أرجو أن يتسع صدرك لهذه النوعية الغريبة من الأسئلة!.. مثلا.. كم يبلغ عدد وزراء الكهرباء والطاقة فى الحكومة الحالية؟! المفروض طبعًا أن الحكومة - أى حكومة - لا تضم إلا وزيرًا واحدًا للكهرباء والطاقة.. لكن الحقيقة أن التصريحات المتضاربة التى تخرج من وزارة الكهرباء تؤكد أن هناك أكثر من وزير داخل هذه الوزارة.. فهل تعرف عددهم؟! سؤال ثان: إذا كانت التصريحات التى تخرج من وزارة الكهرباء والطاقة تتعارض مع التصريحات التى تخرج من وزارة البترول.. وإذا كانت تصريحات الوزارتين تتعارض مع التصريحات التى تخرج من رئاسة مجلس الوزراء.. فمن نصدق.. وزير الكهرباء والطاقة أم وزير البترول أم رئيس مجلس الوزراء؟! سؤال ثالث: أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة أنها ستخطر المواطنين مسبقا بمواعيد قطع الكهرباء.. فهل يستطيع المواطن أن يحدد المواعيد المناسبة له؟! سؤال أخير: أليس شر البلية ما يضحك؟! شر البلية الذى أقصده ليس هو أزمة الكهرباء التى فرضت نفسها على المجتمع المصرى ضيفًا ثقيلًا.. وإنما هو طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة وتصريحات الوزراء المتعلقة بها والتى جعلتنى أتصور - دون مبالغة - أن هناك أكثر من وزير للكهرباء والطاقة.. وأن تصريحات وزراء الكهرباء والطاقة والبترول ورئيس الوزراء فيما يخص هذه الأزمة.. كلها تناقض بعضها البعض! وأبدأ بوزير الكهرباء والطاقة الدكتور محمد شاكر الذى أعلن من خلال تصريح تليفزيونى أنه إذا زاد العجز فى الوقود المتوفر لوزارة الكهرباء إلى 20% فإنه يمكن أن يصل انقطاع التيار إلى 6 ساعات حتى لو تم ترشيد الاستهلاك! ثم عاد الوزير وقال: إذا لم نرشد الاستهلاك فسوف تقابلنا مشكلة كبيرة فى فترة الصيف ولابد من الترشيد لمواجهة محدودية الموارد والإمكانيات المتاحة لتوليد الكهرباء. سيادة الوزير أنت تقول إن العجز الحاد فى الوقود سيؤدى إلى قطع التيار 6 ساعات.. حتى لو تم ترشيد الاستهلاك.. ثم تعود فتقول لابد من الترشيد لمواجهة العجز.. كيف نفهم هذه اللوغاريتمات؟! الغريب أن وزير الكهرباء والطاقة قال التصريحين المتضاربين فى لقاء تليفزيونى واحد.. والأغرب أن - الوزير - عاد فى حديث تليفزيونى آخر وأكد أن السبب الرئيسى فى مشكلة انقطاع التيار الكهربائى هو عدم القيام بصيانة محطات توليد الكهرباء! الصيانة وليس نقص الوقود هو السبب الرئيسى للأزمة! وأكثر من ذلك كله.. فقد أكد الوزير فى تصريح آخر أنه يؤمن بمقولة الزعيم الراحل سعد زغلول «مفيش فايدة».. فالوزير يقول ويؤكد أنه فى ظل أفضل الظروف فى الصيف القادم.. ومع توافر كمية الوقود الكافية لمحطات التوليد بنسبة 100% فسوف يكون هناك عجز مقداره ألف ميجاوات فى الكهرباء المنتجة (العجز الحالى مقداره ألفا ميجاوات).. ومعنى هذا الكلام أنه حتى لو حدثت معجزة واستطاعت الوزارة تدبير كل احتياجاتها من الوقود اللازم فإن الكهرباء المنتجة لن تكفى.. وستلجأ الوزارة لسياسة قطع التيار الكهرباء على الأقل لنصف الوقت الذى تقطع فيه التيار حاليا! ولأن زمن المعجزات اختفى وولى فإنه من البديهى أن الوزارة لن تتمكن من توفير احتياجاتها من الوقود.. ومن ثم فنحن مقبلون على كارثة! ونسمع كلاما مختلفا عن أزمة الكهرباء من وزير البترول ومن رئيس الوزراء! ??? يؤكد المهندس شريف إسماعيل وزير البترول والثروة المعدنية أنه لن تكون هناك أزمة فى الكهرباء خلال الصيف القادم. ويوضح وزير البترول معنى تصريحه الذى يتناقض تماما مع تصريحات وزير الكهرباء والطاقة فيقول إن سبب الأزمة يرجع إلى توقف أكبر