واجه قرار رئيس الوزراء بالسماح باستيراد الفحم معارضة شديدة للقرار سواء على المستوى الشعبى أو على مستوى العلماء والمتخصصين فى مجال البيئة والصحة، ودشن بعض النشطاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تحت عنوان ( مصريون ضد الفحم ) حاولوا فيها عرض الحقائق العلمية حول مخاطر استخدام الفحم وبدائله، ومنها أن حرق الفحم يحمل الهواء ذرات تسمى رماد الفحم والذى به كميات كبيرة من المعادن الثقيلة والتى تؤدى إلى تلف وانخفاض القدرات العقلية ، إلى جانب التأثير بشكل ملحوظ على وظيفة الجهاز العصبى المركزى ومستويات الطاقة بالجسم وتدمير مكونات الدم والرئتين والكلى والكبد ويؤدى إلى الوفاة. وقد أشارت الصفحة إلى أن الأمراض الناتجة عن استخدام الفحم أهدرت 53 مليار دولار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى 2011،مما يوضح أن استخدام الفحم يؤدى إلى ارتفاع العبء الاقتصادى على الأشخاص والدولة لتدارك ما يسببه من أضرار، من جانبها أشارت د.راجية الجيزاوى إلى أن حرق الفحم الذى ينبعث سنويا من مصنع لتوليد الكهرباء بقدرة 500 ميجاوات يخلف حوالى 3.6 مليون طن من ثانى أوكسيد الكربون، و100 ألف طن من ثانى اكسيد الكبريت، إلى جانب مخلفات أخرى تسبب التهاب الرئة والحلق والشعب الهوائية حتى بميات صغيرة، كما يساعد فى تكوين الجسيمات الدقيقة والأمطار الحمضية التى تأثر على الزراعة والمياه والتربة. فى نفس الإطار أصدرت جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية، بيانا أيدت فيه احتجاجها على القرار الصادر من رئيس الوزراء بالسماح باستيراد الفحم لاستخدامه في صناعة الأسمنت، وإمدادها بالطاقة البديلة. وأشار البيان إلى أن اعتراض الجمعية يأتي من ناحيتين، الناحية الشكلية والناحية الموضوعية، فمن الناحية الشكلية فإن القرار له آثار مباشرة على البيئة والصحة والسياحة، ومع ذلك فقد صدر القرار دون طرحه على التجمعات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، أو حتى المؤسسات الحكومية المتخصصة كجهاز حماية البيئة. وأكد البيان، أن القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء باستيراد الفحم يفتقد المشروعية القانونية، وأما من الناحية الموضوعية فمن المعروف أن الفحم من أكثر أنواع الوقود تلويثًا للبيئة وإضرارا بالصحة من حيث كمية الانبعاثات ونوعيتها والتي تؤدى إلى تشويه الأجنة والموت نتيجة الأمراض المزمنة في القلب والكلى والجهاز التنفسى والجهاز العصبى المركزى، مشيرا إلى أن الصين - التي تعتبر من أكثر الدول استخدامًا للفحم حيث يوجد بها مناجم كثيرة – قررت أن تخصص 454 مليار دولار للتقليل من آثار الفحم الخطيرة على البيئة. كما أكدت اللجنة التنسيقية لنقل مصنع الأسمنت من وادي القمر رفضها لدراسة إستخدام الفحم في مصانع الأسمنت، وقامت اللجنة بالتهديد بالدعوة للإعتصام أمام بوابات المصنع في حالة صدور هذا القرار. وأكد اللجنة علي إستمرارها في نضالها السلمي ضد مصنع "الموت"، بالرغم من تواطأ وزارة البيئة من خلال فرع الإسكندرية مع الشركة، وعدم أصدار التقارير البيئية بالرغم من الأستغاثات المتكررة من الأهالي والبلاغات، على حد قولهم. الفحم أرخص وأخطر وقال د.