مصر تعج بكل أنواع المتاحف التى تم تقسيمها علميًا وعالميًا إلى ستة أنواع.. وبها فعليًا أجمل متاحف العالم قاطبة وهو المتحف الزراعى ويليه متحف الخزف الإسلامى.. إلا أن التفتيش داخل خريطة هذه المتاحف كشف كمًّا من الأحداث المذهلة والمخزية ومنها اختفاء بعض المتاحف بأكملها من على الوجود فى ظروف مريبة.. وإغلاق بعض المتاحف الكبرى والمهمة غلقًا تامًا منذ سنوات بدون سبب واضح. كما أن كثيرًا من هذه المتاحف لم تبن على أسس هندسية معمارية سليمة.. وأن فاروق حسنى قام بعمل جرد شامل للآثار فى جميع أنحاء مصر لمدة ستة أعوام، ثم اختفى هذا الجرد وتم التعتيم الكامل عليه حتى اليوم.. أما أجمل الحقائق فهى التى أثبتت قيام المواطنين بحماية المتاحف بأجسادهم وبكل الطرق. حول هذا عقدت لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان «رؤى جديدة حول حماية المتاحف المصرية» وانقسمت الندوة إلى جلستين، تحدث فى الجلسة الأولى د.عبد الحليم نور الدين مقرر لجنة الآثار الذى أوضح فى بداية كلمته إلى أنه لابد من وضع تصور لمواقع المتاحف فى مصر، بالإضافة إلى طرق التأمين التى يجب أن يراها فى نوعية المتحف وطرق تأمينه، وقال عملت لمدة ست سنوات كرئيس لقطاع المتاحف، ثم ست سنوات كرئيس للمنظمة العربية للمتاحف ولى مؤلف عن الآثار فى مصر والوطن العربى. وأضاف: نحن لا نضع قضية فى اعتبارنا إلا بعد حدوث كارثة، فيجب ألا ننتظر كل مرة وقوع كارثة، بل يجب طرح القضايا لحل المشكلات تفاديًا لحدوث كوارث. ومن جهة أخرى، يرى نور الدين أن هناك خريطة للمتاحف وهناك متاحف لم تعد موجودة مثل متحف القاهرة القديم ومتحف صان الحجر وهو من أهم المواقع الأثرية فى مصر بمركز الحسينية - الشرقية، وقد وضعت تصنيفًا للمتاحف الستة على مستوى الجمهورية فالنوع الأول يضم المتاحف المصرى واليونانى والرومانى والقبطى والفن الإسلامى، والمتحف المصرى الكبير أو الجديد على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى، ومتحف الحضارة بالفسطاط وجميعها تضم آثارا مصرية قديمة، بالإضافة إلى متحف الحضارة والذى يضم تراثًا من كل الفترات التاريخية التى مرت بها مصر، أما النوع الثانى فهو المتاحف الإقليمية وهى متاحف تستخدم لنشر الوعى الأثرى فى كل الأقاليم وإنقاذ الآثار المخزونة، مثل متاحف طنطا وبنها وكفر الشيخ وملوى وسوهاج والمنيا وكفر الشيخ وبنى سويف والإسماعيلية وبورسعيد والسويس، وهى متاحف كثير منها مغلق بشكل كلى وهو مالم يحدث إلا فى مصر. أما النوع الثالث فيضم متاحف العصر الحديث كمتحف أسرة محمد على بشبرا ومتحف محمد على بالمنيل ومتحف قصر الجوهرة ومتحف المركبات الملكية ببولاق أبو العلا وآخر بالقلعة والمتحف الحربى ومتحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية ومتحف رشيد، ويضم النوع الرابع متاحف الموقع الذى سينشأ فى موقع أثرى أو إدارى أو له بعد سياسى مثل متحف أمنحوتب ومتحف المطار ومتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أما النوع الخامس فهو متاحف ذات طبيعة خاصة لها منطقة جغرافية إطارها واضح كمتحف النوبة فى أسوان والمتحف الحربى البحرى ومتحف المضبوطات الأثرية ومتحف التحنيط ومتحف بقلعة قايتباى والمتحف الزراعى وهو من أجمل متاحف العالم، بالإضافة إلى متحف الخزف الإسلامى أمام نادى الجزيرة، وأخيرًا النوع السادس ويضم المتاحف التعليمية التى تنشأ فى المؤسسات التعليمية كمتاحف المدارس ومتاحف الجامعات ومن أشهرها متحف كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ومتحف كلية الآثار بجامعة القاهرة، كما يوجد متحف بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وهو متحف متميز. ومن هنا يجب أن نتساءل: كيف لنا أن نحمى كل تلك المتاحف؟ أما د. مصطفى الغمراوى أستاذ العمارة والمستشار الهندسى، فتحدث عن عمارة المتاحف وطرق حمايتها حاليًا ومستقبلًا، وقال إن كثيرًا من المتاحف فى مصر أو فى الخارج لم يتم بناؤها على أنها متاحف، فمعظمها كانت قصورًا، ويعد اختيار موقع المتحف فى غاية الأهمية من الناحية الهندسية فلابد من توافر إضاءة مناسبة وتهوية، وكذلك من الناحية الأمنية فنجد متحف فان جوخ فى أمستردام موجودًا فى وسط مدينة، وهناك بعض التعليمات التى يجب اتباعها، وقد وفرنا ذلك فى المتحف المصرى الجديد فى أول طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى، وبالنسبة للمتحف الإسلامى الذى تم بناؤه عام 1902 وهو نفس عام بناء المتحف المصرى فى التحرير فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى، وقد صمم على أنه متحف. وأوضح الغمراوى أنه عقب أحداث تفجير مديرية أمن القاهرة والذى تسبب فى إحداث أضرار بالمتحف الإسلامى اطلعت على تصميمات المتحف فوجدت أنه يوجد بالمتحف 25 صالة عرض تم إنشاؤها بالخرسانة المسلحة وهو أمر فى منتهى الخطورة لأنها تكون عرضة للقضم، بالإضافة إلى أن الحوائط الحاملة استخدم فيها الخشب وهو أمر يجعل المبنى يتحمل الزلازل وهو تصميم يستخدم فى بناء الدشم العسكرية والحقيقة أن المتحف الإسلامى كان مؤمنا بعد التطوير تأمينا جيدا طبقا للمواصفات، أما عما حدث للمبنى فهو أمر قدرى وتعرض المبنى من الداخل لبعض الأضرار لكن يمكن معالجتها. وأضاف: أشعر بالطمأنينة على المتحف، لأن النظام الإنشائى للمتحف متقبل لهذا الأمر، أما عن الخسائر الأثرية فهى كبيرة ويرجع السبب فى ذلك إلى الفتارين بشكل كامل نظرًا لأنها غير مصممة لتحمل ذلك. وأوصى بضرورة وجود امتياز لمواقع المتاحف وأن يتم الاختيار بواسطة المتخصصين واختيار نظام عقلانى لإنشاء المتاحف، وكذلك فيما يتعلق بطرق العرض والفترينات لا بد أن تتم دراسة كل ذلك دراسة متأنية. وفى كلمته أشار د. عبد الرازق النجار رئيس مجلس إدارة المركز العربى لصياغة الأعمال التاريخية والفنية إلى «دور المجلس الدولى فى حماية المتاحف الأيكوم» وأكد أن المنظمات الدولية لها دور فى حماية التراث وتوجد بها مجموعات تقدم خدمات فى جامعة الإسكندرية وتوجد بها مجموعتان للحفاظ على المتاحف التعليمية وهى تقوم برفع كفاءة المتاحف، وطرح النجار تساؤلًا وهو لماذا دافع الشعب المصرى عن المتاحف رغم عدم وجود التثقيف المناسب لعموم الشعب المصرى بأهمية المتاحف؟. وتقوم المنظمات الدولية المختصة بالاهتمام بالمتاحف بتحليل تلك المخاطر وتقدم إرشادات للدولة لمنع حدوث تلف لتلك المتاحف أو للتخفيف من تلك الأضرار وكذلك وضع خطط قومية للتخفيف من المخاطر ووضع خطط للطوارئ وللتدخل السريع لحماية تلك المتاحف. وقد أصدر المجلس الدولى للمتاحف تقريرًا متكاملًا للاستفادة به فى عملية الحماية وأضاف النجار لدينا مشكلة فى مصر حول مفهوم التراث وهو مفهوم أشمل من الآثار وربما إحساس المصرى بأن التراث هو تاريخه وهويته هو ما جعل المصريين يحافظون خلال فترة الاضطرابات على التاريخ والهوية المصرية. وقال إن هناك العديد من المتاحف التى يتم إنشاؤها بدون معايير للحماية والأمان ولم تقم فرق بالتدريب لحماية تلك المتاحف. ومن ثم فلابد من وجود خطة استراتيجية بالإضافة إلى إيقاف إنشاء متاحف جديدة طالما ما دامت أن هناك مواطن ضعف. وعن التأمين قال لابد أن تكون هناك منطقة عازلة للمتاحف والمواقع تحمى هذه المتاحف. كما أكد على ضرورة أنه لابد من تدريب العاملين فى المتاحف الإقليمية والبرامج الأكاديمية لأنها غير متناسبة مع متطلبات العصر. فالخريج يحتاج إلى إمكانات أكبر لتدريبه بشكل سليم سواء فى الوزارة أو فى الجامعات فلابد من وجود منظومة جديدة لتفعيل خطط التأمين. وتطرق النجار إلى أن المخازن المتحفية فى مصر كثيرة جدًا ونبه إلى ضرورة وجود تفعيل لتوثيق تلك الآثار لإخراجها للنور لكى تعطى للسائح واجهة جديدة للآثار المصرية، كما شدد على ضرورة وجود تأمين فيزيائى وإلكترونى للمتاحف بحيث نؤَّمن المتحف ضد السرقة. بالاضافة إلى ضرورة وجود بوابات صلبة وفولاذية لكى تصعب عملية السرقة هذا فضلًا عن أجهزة الإنذار المبكر ووضع فتارين العرض فى أسلاك من الحديد للحفاظ على القطع الأثرية من السرقة. وعلَّق الحضور من المتخصصين على ما تم عرضه فقالت د.