وزير الآثار يتحدى النار بالبنزين.. قرر انكار الأمر الواقع وإعادة افتتاح متحف مجوهرات أسرة محمد على رغم الانفلات الأمنى القائم بالإسكندرية.. ورغم تحذير الخبراء من تعرض المتحف للسلب والنهب فى الوقت الراهن.. حكاية المغامرة غير المحسوبة فى السطور التالية.. وجه عدد من المثقفين والأثريين والمهتمين بالتراث بالإسكندرية نداءات تحذيرية إلى د. محمد إبراهيم وزير الآثار يدعونه فيها إلى التراجع عن قراره بإعادة افتتاح متحف المجوهرات الذى يضم كنوزاً نادرة من مقتنيات أسرة محمد علي.. وكانت لجنة من 15 خبيراً فى مختلف التخصصات الأثرية والأمنية والهندسية وأساتذة الجامعات والمؤرخين قد انتهت من دراسة إمكانية إعادة افتتاح المتحف بتكليف من الوزير وانتهت إلى توصيات نهائية تضمنها محضر رسمى أثبتت فيه حيثياتها بضرورة تأجيل فتح المتحف وعدم إعادة عرض المقتنيات فى الوقت الراهن. ولكن الوزير اتخذ قرارا منفرداً بفتح المتحف للزوار مواكبة لاحتفالات مصر بذكرى انتصارات أكتوبر.. مبرراً ذلك بتحسن الأوضاع الأمنية وهو ما أثار مخاوف شديدة لدى عدد كبير من أساتذة الآثار وخبراء العمل المتحفى والقيادات الأمنية نظراً لتعطل عدد من أجهزة الإنذار بالمتحف ومنظومة الإطفاء الآلية التى لا تعمل بكامل كفاءتها وكذلك لاحتياج غالبية أرضيات المتحف إلى أعمال صيانة ضرورية لتأمين الزوار. المتحف قد تعرض لمحاولة للسطو على مقتنياته فى أحداث الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير.. وتصدى عدد من الأثريين لها بتشكيل دروع بشرية دعا إليها الدكتور إبراهيم درويش رئيس متاحف الإسكندرية الأسبق وأحمد عبد الفتاح الخبير الأثرى ومستشار وزير الآثار الأسبق.. مما تطلب قراراً حاسماً أصدره د. زاهى حواس وزير الآثار الأسبق فى 18 فبراير من العام الماضى بنقل جميع مقتنيات المتحف فى خزائن مصفحة من الصلب يصعب فتحها ووضعها تحت حماية مسلحة من قوات الأمن فى موقع آمن. ويرى المعارضون لقرار الوزير بفتح المتحف وإعادة عرض المقتنيات من جديد أن التعجل غير ضرورى خاصة فى ظل وجود بدائل لتنشيط الحركة السياحية أو إظهار استعادة الأمن والأمان للشارع المصري.. إلا أن المجازفة بعرض مقتنيات نادرة لا تقدر قيمتها بثمن فى هذا التوقيت يعد عبئاً ثقيلا على أجهزة الأمن من جهة وعلى أمناء العهد بالمتحف والعاملين به من الأثريين. الدكتور إبراهيم درويش مستشار وزير الآثار والأثرية منى رمضان ومدير المتحف محمد هندى بالإضافة إلى عدد من كبار القيادات الأمنية بالإسكندرية يرون أن الجهد الذى يبذله الأمن فى الوقت الراهن يركز على مواجهة أعمال البلطجة واستخدام السلاح فى مشاجرات يومية وضبط الخارجين على القانون والهاربين من السجون .. وهى جهود ومهام شاقة لا تتواكب مع ما تتطلبه حماية الكنوز الأثرية التى يضمها المتحف من أعباء متزايدة خاصة فى ظل توافر الأسلحة الآلية مع عصابات البلطجة التى تجتاح أحياء وأسواق الثغر الشعبية كل ليلة فى مشاجرات تسيل فيها الدماء.. بدائل ويقترح أحمد عبد الفتاح الخبير الأثرى والمؤرخ السكندرى بدائل احتفالية يمكن انجازها مثل استكمال وتشطيب أعمال التطوير فى المتحف اليونانى الرومانى وافتتاحه فى أعياد أكتوبر الحالية لأن معظم مقتنياته من التماثيل والكتل الحجرية وعناصر أثرية معمارية.. وكذلك متحف الفسيفساء بالشاطبى الذى طالت فترة إعداده للافتتاح حيث إن درجة الخطورة فى المتحفين السابقين أقل بكثير من المجازفة بافتتاح متحف المجوهرات حالياً .. الذى يتطلب مناخاً أمنياً مستقراً بشكل تام. و ينضم إلى نفس الرأى الدكتور إبراهيم درويش أحد أعضاء اللجنة التى أوصت بتأجيل افتتاح المتحف والتى دونت توصياتها فى محضر أرسلته إلى وزير الآثار لإخلاء مسئوليتها التاريخية عن قراره بفتح المتحف للزوار. ويضيف الدكتور درويش أن متحف المجوهرات يضم مجموعات نادرة وثمينة من مجوهرات أسرة محمد علي.. بالإضافة إلى مجموعة آخرى استلمتها وزارة الآثار مؤخراً من البنك المركزى لم يتم فتحها أو عرضها بعد.. من ضمنها تاج الأميرة شويكار المصنوع من البلاتين المطعم بأكثر من ألف قطعة من الماس الحر النادر .. وأطقم "شربات" للملك فاروق من الذهب الخالص.. وأطقم "قهوة" من الذهب الخالص. بالإضافة إلى مجموعات من أدوات المائدة من الذهب وكذلك أطقم مكتبية للملك فاروق من الذهب الخالص.. ومجموعات من المقتنيات والمجوهرات المطعمة بالأحجار الكريمة المبهرة وحلى ذهبية وفضية مرصعة بالماس والأحجار الكريمة خاصة بأميرات العائلة المالكة منذ السلطان حسين كامل وابنته الأميرة سميحة وحتى عائلة الملك فاروق آخر ملوك مصر .. وهى جميعها مقتنيات لا تقدر بثمن نظراً لقيمتها الأثرية والتراثية البالغة.. إنه يصعب أن يتحمل أحد مسئولية عرض كنوز من الذهب والماس والبلاتين فى الظروف الأمنية الحالية.. فإذا كانت غرف عمليات القصر العينى تتعرض للهجوم فما بالنا بالكنوز الأثرية والمقتنيات الدقيقة النادرة . ويضيف إنه ضد فكرة عرض المقتنيات الثمينة بهذا المتحف حاليا التى لا تقدر بثمن.. ولكى يتم تقدير قيمتها نحتاج إلى لجنة من كبريات بيوت المجوهرات العالمية ومجموعة من كوكبة مؤرخى العصر الحديث من المصريين والأجانب.. ويوضح أن الأمانة التاريخية تقتضى موقفاً حاسماً لأن عمليات نهب وسرقة كنوز أسرة محمد على قد بدأت منذ بدايات ثورة يوليو بشكل قانونى أحياناً وغير قانونى فى أحيان أخري.. حيث تم بيع عدد منها فى مزادات علنية تنافست عليها أكبر دور المجوهرات العالمية وبيعت الكنوز دون استشارة الشعب المصري.