محمد اسماعيل عميد كلية علوم الإسكندرية ومستشار وزير البيئة إن الفحم أرخص مصادر الطاقة ولكن أخطرها، وذكر أن السماح باستيراد الفحم واستخدامه فى صناعة الأسمنت له شقان، الأول أزمة الطاقة التى تعانى منها مصر حاليا، أما الشق الثانى فهو الاقتصادى ويتعلق بوضع الاقتصاد القومى، مضيفًا أن الفحم من أكبر مصادر الطاقة الملوثة لبيئة والمحرمة دوليا فى البلاد المتقدمة، وكثير من الدول وضعت خطط للتوقف عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة، فألمانيا وهى أكثر دولة فى العالم تحافظ على البيئة وضعت خطة لكى تنهى استخدام الفحم تماما فى المانيا عام 2030، بعد أن كانت من أكبر مستخدميه، واتجهت الدولة إلى الطاقة الشمسية حتى أصبحت تساهم فى توليد الطاقة بألمانيا بنسبة 40 %، كما أن أمريكا وضعت خطة لوقف استخدام الفحم عام 2040،والبدائل التى يتجهون اليها هى الطاقة الجديدة والمتجددة مثل طاقة الشمس والرياح والطاقة المولدة من المرفوضات، وهى الطاقة الخاصة بالمخلفات العضوية والتى يتم توليدها من القمامة،والطاقة الحيوية (البيوديزل) والتى يتم توليدها من بعض النباتات مثل الجاتروفا ومن الطحالب وهناك دول مثل البرازيل تنتجها من منتجات الغذاء كالذرة والبنجر. أضاف قائلا إننا فى مصر لم يكن لدينا مشكلة حتى حدثت أزمة الطاقة الحالية، بعد ان تراجع مخزون الوقود الأحفورى (البترول والغاز والفحم ) بنسبة كبيرة وبالتالى قل انتاج الطاقة المنتجة منه إلى النصف، وأصبحنا فى احتياج إلى الإستيراد بكميات كبيرة. تسائل قائلا: لماذا يتم دعم الطاقة للمصانع التى تربح أرباحا هائلة خاصة أن هناك صناعات مثل الأسمنت والبتروكيماويات تحتاج إلى طاقة عالية جدا لذلك لابد من رفع الدعم عن الطاقة الخاصة بتلك الصناعات خاصة أنها تربح أرباحا هائلة، وهناك كما يقول بدائل للفحم غير مكلفة وغير ملوثة للبيئة بل تساعد فى تنظيف البيئة، ويمكن استخدامها فى مصانع الأسمنت وهناك تجارب تمت بالفعل ونجحت فى مصر فى هذا المجال منذ حوالى خمسة سنوات فى أحد مصانع الأسمنت بطريق السويس حيث ساعدناه فى استخدام طاقة بديلة للغاز وهى ( طاقة المرفوضات) التى تم توليدها من القمامة والأدوية منتهية الصلاحية والوحل الذى يترسب فى خزانات البترول وهو متشبع بزيت البترول وكان يتم التخلص منه بدون الاستفادة منه عند تنظيف الخزانات، حيث قمنا بإجراء دراسة له عن كيفية تعديل الأفران بالمصنع لتصلح لتوليد تلك الطاقة، وبعدها طبقنا التجربة بمصنع آخر للأسمنت بغرب الإسكندرية ونجحت التجربة فى الحالتين فلماذا لا يتم تعميمها لتساهم فى التخلص من مشكلة القمامة وتحل مشكلة الطاقة. أضاف الفحم يسبب مشاكل كبيرة عند استخدامه فعند حرقه فى الأفران ينبعث عن الحرق غازين هما ثانى أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت وهما يسببان مشاكل بيئية خطيرة، فهما ملوثان للبيئة بدرجة كبيرة جدا ويسببان مشاكل صحية فى الجهاز التنفسى كما أن التعرض لجرعة زائدة من الغازين تسبب الإصابة بالسرطان، كما انهما من غازات الاحتباس الحرارى. وقال اسماعيل إن الاضطرار إلى استخدام الفحم فى الوقت الحالى فى مصانع الأسمنت حتى لا يتم غلق مصانع الأسمنت زيادة فى حالة البطالة بين العمال، والمقترح هو استيراد الفحم ولكن باشتراطات بيئية صارمة، وقال أن مصر تستورد فحم الكوك وهو مختلف عن الفحم الذى سيتم استيراده لمصانع الأسمنت، والكوك يستورد على قدر حاجة مصانع الحديد والصلب ،ولكن هناك تجهيزات يجب أن تتم فى الموانى والمصانع ووسائل النقل