أعجبتنى أشياء كثيرة فى فيلم «المهرجان» الذى كتبه محمد عبدالمعطى وأخرجه حسام الجوهرى، ولكن الفيلم به أيضا مشكلات مزعجة معظمها فى السيناريو المترهل الذى لم يستطع ضبط الصراع ولا تكثيف مواقفه، كان يمكن أن يكون الفيلم أفضل لو تم حذف ما لايقل عن نصف ساعة من زمنه، الغريب أن الفيلم هو العمل الروائى الطويل الثانى من نوعه الذى يتحدث عن عالم الأغنية الشعبية الجديدة المصرية، والتى تقترب من موسيقى الراب والهيب هوب ولكن بكلمات وموضوعات وتعبيرات مصرية، وهو أيضا الفيلم الثانى الذى يقوم ببطولته نجوم هذه الأغانى الفعليين، ومن إخراج نفس المخرج حسام الجوهرى، كان فيلمه الأول عن هذا الموضوع بعنوان «8%» من كتابة إبراهيم فخر، وبطولة الثلاثى أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا، أما «المهرجان» فهو بطولة الثنائى السادات وعلاء فيفتى، بينما يلعب الممثل رامى غيط دورا لشخصية حقيقية هى عمرو حاحا، الذى يؤكد الفيلم أنه مبتدع هذا اللون من الغناء فى مصر، وأن الجميع سرقوا طريقته واشتهروا بها، اللافت أيضا أن هناك فيلما وثائقيا عن نفس النوع من الغناء أنتجه كريم بطرس غالى وكريم جمال الدين بعنوان « إليكترو شعبى»، ومن إخراج التونسية هند مضب. نحن إذن أمام ظاهرة حقيقية سواء أحببتها أم لم تحبها، والفيلمان الروائيان السابقان يلعبان على نفس النغمة، وهى قدرة هذا النوع من الغناء على تعويض مؤديه عن الفقر والضياع والبطالة، ولكن «المهرجان» أفضل نسبيا من «8%»، ولو تمت السيطرة على ترهل بنائه، ولو تم ضبط خطوطه بدون استطراد أو ثرثرة، ولو تصاعدت الدراما بسلاسة إلى الذروة والحل، لكنا فعلا أمام عمل مقبول، وخصوصا أن الثنائى السادات وعلاء فيفتى انطلقا فى الأداء بدون افتعال، كانا على طبيعتهما تماما رغم بعض الهنات هنا أو هناك، كما أن رامى غيط ممثل محترف جيد شاهدناه فى أدوار متنوعة مع خالد يوسف، يضاف إلى ذلك الموهوبة أمينة خليل التى ظهرت فى أعمال درامية معروفة مثل فيلم «عشم» ، ومسلسل «نكدب لوقلنا مابنحبش». أفضل ما فى الفيلم أنه يقدم بطلية السادات وعلاء فيفتى وبيئتهما فى منطقة دار السلام، بدون تزويق أو رتوش، منطقة فقيرة بائسة يعانى شبابها من البطالة، نشاهد فى البداية السادات وهو يهرب من الشرطة لترويجه المخدرات، بينما يعمل علاء فيفتى نجارا سرعان ما يتم طرده من العمل بسبب مغازلته لإحدى النساء، السادات متعلق بفتاة منحرفة دفعها الفقر لاحتراف الدعارة، وعلاء فيفتى خرج من التعليم فى سن الثانية عشرة، ولا يستطيع الزواج، والده المتدين «صبرى عبد المنعم» يوبخه دوما ويتهمه بالفشل، أمه (عايدة رياض) طيبة وتشجعه، علاء والسادات يحترفان الغناء فى الأفراح، ثم يجتمعان بالصدفة فى فرح شعبى، يتصادقان، السادات بارع أيضا فى الرقص، الاثنان يعملان مع متعهد الأفراح طرزان «محسن منصور فى أحد أظرف أدواره» الذى يسرق من النت الأغانى التى ينشرها عمرو حاحا «رامى غيط»، الشاب الخجول الذى يعمل فى سايبر، والذى يخترق الإيميلات، ويزوّر الفيزات مقابل مبالغ مالية، ينجح طرزان فى تنظيم مهرجان السلام فتنتشر تلك الأغنيات الخفيفة، بل إن نوع الموسيقى نفسه يطلق عليه اسم المهرجان، ثم ينضم الثلاثى إلى عمرو حاحا صاحب الفكرة وحق