فى انتهاك صريح لحقوق المسلمين فى أمريكا وتقنين التمييز ضدهم، جاء حكم المحكمة الاتحادية فى مدينة نيوارك بولاية نيوجيرسى بأن قيام الشرطة فى ولاية نيويورك المجاورة بمراقبة المسلمين سرا لا يشكل انتهاكا لحقوقهم الدستورية. ورفض قاضى المحكمة وليم مارتينى دعوى الحقوق المدنية التى أقامها فى عام 2012 مركز الحقوق الدستورية إضافة إلى منظمة المحامين المسلمين نيابة عن العديد من الأفراد والمساجد والشركات المملوكة للمسلمين، وقالوا فيها إن شرطة نيويورك تقوم منذ عام 2002 بالتجسس سرا على المسلمين فى الولاية والولايات المجاورة بشكل غير قانونى بلا سبب سوى انتمائهم الدينى. ووفقا لشبكة «بى بى سى»، قال المدعون الذين يترأسهم سيد فرهاج حسن، وهو جندى احتياط فى الجيش الأمريكى، إن برنامج المراقبة ينتهك حرية المسلمين فى التعبير ويجبرهم على التوقف عن أداء الصلاة فى المساجد ويهدد أعمالهم ومصادر رزقهم. ولكن القاضى مارتينى قال فى قرار الحكم إن سلطات مدينة نيويورك قد أقنعته بحجتها القائلة بأن المراقبة تهدف إلى محاربة الإرهاب وليس التمييز ضد المسلمين. وقال القاضى فى قراره الذى جاء فى عشر صفحات «فيما قد يكون لبرنامج المراقبة أثر سلبى على الجالية الإسلامية عقب نشر الاسوشييتيد برس لسلسلة مقالاتها، لم يكن هدف البرنامج التمييز ضد المسلمين، بل اكتشاف الإرهابيين الذين يختبئون فى صفوف المسلمين العاديين الذين يلتزمون بالقانون». وكان برنامج المراقبة واسع النطاق الذى تتبعه شرطة نيويورك قد كشفت عنه سلسلة من التقارير أصدرتها وكالة أنباء «اسوشييتيد برس» فى عام 2011 جاء فيها أن شرطة نيويورك بدأت منذ عدة سنوات رقابة شاملة على المسلمين فى المدينة. وبمساعدة من وكالة الاستخبارات المركزية، وضعت الشرطة حزمة من البرامج تشمل جميع جوانب حياة المسلمين وأنشأت قواعد بيانات ضخمة تضم معلومات عن المطاعم التى يرتادها المسلمون والمحلات التى يزورونها والمساجد والشركات التى يعملون فيها دون أن يكون لديها ما يدل على تورطهم فى أى نشاط مخالف للقانون. كما قام رجال شرطة بزى مدنى بزيارة أحياء المدينة التى تقطنها أغلبية مسلمة وسجلوا أحاديث المارة وقدموا لقيادة الشرطة تقارير يومية حول كل ما شاهدوه وسمعوه من المسلمين. وقد عبر سيد فرهاج حسن، الذى خدم فى العراق وانضم للدعوى فى عام 2012، عن إحباطه من هذا الحكم القضائي قائلا: «لقد كرست حياتى المهنية لخدمة بلدى، وكان هذا بمثابة صفعة على وجهى- كل ذلك بسبب الطريقة التى أصلى بها». ومن جانبه، رأى باهر عزمى، المدير القانونى لمركز الحقوق الدستورية، أن قرار القاضى مارتينى يشبه القرار الذى أصدرته المحكمة العليا عام 1944 بدستورية احتجاز الأمريكيين من أصول يابانية فى معسكرات اعتقال إبان الحرب العالمية الثانية. وأضاف عزمى أن «هذا القرار يقنن التمييز ضد المسلمين، فى أى مكان وكل مكان فى هذا البلد، دون حدود، لا لسبب آخر غير ديانتهم» مؤكدا أن المدعين سيستأنفون القرار. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن جلين كاتون من منظمة «محامين مسلمين» قوله إن الحكم معيب موضحا أن: «طريقة الكشف عن المخططات الإرهابية تقوم على الكشف عن خيوطها، وليس مجرد التجول فى المساجد والشركات والتجسس على الناس. إنك تتبع الخيوط بناء على معلومات عن وجود نشاط إجرامى أو التخطيط له». وأضاف كاتون أن برنامج المراقبة الذى تتبعه شرطة نيويورك لم يؤد إلى الكشف ولو عن خيط واحد منذ إطلاقه قبل عدة سنوات. ويعتقد كاتون أن قرار مارتينى سوف يسقط فى الاستئناف. أما عبد العليم موسى، مدير مسجد الإسلام فى واشنطن دى سى، فيرى أنها مضيعة للوقت بالنسبة للمسلمين استخدام كل طاقتهم بحثا عن العدالة فى المحاكم الأمريكية ذلك لأن الصهيونية الأمريكية تتحكم بشكل كامل فى النظام القضائى فى الولاياتالمتحدة وهى لن تسمح للمسلمين بكسب أية عدالة من خلال هذا النظام القضائى. وأكد موسى ل«برس تى فى» أن المسلمين فى أمريكا بل المواطنين فى العالم كله تعبوا من التجسس الأمريكى، مشيرا إلى فضيحة التجسس الأمريكى على العالم كله، والتى كشف عنها العميل السابق بوكالة الأمن القومى الأمريكى إدوارد سنودن. يشار إلى أن هناك دعوى مشابهة مرفوعة فى بروكلين من قبل اتحاد الحريات المدنية فى نيويورك ضد المدينة ولا تزال القضية معلقة. كما أن مجموعة من محامى الحقوق المدنية قدموا لمحكمة مانهاتن الاتحادية وثائق تفيد بأن برنامج المراقبة يتعارض مع حكم من المحكمة منذ زمن بعيد ينظم كيفية قيام الشرطة بمراقبة منظمات سياسية معينة. وفى تعليقها على الحكم، قالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية إن رفض القاضى مارتينى للدعوى سلط مرة أخرى الضوء على الصراع الذى تواجهه أمريكا فيما يتعلق بالقيم المدنية، أى معضلة «الأمن مقابل الحرية» فى عالم ما بعد 11 سبتمبر. وأضافت الصحيفة أن الحكم لفت الانتباه إلى التكتيكات الهجومية التى تنتهجها شرطة نيويورك منذ أكثر من عشر سنوات، ولفت أيضا إلى السؤال عن المدى الذى يمكن أن تذهب إليه الدولة فى مراقبتها لمجتمع ما لاكتشاف أنشطة إجرامية وإرهابية محتملة.