قبل استيراد الفحم، فالموانى لابد من عمل دراسات لتقييم الأثر البيئى لمعرفة كيف ستقوم الموانى باستقبال الفحم من السفن وكيف يتم تخزينها، و نقل الفحم يحتاج أيضا إلى دراسات لتقييم الأثر البيئى كيف سيتم النقل وكيف سيتم النقل، ولابد من دراسة كيفية تخزين الفحم داخل مصانع الأسمنت وكيف سيتم نقل الفحم داخل المصنع، ولابد أيضا من تغيير فلاتر المصانع وتعديل الأفران، وكل هذا يستغرق وقت، وإذا كان لابد من تغيير الأفران قبل استخدام الفحم فلماذا لا يتم تغيير الأفران وتجهيزها لاستخدام طاقة المرفوضات التى لاتلوث البيئة ولكن بالعكس تساعد على تنظيفها. وقال إن وزارة البيئة تجهز اجراءات لتداول واستقبال الفحم، وأطالب بمراقبة شديدة من الحكومة على الموانى والنقل والمصانع، بالإضافة إلى الرقابة الصارمة لقياسات الغازات المنبعثة، ولابد من تضافر وزارة البيئة مع وزارة الصناعة مع المحليات لتطبيق الرقابة الشديدة. ولابد أن تقوم وزارة الكهرباء بتحرير انتاج الطاقة وبيعها للغير، فالقانون يمنع أى جهة غير وزارة الكهرباء من بيع الطاقة للغير، وقد سبق وانتجت إحدى شركات النظافة بالإسكندرية غاز الميثان من القمامة ورفضت وزارة الكهرباء قيام الشركة ببيعها. الطاقة الشمسية وطالب اسماعيل بضرورة التوسع فى إدخال الطاقة الشمسية فى مصر وأن تعمل الحكومة على توفير الخلايا الشمسية للمنازل والمصانع، ولابد أن تتوسع المراكز البحثية والجامعات فى إجراء أبحاث الطاقة الجديدة والمتجددة، مشيرًا إلى أن كلية علوم الإسكندرية تنفذ مشروعين بحثيين كبيرين فى هذا المجال وهما مشروع انتاج البيوديزل من الطحالب التى يتم زراعتها على مياه الصرف الصحى، ومشروع حول إنتاج الطاقة الشمسية واستخدامها، وأشار إلى أن الشمس والرياح ثروتان متوفرتان بمصر ولابد من استغلالها، وكان هناك مشروع فى عام 2007 حاول عالم ألمانى القيام به لاستغلال صحراء شمال أفريقيا فى مصر وليبيا والجزائر لإقامة محطات للطاقة الشمسية وتصدير الكهرباء المتولدة عنها إلى أوروبا وبالفعل بدأ المشروع وتقدمت الجزائر جدا فى هذا المجال لكن للأسف مصر تخلفت عن الركب بعد ثورة 25 يناير ولم يتم استكمال المشروع فيها فلماذا لا نحاول استئناف العمل فى هذا المجال؟؟ البرنامج النووى المصرى وأبدى د.ابراهيم العسيرى كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ومستشار وزير الكهرباء دهشته من سعى مصر لاستخدام الفحم فى الصناعة _ وهى لا تملك مخزونا منه فى الأساس _ فى الوقت الذى تخطط الدول المتقدمة للتوقف عن استخدامه رغم أن الكثير منها يملك مخزونا ضخما من الفحم، مضيفًا مصانع الأسمنت تعمل أفرانها بالغاز وبالفحم ومصر تستورد الغاز مثلما تستورد الفحم، والمنطق يقول أنه لابد من عمل دراسات جدوى اقتصادية محلية عن تكلفة استيراد الفحم ونقله وتفريغه والنقل بالسكك الحديدية والسيارات من الموانى إلى المصانع ونحسب بعد هذه التكلفة سعر الكيلوات من الكهرباء المولدة من الفحم ونحسب ايضا سعر المولدة من الغاز ثم نستورد الأرخص بشرط تطبيق الاستراطات البيئية الحديثة (وهو ما أشك فيه) وأضاف أن الدراسات التى أجريت فى الخارج بهذه الطريقة توصلت إلى أن تكلفة انتاج الطاقة من الفحم أعلى من الغاز رغم أن الفحم أرخص أنواع مصادر الطاقة. وأضاف كانت الحكومة تريد توليد خمسة آلاف ميجاوات كهرباء من الفحم فهذا يحتاج إلى 10 إلى 