الإبتكار لدمج الغناء الشعبى المصرى بموسيقى وأغنيات الراب والهيب هوب. كرمة «أمينة خليل» التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان، والتى صدمت عندما عرفت أن خطيبها شاذ جنسيا، ستكون هى السبب فى انتشار موسيقى عمرو حاحا وأغنيات السادات وفيفتى، يدعوها أحد العاملين معها إلى فرح شعبى، تنبهر بالاستعراض، تقرر أن تصبح مديرة أعمال الثلاثة بعد ان انفصلوا عن طرزان الخائن والمستغل، بل إنها تبيع سيارتها، وتحصل على قرض من البنك لكى تنتج لهم ألبوما، يقع حاحا والسادات فى غرامها، ولكنها تعاملهما كإخوتها، تتعرض موسيقى المهرجان للهجوم العنيف، موسيقار يقول إنها ليست موسيقى أصلا، لا يحاول الفيلم، وهذه إحدى محاسنه، أن يضخّم مما يفعله هؤلاء الشباب، إنه يقدمهم باعتبارهم مجموعة تحب ما تعمل، ولا تدعى أى شئ سوى أنها تحاول إسعاد الناس والغلابة على وجه التحديد، الغناء أفضل من البطالة والصياعة، ولولا المهرجان لعاد السادات تاجرا للمخدرات، ولعمل حاحا من جديد فى تزوير الفيزات، ولاستهلك علاء فيفتى طاقته فى مطاردة النساء، إنه ببساطة غناء وفرح مرح وأكل عيش معا، تقول إحدى أغنياتهم إنهم لم يجدوا من يعلّمهم، وفى نهاية الفيلم يغنى الثلاثة «حاحا والسادات وفيفتى» مونولوج إسماعيل ياسين الشهير: «كلنا عايزين سعادة .. بس إيه هيّة السعادة .. قوللى ياصاحب السعادة». هذا هو الإطار العام للأحداث، وهو كما ترى بسيط، ويعتمد على وقائع حقيقية فى حياة هذا الفريق الذى انتشرت أغنياته فى الأحياء الراقية ثم قدموا حفلات فى الخارج، ولكن السيناريو لم يستطع مع الأسف ضبط الخطوط الأربعة معا «طرزان وفيفتى والسادات وأمينة» إلا بعد فترة طويلة جدا من بدايته، ظلت أمينة فى خط منفصل ملئ بالتفاصيل عن علاقتها بخطيبها الشاذ، جاء تحولها أيضا من حقوق الإنسان إلى العمل كمديرة أعمال لفريق شعبى مفاجئا وغريبا، ولكن علاقة امرأة من الطبقة الغنية مع فريق غنائى من المهمشين كانت جديدة ولامعة، صدمة كرمة فى خطيبها جعلتها تؤمن أنه ليس بالضرورة أن تندمج مع أشخاص يشبهونها، وان الثراء والوجاهة يخفيان أحيانا نفوسا وضيعة، يعيب الفيلم أيضا محاولته أغلاق كل الأقواس برضاء والد علاء عنه، وتصالح كرمة مع أخيها، ثم الكثير من الإستطرادات التى جعلت الأحداث تعلو وتهبط مثل خطوط الرسم البيانى المضطربة، كان يمكن علاج ذلك بحذف الكثير من المشاهد، كان هناك إسراف فى استخدام موسيقى هيثم الخميسى فى معظم المشاهد تقريبا، بصفة عامة تستطيع أن تتحدث عن أداء تمثيلى مقبول خصوصا من السادات وفيفتى، هناك أيضا بعض المشاهد المرحة الجيدة، وطبعا أداء رامى غيط الهادئ «شاهدت عمرو حاحا الحقيقى فى برنامج تليفزيونى وهو شخص خجول للغاية وصامت طوال الوقت»، كانت أمينة خليل مناسبة تماما لدورها، وهى ممثلة واعدة جدا، أما محسن منصور فقدم أفضل أدواره، بدا كما لو أنه جزء من المكان والبيئة، وبدا كما لو أنه ولد وعاش فى نفس المنطقة التى عاش فيها السادات وفيفتى، وقد أضفى لمسات كوميدية لطيفة بدون افتعال أو استظراف، فى كل الأحوال فإن حسام الجوهرى أفضل حالا كمخرج من فيلمه السابق «8%»، كان واضحا تماما أنه يحب هذا اللون من الغناء الشعبى، وأن الحكاية ليست مجرد سبوبة وخلاص!