مشروعات الغاز بإدكو بسبب اعتداء الأهالى عليه.. وأن الوزارة بصدد الانتهاء من التعاقد على 12 شحنة غاز جديدة لمواجهة الأزمة الحالية. أما رئيس الوزراء إبراهيم محلب فيؤكد أن الحكومة تعمل بمنتهى الجدية على حل أزمة الكهرباء قبل حلول شهور الصيف.. ومضى رئيس الوزراء خطوة أبعد فقال إن مصر ستشهد صيفا آمنا وأن عملية قطع التيار الكهربائى ستكون فى أضيق الحدود. والآن نحن أمام ثلاثة مسئولين تتناقض تصريحاتهم حول أزمة واحدة! وزير الكهرباء والطاقة الذى يبشرنا بصيف مظلم وأسود ستنقطع فيه الكهرباء لفترات تصل إلى 6 ساعات وعلى أحسن تقدير إلى 4 ساعات فقط.. ووزير البترول الذى يؤكد أنه لن تكون هناك أى أزمات فى الكهرباء خلال الصيف القادم بعد أن تعاقدت الوزارة بالفعل على استيراد 12 شحنة غاز.. ثم رئيس الوزراء الذى تميل تصريحاته نحو تصريحات وزير البترول فيقول إن مصر ستشهد صيفا آمنا وأن انقطاع الكهرباء سيكون فى أضيق الحدود.. فمن نصدق؟! ويبدو غريبًا ومثيرًا للدهشة بعد ذلك كله أن تصريحات المسئولين الثلاثة مع تناقضها.. تناقض بشكل حاد مع تصريحات الخبراء والمتخصصين.. فالمسئولون الثلاثة - وزير الكهرباء ووزير البترول ورئيس الوزراء - يقولون كلاما نفهم منه أن حل الأزمة يكون عن طريق توفير احتياجات وزارة الكهرباء من الوقود.. ويبشرنا وزير البترول على وجه الخصوص بأن الوزارة تعاقدت على 12 شحنة غاز.. فماذا يقول الخبراء والمتخصصون؟! يقول الدكتور إبراهيم زهران خبير الطاقة الدولى إن أى حديث عن استيراد غاز طبيعى لتخفيض الأزمة كلام لا يصح.. لماذا يا سيادة الخبير؟!.. لأنه لا يوجد فى مصر موانئ كبيرة تستطيع أن تستقبل هذا الغاز! ويضيف الخبير أن السبب الرئيسى للأزمة ليس هو نقص الوقود وإنما هو نقص العمالة الفنية.. كيف يا معالى الخبير؟!.. لأن مصر تفتقد للفنيين الذين يعملون فى التوقيت المناسب لإجراء الصيانة لوحدات الكهرباء. ويتحدث الخبير الدكتور إبراهيم زهران بعد ذلك عن أسباب أخرى للأزمة منها أن محطات توليد الكهرباء تعمل بالمازوت وليس بالغاز الطبيعى.. ومنها أننا سعّرنا الكهرباء لمصانع الأسمنت والحديد والأسمدة (التى تستهلك كميات هائلة من الكهرباء) بأسعار رخيصة.. ومنها أننا نُصدِّر الغاز الطبيعى الذى نحتاجه لتوليد الكهرباء بأسعار متدنية! ونسمع بعد ذلك كله ما يضحكنا أكثر وأكثر.. نسمع أن وزارة الكهرباء أعدت خطة لإبلاغ المواطنين مسبقا بمواعيد انقطاع الكهرباء.. وأن هناك اقتراحًا بأن يكون ذلك من خلال التنويه بشريط الأخبار فى أكثر القنوات الفضائية مشاهدة. كلام جميل لكن كيف يمكن تحقيقه وكل مدينة تضم عشرات الأحياء وكل حى يضم مئات المناطق.. أى أننا فى حاجة إلى آلاف الإعلانات يوميًا عن ساعات قطع التيار وعن المناطق التى سيقطع فيها التيار.. فهل يكفى شريط الأخبار فى كل القنوات الفضائية وليس فقط أكثرها مشاهدة لمثل هذه الإعلانات؟! ثم من أدرانا أن اللصوص والمجرمين يمكن أن يستفيدوا من هذه الإعلانات التى تتيح لهم أن يعرفوا خريطة الظلام ويستفيدوا منها ارتكاب جرائمهم.. فهل تم دراسة الآثار الأمنية لمثل هذه الخطوة؟! وإذا كانت المسألة بهذا التعقيد فهل سيحتاج الأمر فى المستقبل لإنشاء وزارة جديدة تنسق عملية قطع التيار الكهرباءى.. وربما تعمل على تحقيق رغبات المواطنين واختياراتهم لأوقات القطع.. وزارة يمكن أن نطلق عليها اسم وزارة انقطاع الكهرباء؟! ??? الشعب المصرى يستطيع أن يتحمل الأزمات إلى حين.. لكنه لم يعد - بعد ثورتين - قادرًا أن يتحمل تصريحات متناقضة وغير دقيقة تبتعد به عن الحقيقة!