15 مليون طن من الفحم سنويا، فهل يمكن تخيل تكلفة نقل هذا الحجم، و يجب أيضا معرفة تكلفة الموانى وحجم السكك الحديدية وتعديلات الأفران فى المصانع، والفحم سيتم استيراده من دول بعيده مثل استراليا أو الهند أو الصين وكلها خطوط سفر بعيده فماذا لو حدث أى طارىء وتوقف أسطول الفحم خاصة أننا لا نستطيع عمل مخزون استراتيجى لهذا الحجم من الفحم داخل البلد لأن 15 مليون طن كمية خطيرة. وتابع أنا لست مع أو ضد استيراد الفحم ولكن القرار الذى اتخذ كان قرارا سياسيا دون إجراء أى دراسات مسبقة، والقرار السياسى يجعلنى أشك فى نوايا الناس. وأشار العسيرى إلى نقطة أخرى هامة وهى أن 75% من مصانع الأسمنت بمصر مملوكة لأجانب فهل نتوقع من أجانب الحفاظ على صحة المصريين، وإذا كانوا يبيعون الأسمنت داخل مصر بسعر أعلى من المستورد من الخارج فلماذا لا تسمح لهم الحكومة باستيراد الغاز من الخارج بالسعر العالمى بدلا من الفحم، طالما يحصلون على هذا هامش الضخم من الربح، ولماذا يحصلون على الغاز المدعم من الحكومة؟؟ لذلك لابد من عمل دراسات اقتصادية قبل تطبيق القرار. وأضاف: معدلات الأمان فى استخدام الفحم تتوقف على المعايير التى سيطبقونها. ودعا العسيرى إلى ضرورة البدء فورا فى تنفيذ البرنامج النووى المصرى لحل أزمة الطاقة التى تعانى منها مصر، خاصة أن سعر الكيلووات من الكهرباء الذى يتم توليده من المحطات النووية أرخص من المولدة من جميع مصادر الطاقة الاخرى باستثناء المساقط المائية، فهو أرخص بخمس مرات من المولدة من الطاقة الشمسية،وثلاث مرات من الرياح، وأرخص مرة ونصف من الفحم، بالإضافة إلى انها اكثر حفاظا على نظافة البيئة، وتعمل على إدخال تكنولوجيا جديدة إلى مصر ورفع مستوى الصناعات المحلية، وتزويد مصر بسلاح (الردع بالمعرفة) فدخول التكنولوجيا النووية إلى مصر ومعرفة مصر بها يعطى للدولة قيمة بين دول العالم ولنأخذ إيران عبرة. لذلك لابد من السرعة فى اتخاذ قرار البدء فى طرح مواصفات المحطة النووية المصرية. لماذا فى هذا التوقيت؟ تساءل د.رمضان أبو العلا أستاذ هندسة البترول ونائب رئيس جامعة فاروس، لماذا بدأ الحديث عن الفحم فى هذا التوقيت تحديدا رغم أن نقص مصادر الطاقة لم يبدأ الآن بل منذ فترة ولماذا إدخاله فى صناعة الأسمنت تحديدا مع أن هناك صناعات أهم من الفحم مثل الحديد والصلب؟ وأضاف: هناك من له مصالح خاصة فى استيراد الفحم، وقال إن الحديث عن الاستخدام الآمن للفحم حديث ظاهره الرحمة وباطنه العذاب،وقال أن بعض دول الخارج تستخدمه لتوليد الكهرباء ولكن بمعايير بيئية وصحية عالية جدا لا أعتقد أنها ستطبق فى مصر إذ أن هناك مصالح واضحة جدا لأشخاص معينين يروجون لاستخدام الفحم فى وسائل الإعلام وبإعلانات مدفوعة الأجر. وتابع: البديل الأول للسولار والغاز فى الوقت الحالى هو ترشيد استخدام الكهرباء، وقال إن معدل النمو الاقتصادى الحالى وهو 1.8 % لايستوجب استخدام هذه الكميات المتزايدة من الطاقة، ولابد من إيجاد المنافذ الصحيحة لاستخدامات الطاقة فى مصر، فما يحدث فى مصر هزل، وتساءل لماذا لاتقوم مصانع الأسمنت باستيراد الغاز من الخارج بالسعر العالمى أو تحصل عليه من الحكومة بدون دعم خاصة أن هامش الربح فى هذه الصناعة رهيب، وقال إن قرار السماح باستخدام الفحم فى الصناعة قرار خاطىء لأن الفحم مخاطر استخدامه أعلى بعشرات المرات من موارد الطاقة الأخرى.