أعتقد أن «فرحة» جموع المصريين باعتزام المشير السيسى الترشح للرئاسة لا تخفى على أحد من حيث مضمونها ومغزاها، فخروج المصريين إلى الميادين للاحتفال كان تعبيرًا أولا: عن الفرحة بالاستجابة لرغبتهم فى تكليف عبد الفتاح السيسى بقيادة البلاد فى الفترة المقبلة، كما كان ثانيًا تعبيرًا عن تعطشهم لقائد يسارع بالخروج بالبلد من أزمتها الحالية والتى طالت نسبيا وأثرت بالسلب على جميع مناحى حياتهم، كما كانت ثالثًا توقعا مشفوعًا بالثقة بقدرة هذا القائد على إعادة هيبة الدولة على المستوى الداخلى، ولمصر مكانتها السابقة على المستويين الإقليمى والمحلى. فالعالم كله يعلم ويجمع على أن مصر هى الدولة المحورية ورمانة الميزان فى المنطقة هذه حقائق التاريخ والجغرافيا، ولكن على أرض الواقع.. غابت مصر الدولة عن توجيه دفة الكثير من الأحداث، بل تجرأ البعض على أبنائها فقتلهم دون جريرة أو ذنب ارتكبوه، كما يحاول البعض الآخر حاليًا الاعتداء على حقوقها التاريخية فى الحصة المقررة من مياه النيل.. والتى هى مصدر الحياة على أرضها!. هذا عن فرحة المصريين مضمونها ومغزاها، فماذا عن السيسى وبيانه غنى عن القول بداية أن الرجل يتميز بالحكمة والهدوء والثقة بالنفس.. ثم الجرأة فى اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، ويكفيه أنه أنقذ مصر من أن تكون كإحدى جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية.. أى ساحة للتدخلات الخارجية لكل طامع أو غيور، كما أنه اعتبر قرار ترشحه للرئاسة «تكليفًا» من الشعب للاستمرار فى خدمة الوطن ومع ذلك تميزت استجابته بالحكمة والمصارحة.. ولم يسرف فى الوعود كعادة المرشحين!. فمن خلال كلمات هادئة وتعبيرات وجه رصينة تحدث من القلب معلنا «امتنانه لنداء جماهير واسعة من الشعب» كجندى مكلف بخدمة وطنه ومن ثم وبكل تواضع أعلن اعتزامه الترشح للرئاسة». ولكن «المهمة شديدة الصعوبة، ثقيلة التكاليف» ومن هنا كانت المصارحة بتوصيف الحالة التى عليها البلاد حاليًا.. تحديات ضخمة تتمثل فى اقتصاد ضعيف، شباب عاطل، مواطنين مرضى لا يستطيعون الحصول على العلاج، بلد يعيش على الإعانات والمساعدات، كل هذا مع أن مصر «غنية بمواردها وشعبها» كما أن المصريين يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمن وحرية.. وهذه الثلاثية لن تتحقق على أرض الواقع إلا إذا حصل كل مواطن على «عمل مناسب، وغذاء صحى، وتعليم جيد، وعلاج مفيد، وسكن ملائم». وتلك الاحتياجات الضرورية وصفها البيان «بالمهمة العسيرة» ولكنها -فى رأيى- ليست مستحيلة.. إذا خلصت النيات واتفقنا على خطوات محددة بتوقيتات زمنية معينة.. وهو ما أشار إليه البيان بالفعل.. حيث إعادة بناء الدولة واستعادة هيبتها، ثم أيضًا إعادة عجلة الإنتاج إلى الدوران، وثالثًا: القضاء على الفوضى.. أى تفعيل القانون وتطبيقه على الجميع وحسب وصف البيان «مصر ليست ملعبًا لمن يشاء!». هذه الخطوات التى لا يختلف عليها أحد، والتى أقرها بيان الترشح بدون فلسفة ولا تزيد.. سوف يتم تنفيذها فى «بيئة» سياسية واجتماعية تعتمد على أن مصر للجميع وحق الآخرين فى الترشح ويسعدنى أن ينجح من يختاره الشعب، دعوه للمصالحة «لا إقصاء أو صراعات أو استثناءات أو تفرقة إلا لمن يثبت مخالفته للقانون فى محاكمة قانونية عادلة. والأهم من كل ذلك.. أن «صناعة المستقبل» والتى ستوصلنا له الخطوات السابقة هى «عمل مشترك» ومن ثم كان التعبير الصريح الواضح «أنا لا أقدّم المعجزات، وإنما أعد بتقديم العمل الشاق والجهد وإنكار الذات بلا حدود». هكذا جاء البيان بسيطا واضحا معبرا.. هذا بلدنا.. وكلنا مصريون ولنا حقوق ولكن يجب أن يقوم كل منا بواجبه، فقد انتهى عصر المعجزات والسوبر مان، وإنما الأهداف تتحقق بالعمل الجاد المشترك.. وبالعدالة الاجتماعية للجميع.. والله الموفق.