أشرنا من قبل إلى أن أغلب الرسل والأنبياء بُعثوا إلى قومهم لهدايتهم، ودللنا على ذلك بما ورد من آيات فى القرآن الكريم فى سور مختلفة، فماذا عن سيدنا موسى؟.. ولماذا أمره الله بالذهاب إلى فرعون مباشرة؟. سوف نحاول الإجابة عن السؤال- بعون الله- اعتمادا على ما ورد من آيات تتعلق بقصة سيدنا موسى وفرعون مصر فى سور (الأعراف ويونس وهود وطه وغافر والقصص والشعراء والزخرف والتحريم). ونبدأ بالقول بأن أول إشارة إلى هذه الخصوصية بدأت من الآية الثالثة فى سورة القصص عندما قال الحق فى كتابه الكريم (نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، ثم تصف الآيات حاكم مصر الذى علا فى الأرض وقسم أهلها شيعا وكان يستضعف طائفة منهم، حيث يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم، والمقصود بذلك هم العبرانيون (بنى يعقوب) الذين أحضرهم سيدنا يوسف إلى مصر بعد أن استقر له الأمر وتولى خزائنها، ويقال إنهم كانوا يعيشون فى شرق البلاد (محافظة الشرقية حاليا) ومكثوا فى مصر حوالى 400 سنة إلى أن بعث سيدنا موسى الذى نجا من الذبح وهو طفل بعد أن ألقته أمه فى البحر ليلتقطه آل فرعون ويشب بينهم ويمنحه الله العلم والحكمة، ولكنه يقتل أحد المصريين فى مدينة منف وبعدها ينذره أحد المؤمنين بأن القوم يتربصون به، فخرج منها خائفا يترقب إلى مدين، ويتزوج من إحدى الفتاتين اللتين ساعدهما فى سقى أغنامهما بعد أن يشترط عليه أبوهن الإقامة معهم لعدة سنوات، حيث فى نهايتها يبدأ البعث، وقيل إنه تلقى الإشارة من ربه بأن كل من كانوا يتربصون به فى منف قد ماتوا، وعليه الرجوع إلى مصر ومخاطبة الفرعون ليطلق سراح بنى إسرائيل ليعبدوا ربهم حق عبادته. *** ويبدأ التكليف الحقيقى عندما كان موسى فى طريقه إلى مصر وهو فى سيناء عند جبل الطور، حيث رأى نارا مشتعلة فقال لأهله أن يمكثوا فى مكانهم حتى يستطلع أمر هذه النار وما وراءها أو يأتيهم منها بقطعة يتدفأون بها، فلما وصلها خاطبه ربه سبحانه وتعالى، وكما ورد فى سورتى (طه والقصص)، ففى الآية 11 وما بعدها فى سورة (طه) يقول الحق (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)) ثم يؤكد عليه بأنه سبحانه وتعالى هو الله ولا إله غيره وعليه عبادته وذكره فى صلاته (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)) ، ويخبره بأن يوم القيامة محدد الموعد، ولكنه يخفيه عن العباد حتى تحاسب كل نفس على ما ارتكبت من أفعال، وقد تكرر هذا الأخطار أيضا فى سورة (القصص آية 30) (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ثم يسأله ربه وهو يعلم بكل شىء وما تلك بيمينك يا موسى، فيجيبه بأنها عصا يتوكأ عليها ويسوق بها غنمه، ويحمى بها نفسه (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)) يريد الله أن يجهزه للمأمورية التى يكلفه بها حيث يريه آية ويمنحه معجزة، وقد اشتهرت مصر فى هذا الموقف بذلك، فيأمره ربه بأن يلقى عصاه، فيراها تتحرك، وكأنها ثعبان فيخاف ويجرى بعيدا، فيطمئنه ربه ويأمره بأن يلتقط عصاه لأنها سوف تعود كما كانت (سورة القصص الآية 30) (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ) وهو ما تكرر أيضا من سورة (طه) (قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى) وبعد أن يهدأ موسى يأمره ربه- لكى يمنحه معجزة أخرى- بأن يضم يده إلى أعلى صدره ويدخلها فى جيبه تخرج بيضاء كالثلج من غير سوء أى من غير مرض البرص (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) ثم يأتى التكليف المباشر (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) ، هنا يعلن موسى عن تخوفه من تلك المواجهة، فقد قتل أحد المصريين من قبل،ويخشى من الانتقام (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) ولأنه أمر ربانى فلا يستطيع موسى الرفض ولكنه كان يعانى من بعض الصعوبة فى الحديث، ولذلك يطلب من ربه التوفيق وأن يعينه بأخيه هارون فهو أفصح منه لسانا، كما سيكون شاهدا على ما يقوله حتى لا يكذبه القوم (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35)) وهو ما ورد أيضا فى سورة القصص (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) فيستجيب له ربه ويخبره بأنه سوف يشد أزره بأخيه هارون، وأن فرعون وملأه لن يستطيعوا الوصول إليهم فهم الغالبون، ثم يذكره ربه بما مَنّ عليه بداية من الوحى لأمه بأن تلقيه فى اليم، ثم يلتقطه إلى فرعون ويتربى معهم تحت عناية ربه، ثم عودته لأمه كى تقر عينها ويهدأ قلبها، كما نجاه من الغم بعد أن قتل أحد الأشخاص، ومنحه الشباب والصحة.. وتزوج وأقام فى مدين بضع سنين، هنا يخطره ربه لقد جئت على قدر يا موسى واصطنعتك على عينى واصطفيتك لنفسى لكى تكون رسولى وتحمل رسالتى، ثم يكلفه هو وأخيه بالذهاب إلى فرعون حاكم مصر.. *** ولابد من الإشارة إلى أن سيدنا يوسف قد استدعى أهله للإقامة فى مصر ليدخلهم فى دين الملك، كما فعل مع أخيه الشقيق من قبل، حيث كانت مصر فى ذلك الوقت تؤمن بالتوحيد والتى أطلق عليها عقيدة أخناتون، حيث عبادة الإله الواحد الأحد.. هو رب هذا الكون، وأهل سيدنا يوسف هم بنى إسرائيل أو العبرانيون الذين أرسل إليهم سيدنا موسى ليخرجهم من مصر بعد التحاور مع الفرعون بشأنهم والحصول على موافقته على خروجهم من مصر إلى فلسطين. كما يجب الإشارة أيضا إلى أن الله سبحانه وتعالى أرسل من قبل إلى بنى إسرائيل المقيمين فى مصر موسى بن منشاور لكنهم اختلفوا حوله ولم يطيعوه، فأرسل لهم بعدها موسى بن عمران موضوع هذه الدراسة.. وأخيرا تجدر الإشارة إلى أنه بعد سيدنا يوسف كان هناك عدة رسل وأنبياء وهم سيدنا أيوب وذو الكفل وشعيب، ويذكر أن سيدنا يوسف كان له ولدان أفرايم ومنشاور وبنت اسمها رحمة، ويقال إنها زوجة سيدنا أيوب عليه السلام فيما بعد..