راندا غريب رئيس قسم الآثار المصرية بجامعة المنصورة سابقًا إن هناك قصرًا بالمنصورة فى المنطقة المحيطة بتمثال أم كلثوم اسمه قصر الشناوى وهو قصر رائع الجمال وحصل على جائزة موسولينى للبناء خارج إيطاليا. واقترحت غريب أن يكون هو المتحف القومى لمدينة المنصورة، كما اقترح راضى نادى الصحفى بجريدة "الأقباط المتحذون" أن يتم عمل قناة تشترك فيها وزارة الآثار والسياحة والثقافة لتنمية صورة مصر فى الخارج. وأشار د.عاطف منصور عميد كلية الآثار جامعة الفيوم إلى أن الآثار الموجودة بالمخازن ليست مصورة ولا مدونة وشدد على ضرورة توثيق تلك الآثار وتوصيفها وتصويرها. وردًا على ذلك قال نور الدين إنه تم منذ 1995 أى فى عهد فاروق حسنى وزير الثقافة جرد الآثار فى جميع أنحاء مصر فيما عدا أماكن بسيطة وانتهى الحصر سنة 2001 ونحن لا نعرف حتى الآن عدد القطع التى تم تدوينها وكم قطعة تلفت وكم قطعة سرقت لأنه تم التعتيم على عملية الجرد. وتناولت الجلسة الثانية من الندوة موضوع "البيئة المتحفية" إنسان ومكان وتحدث عماد فريد عن محاولة تقديم أفكار حقيقية قابلة للتطبيق خاصة أن هناك مجتمعات محلية تتداخل مع المناطق التراثية، ففى سيوة نقوم بعمل مشروعات تراث خاصة وهو نوع جديد من الفنادق وهى الفنادق البيئية وهى أحدث نوع من التصالح بين السياحة والبيئة كما عظَّمت دور التراث الثقافى الإنسانى. وقد حاولنا فى مشروع سيوة الخلط بين المجتمع المحلى والآثار إلا أننا وجدنا رفضًا تامًا حتى إن الأمر وصل إلى حد سخرية السكان المحليين من الفكرة، لذلك فإن المجتمع المصرى يحتاج إلى عمل دءوب لنشر الوعى سواء فى كتب أو محاضرات أو أفلام وثائقية. كما أشار إلى ضرورة إشراك الإنسان المحلى فى المنتج الأثرى، وللأسف نجد أن السكان المحيطين ببيت السنارى ليست لديهم فكرة عن أهمية البيت لذلك فلابد أن نفتح الباب لأهل الأحياء الأثرية أن يكونوا جزءًا من العمل. ويرى أنه لابد من إيجاد نوع من القطاع الخاص معنى بالمنظومة الثقافية التراثية فى مصر فكثيرًا ما يتطرق إلى مسامعنا أن قطاعًا خاصًا اشترى فيلا أثرية تم هدمها بعد شرائها وهناك تجارب حقيقية قام بها القطاع الخاص بالاستثمار فى التراث. وفى حديثها عن تجربتها أشارت د.ريهام عزام إلى وجود وحدة للتراث داخل محافظة القاهرة عن تطوير جامع ابن طولون وإشراك الأهالى فى هذا التطوير. وقالت استخدمت وحدة التراث الكفاءات الهندسية بالأحياء لعمل استبيان لمعرفة احتياجاتهم وعمل حملات توعية بالتراث للحفاظ عليه ومعرفة الأشياء الناقصة. ومنطقة جامع ابن طولون منطقة حرفية صغيرة بها العديد من الحرف وقد تم تطوير المنطقة وتوعية الأهالى بأهمية المنطقة الأثرية ويعد سبيل "حسن افندى عزام" وهو مايطلق عليه أهل الحى اسمه الحنفية هو اسم تلك المناطق التى كانت مجهولة لأهالى الحى. وتناول د. أحمد الزيات فى كلمته«رؤية حول عرض مقتنيات متحف الفن الإسلامى» حيث أشار إلى أن المتحف بخير من حيث مقتنياته وأن ما جاء على لسان الوزير محمد إبراهيم لم يراع الدقة فيما قال حيث إن بالمتحف ما يزيد على 98 ألف قطعة أتلف منها 250 قطعة تقريبًا وتهشم منها 74 قطعة فلا يمكن أن نقول إن هذا دمار شامل لأن كل هذا يمكن ترميمه. وقال الزيات إن المتحف يتعرض لخطورة شديدة إنشائيًا ومعماريًا فهناك أخطاء معمارية قد تؤدى إلى انهيار المبنى.