كنت قد ذكرت فى مقال سابق أن المنطقة العربية ستشهد صيفا ساخنا، ونشهد الآن بوادر هذه السخونة. وأعتقد أن رد الفعل العربى الجماعى لا يتناسب مع التحديات والمشاكل القائمة الآن. هناك رياح عاصفة تأتى من بلاد الشام ولا يعلم أحد نواياها أو مدى قدرتها. الوضع فى غزة دخل مرحلة دقيقة، اعتداء متواصل من الجانب الإسرائيلى وعدم وضوح الموقف العربى أو قدرته على المواجهة أو حتى وقف هذه الاعتداءات الإسرائيلية، وبالقطع فإن هذا التصعيد الإسرائيلى يضع مصر الجديدة فى موقف دقيق، ومن هنا يجب علينا تفعيل اتصالاتنا الدبلوماسية مع الدول الغربية ودول المنطقة حتى نوقف هذا الاحتقان الذى لا تتحمله المنطقة ولا ظروفها فى المرحلة الحالية، ولا أدرى أى حسابات منطقية اتخذت إسرائيل القرار على أساسها للدخول فى هذا التصعيد المحموم فى منطقة تعانى من احتقان شديد مؤلم، اللهم ان حساباتهم تقوم على نظرية إشعال المنطقة فى صراع عقائدى حتى تتفرغ هى لتصفية القضية الفلسطينية وهذا أيضا حساب خاطئ، لأن إسرائيل لن تستطيع بالقوة العسكرية فرض أى حل تراه يناسبها بالنسبة لقضية الشعب الفلسطينى. قد يقول البعض إنه آن الأوان لعقد قمة عربية، وقد نجد الرد فى صيغة وماذا فعلت القمم السابقة؟ لذا أرى أن الوضع الخطير القائم حاليا يتطلب النظر بشكل شامل وعميق لوضع نظام عربى جديد مبنى على أسس جديدة ومعطيات الموقف على الأرض التى تفيد بأن التطورات التى نشهدها حاليا هى الأسرع والأخطر بالنسبة لما واجهته المنطقة العربية من قبل. كل هذا التردى فى الوضع العربى، ونرى جماعات مسلحة رثة لا تعرف إلا قتل إخوانهم فى الدين والعروبة ولا يطيقون مجرد التفكير فيما يجرى فى فلسطين. و لم يطلب أحد منهم الحرب ضد إسرائيل ولكن يجب أن يتركوا الشعوب العربية وألا يعملوا على تفتيتها وإضعاف قواها. للأسف إسرائيل ظلت منذ ثورات الربيع العربى فى أفضل وضع استراتيجى منذ نشأتها وها هى الآن تحاول الحصاد بتعديل ميزان القوة وإضعاف الشعب الفلسطينى وقيادته اقتناعا منها بأن ذلك هو الوقت لفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطينى. وإخراج عملية السلام من محدداتها المعروفة المبنية على الشرعية الدولية والاتفاقات السابقة فيما يسمى بعملية السلام. حسنا فعلت الدبلوماسية المصرية ببداية جولات عربية تعطى أولا رسالة تأييد ودعم للدول التى تشعر بالقلق من تطورات رياح التغيير الآتية من الشام. كما أنها قد تتطرق إلى ضرورة إعادة صياغة المنظومة العربية. وإذا كانت الدول العربية لا تستطيع أو تقوى على الدعوة إلى قمة عربية، فلماذا لا تدعو هذه الجامعة بعض العقول العربية غير الحكومية للجلوس معا ومحاولة الوصول إلى بعض الأفكار غير الرسمية حول إمكانية إعادة بناء النسيج العربى على أسس ومعطيات جديدة وبعد أن تأكدت نوايا البعض وانكشفت مقاصد البعض الآخر وخاصة من دول المنطقة. لن تستطيع دولة واحدة أن تواجه هذه المخاطر بمفردها فالأمر يحتاج إلى أفكار جديدة خلاقة وليس لفوضى خلاقة. أعتقد أن مصر الآن مؤهلة لأن تقوم بدور فعّال وحاسم فى هذا الأمر، وأتعجب دائما عندما أشارك فى ندوات ومؤتمرات خاصة بأمور منطقتنا وأجد مجموعة من الشخصيات العربية التى تتحدث بفكر ووعى، ولكن الحكومات العربية غير قادرة على تسخير هذه الشخصيات لإيقاظ الوعى العربى ووضع نظام عربى جديد، وحتى لو كان على المستوى النظرى، ولكن من المؤكد أن بعض الجهات المعنية بالاستراتيجية العربية سوف تلتقطه وتحاول بلورته فى نهج عربى جديد واستراتيجية واضحة تخاطب هذة المخاطر المحدقة بالوطن العربى. شبح تقسيم سوريا والعراق يطل على المشهد، فرض الأمر الواقع على القضية الفلسطينية قد يصل إلى حد الأمر الواقع، جماعات متطرفة مسلحة متطورة تحمل معها فتنة قد تودى بمنطقة الشام والعراق. كل هذه الأمور تستدعى تحركا سريعا لكن لا أرى رد الفعل الذى يتناسب مع ضخامة الخطر. كل هذا يجعلنا نقول لا تراجع فى مصر، يجب أن نتقدم ونقضى تماما على الإرهاب المتواجد فى أراضينا، ويجب أن نسير فى طريق الإصلاح الاقتصادى ونتحمل بعض القرارات المؤلمة الضرورية، كان المقصود هو تركيع هذه الدولة حتى تسير المخططات الخاصة بالمنطقة ولا يواجهها أحد، ولكن وعى الشعب المصرى أدى إلى إنقاذ بلادنا ويجب أن نتمسك بذلك.