد طول المكس أكداسا فقال عبيد: ما السود والبيض والأسماء واحدة لا يستطيع لهن الناس تمساسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها روى بها من محول الأرض أبياسًا فقال عبيد: ما مُرتجات على هول مراكبها يقطعن طول المدى سيرا وامراسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك النجوم إذا حانت مطالعها شبهتها فى سواد الليل أقباسا قال عبيد: ما القاطعات لأرض لا أنيس بها تأتى سراعا وما ترجعن انكاسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك الرياح إذا هبت عواصفها كفى بأذيالها للترب كناسا وقال عبيد: ما الفاجعات جهارا فى علانية أشد من فيلق مملوءة باسا؟ فقال امرؤ القيس: تلك المنايا فما يبقين من أحد يكفتن حمقى وما يبقين أكباسا وقال عبيد: ما القاطعات لأرض الجو فى طلق قبل الصباح وما يسرين قرطاسا فقال امرؤ القيس: تلك الأمانى يتركن الفتى ملكا دون السماء ولم ترفع له راسا فقال عبيد: ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر ولا لسان فصيح يعجب الناس؟ فقال امرؤ القيس: تلك الموازين والرحمن أنزلها رب البرية بين الناس مقياسا ونختم بتلك الأبيات الجميلة للشاعر الأندلسى لسان بن الخطيب: جاءت معذبتى فى غيهب الغسق كأنها الكوكب الدرى فى الأفق فقلت نورتى يا خير زائرة أما خشيت من الحراس فى الطرق قالت ودمع العين يسبقها من يركب البحر لا يخشى من الغرق فقلت هذه أحاديث ملفقة موضوعة قد أتت من قول مختلف فقالت وحق عيونى أعز من قسم وما على جبهتى من لؤلؤ الرمق إنى أحبك حبا لا نقَّاذ له ما دام فى مهجتى شىء من الرمق فقمت ولهان من وجدى أقَّبلها زحت اللثام رأيت البدر معتنق قَّبلتها، فقبلتنى وهى قائلة قَّبلت خدى فلا تبخل على عنقى