(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرهانكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادًا، كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه) . شبه النبى تتابع الفتن وتكررها على القلوب بأعواد الحصير التي ينسجها الناسج، وكلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، وكذلك تعرض الفتن على القلوب واحدة بعد الأخرى، فمن القلوب من تتأثر بهذه الفتن والأهواء وتتشربها، وكلما قبل القلب فتنة نقط فيه نقطة سوداء، ولايزال كذلك يقبل هذه الفتن فتنة بعد أخرى، ويزداد سواده يوما بعد يوم حتى يسود، فإذا وصل إلى هذه المرحلة صار كالكوزالذي يستعمل في شرب الماء إذا قلب ونكس خرج منه جميع الماء، ولم يثبت فيه شيء، فالإنسان العاصي لا يزال يستمرئ ارتكاب المعاصي واتباع الأهواء حتى ينتكس قلبه، فلا يعلق به خير، ولا ينفع فيه نصح، ولا ترجى له توبة، ويصبح صاحب هذا القلب أسيرًا للهوى فإن تكلم فبهوى، وإذا صمت فلهوى، وإذا فعل فلهوى، وإذا ترك فلهوى، قد أصمه الهوى وأعماه، ومن القلوب من لا تتأثر بهذه الفتن والأهواء، فتنكرها ولا تقبلها، وكلما أنكر القلب فتنة منها نقط فيه نقطة بيضاء، ولا يزال كذلك يرفض هذه الفتن، ويزداد بياضه يوما بعد يوم حتى يبيض بالكلية، فإذا وصل إلى هذه الدرجةصار كالحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء.