المراقب لما يجرى فى أوكرانيا يلاحظ أن ماكينة الدعاية الأمريكية والأوروبية تصف ما يحدث هناك كالآتى: بعد سقوط نظام يانوكوفيتش اندلعت أعمال شغب مدعومة من الاتحاد الروسى بصفة خاصة.. ويغمض الإعلام الأمريكى والأوروبى عينيه ويؤثر الصمت فيما يتعلق بالدور الذى لعبته الأموال والمنظمات الغربية غير الحكومية فى إشعال الصراع المدنى والعمل على تصعيد هذا الصراع. وبصفة عامة، يمكننا أن نرى عدة عناصر تساعد فى توصيف ما يجرى فى أوكرانيا هذه الأيام، منها على سبيل المثال أن الحكومة الحالية فى كييف عاجزة حتى الآن عن تقديم أية خطة للتغلب على الأزمات، كما أنها لا تملك استراتيجية واضحة لتطوير المجتمع والدولة فى أوكرانيا. كما أنه من الواضح أن السلطة التشريعية فى أوكرانيا أصبحت مشلولة بعد وقوعها فى أيدى مجموعة من المغتصبين يستخدمونها فى إصدار قوانين يخترعونها تتماشى مع مصالحهم، ومع ذلك هناك حالات يقوم فيها هؤلاء المخترعون بانتهاك القوانين التى اخترعوها. ففى فبراير 2014 وتحت ضغط من ساحة (ميدان) -الساحة التى شهدت بداية الأحداث- تم إصدار قانون يحظر استخدام قوات الشرطة والمخابرات والجيش الأوكرانى ضد المدنيين. والملاحظ الآن أن حكومة كييف تستخدم قوات البوليس والجيش مع المدفعية والمدرعات والطائرات ضد السكان فى دونيتسك ولوجانسك وكراماتورسك ومدن أخرى فى جنوب شرق أوكرانيا. وعلى الرغم من أن الشعار الرئيسى الذى رفعه المتظاهرون والمحتجون فى ساحة (ميدان) كان (محاربة الفساد والهيمنة السياسية من جانب القلة) إلا أن حكومة كييف قامت بتعيين القلة فى حكم وإدارة الأقاليم. فى نفس الوقت الذى تغول فيه الفساد وضرب جذوره، وشعر المواطنون العاديون الذى أيدوا ساحة (ميدان) بأنهم خدُعوا.. فالفساد يزدهر ليس فقط فى البيزنس داخل أوكرانيا ولكن أيضًا فى العقود مع الأطراف الخارجية، والسبب بسيط ويتلخص فى أن أية سرقة يمكن وضعها الآن فى خانة المصروفات الرئاسية للرئيس الهارب يانوكوفيتش. وحتى الآن، لا توجد تحقيقات فى أعمال القتل التى وقعت وسط كييف فى فبراير 2014 بواسطة (قناصة غير محددى الهوية) فقد قام (الطرف الثالث) باستئجار «قناصة مجهولين» قاموا بقتل محتجين ورجال شرطة فى نفس الوقت وذلك بهدف الوقيعة بين الأطراف وجعل التفاوض مستحيلًا. وهو نفس التكنيك الذى تم استخدامه فى مصر وسوريا بل حتى فى موسكو عام 1993، عندما قام (قناصة مجهولون) بإطلاق النار من سطح مبنى السفارة الأمريكية. ويؤكد متطوعون ممن عملوا فى المستشفى الميدانى بساحة (ميدان) أن ما يقرب من 800 شخص تم قتلهم فى كييف فى فبراير 2014، وأن غالبيتهم ماتوا حرقًا (!) فيما يعرف بالبيت الأوكرانى وهو مركز المؤتمرات الدولى فى كييف. وقد حاول القائمون على تنظيم ساحة (ميدان) إخفاء هذه الحقيقة طوال الوقت. وفى أوكرانيا الآن لا توجد حرية تعبير فقد قامت حكومة كييف والقلة التى تم تعيينها كحكام للأقاليم بوضع ضوابط صارمة للرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، ومنع الصحفيين الروس من دخول البلاد، وتقوم الدول الغربية بلعب دور خاص فى هذا المجال. فعلى سبيل المثال، هناك صور قديمة تم التقاطها بالأقمار الصناعية للجيش الروسى وهو فى كامل استعداداته وتجهيزاته خلال مناورات أجراها عام 2013، وهذه الصور يتم بثها الآن بوصفها صورًا حديثة ومعلومات استخباراتية حول حشود روسية على الحدود الجنوبيةالشرقيةلأوكرانيا. وفى أوكرانيا أيضًا لا وجود الآن للقانون والنظام بدليل الاعتداء بالضرب على أعضاء البرلمان والمرشحين الرئاسيين مثل أوليج تساديف فى وسط كييف، وتعطيل الحملة الانتخابية لرئيسة الوزراء السابقة يوليا تيمو تشينكو وحوادث أخرى كثيرة. وهو ما يشير إلى أن الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها هذا الشهر هى مجرد مهزلة. وقد كان الحل الأمثل للأزمة السياسية فى أوكرانيا قبل انقلاب 21 فبراير هو الحل القائم على الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع الرئيس يانوكوفيتش بحضور وزراء خارجية أوروبيين، وهو الاتفاق على حل البرلمان وتشكيل مجلس تشريعى مؤقت مع مشاركة نسبية وضمان لحقوق كل الأقاليم الأوكرانية لكن هذا السيناريو أصبح معقدًا للغاية إن لم يكن مستحيلًا بعد حدوث الانقلاب، نظرًا للتطور السريع الذى تشهده النزاعات الداخلية.