هو فارس اليمن وشاعرها فى الجاهلية، رويت عنه قصص وأساطير عجيبة، إنه عمرو (أبو ثور) بن معد يكرب الزبيدى من بنى مذحج، كان والده زعيم بنى زبيد، ثم تولى عمرو الرئاسة من بعده، لقب ب «فارس العرب» وكان موفد قومه إلى ملوك الفرس والغساسنة، وفد على النبى صلى الله عليه وسلم على رأس وفد من قومه فأسلموا. ولكن حين ظهر الأسود العنسى فى اليمن وادعى النبوة، استجاب له عمرو وأصبح خليفته فى مذحج، ولما قتل العنسى سلّم عمرو نفسه إلى القوات الإسلامية فأرسل موثقا إلى الخليفة أبى بكر فأنبّه، فاعتذر عمرو وأطلق الخليفة صراحه وعاد إلى قومه، وعاش حتى بلغ 106 أعوام وشهد واقعتى اليرموك والقادسية واستشهد فى موقعة نهاوند. وقيل إنه كان طويل القامة ضخم الجسم ذا قوة خارقة، حتى إن الخليفة عمر بن الخطاب عندما رآه قال متعجبا: الحمد لله الذى خلقنا وخلق عمرو! وقيل أيضا إنه كان أكولا شرها، فيحكى أنه عندما همّت إحدى القبائل اليمنية (خثعم) بمهاجمة قبيلته، دخل على أخته وقال لها: أشبعينى إنى غدا لكتيبة، فأعدت له ثلاثة أصواع من الثريد وذبحت له عنزا رباعيه، فقام بكل ذلك وحده! وعندما بدأت المعركة ألقى بنفسه بين الأعداء وخلفه فرسان بنى زبيد فقهروهم. وكثيرا ما كان عمرو يفخر بنفسه.. ومما قاله فى ذلك: قد علمت سلمى وجاراتها ما قطّر الفارس إلا أنا شككت بالرمح حيازيمه والخيل تعدو زيما بيننا ومع ذلك.. كان يحترم فرسان العرب الآخرين ويعمل لهم ألف حساب ومما قاله: لو طفت بظعينه (إبل وأغنام) أحياء العرب ما خفت أن يغلبنى عليها أحد مالم ألق عبديها وحُرَّيها، وكان يقصد بالعبدين كلا من عنترة بن شداد، والسليك بن السلكة، أما الحرّين فهما دريد بن الصمة وربيعة بن مكدم.. وها هو ذا يهجو عنترة ويذكّره بما كان بينهما. لقد أيقنت عنتر أن حربى على الأعداء ملحاح ثقيلة غداة تركت فى قيد أسيرا لدى عمرو ولم تنفعك حيلة تنادى يالعبس فما أجابوا ولم تثن صدورهم الوسيلة وعبس فوقها طير المنايا ومعضلة تحف بها جليلة وكان عمرو يمتلك سيفا يسمى (الصمصامة) قال عنه إنه (كان من عهد بن ضد.. تخيره الفتى من قوم عاد) هذا السيف توارثه العرب جيلا بعد آخر حتى آل إلى الخليفة العباسى هارون الرشيد والذى تصادف أن حضر إليه وفد هندى ومعه هدايا كثيرة، فسألهم ماذا لديكم: قالوا سيوف قلعية لا نظير لها، فأمر أحد رجاله باستخراج الصمصامة فضرب بها تلك السيوف وقطعها واحدا واحدا، وعندما نظروه لم يجدوا فيها خدوش.. فنكّسوا رءوسهم هذا مع أن الهند وقتها كانت مشهورة بصناعة السيوف، حتى إن عنترة بن شداد أشار إليها فى إحدى قصائده عندما قال: وبيض الهند تقطر من دمى! ويحكى أن الصمة أبو الشاعر والفارس المعروف (دريد) قد غزا بنى زيد فى غياب عمرو وأسر منهم الكثير وفيهم أخته ريحانة، وناشده عمرو أن يخلى عنها فلم يفعل، كما حاول غزوهم دون جدوى، وقد تزوجها الصمة فيما بعد وأنجب منها دريد وإخوته، وفى ذلك يقول عمرو: أمن ريحانة الداعى السميع يؤرقنى وأصحابى هجوع سباها الصمة الجشمى غصبا كأن بياض غرتها صديع وحالت دونها فرسان قيس تكشف عن سواعدها الدروع إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع وقد تحول البيت الأخير إلى ما يشبه المثل الشعبى، وكذلك عندما قال أريد حياته ويريد قتلى معاتبا أحد أصدقائه: ولو لاقيتنى ومعى سلاحى تكشف شحم قلبك عن سواد أريد حياءه ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد أما أداؤه فى حروب المسلمين وفتوحاتهم.. فحدّث ولا حرج، فقد لبى نداء خالد بن الوليد فى معركة اليرموك، وأبلى فيها بلاء حسنا حتى فقد إحدى عينيه، أما فى معركة القادسية فقد طلب سعد بن أبى وقاص مددا من الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل إليه كلا من عمرو وطليحه. وقال لسعد: إنى أمددتك بألفى رجل، وفى هذا يقول شاعرنا: لقد علمت خيل الأعاجم أننى أنا الفارس الحامى إذا الناس أحجموا وأنى غداة القادسية إذ أتوا بجمعهم ليث هصور غشمشم شددت على مُهران لما لقيته بكّفى صمصام العقيقة مخذم فغادرته يكبو لحرجبينه عليه نسور واقعات وحوّم ولقد هاب بعض العرب جيش الفرس بسبب قوة دروعهم وطول رماحهم مما جعل عمرو يرمى بنفسه بينهم ويأسر أحدهم ويأتى به إلى قومه ويذبحه أمامهم ليزيل الرهبة منهم.. وكان يردد وهو يفعل ذلك: أنا أبو ثور وسيفى ذو النون أضربهم ضرب غلام مجنون يالزبيد إنهم يموتون ومع ذلك فقد كان له رأى فى الحروب بصفة عامة عبّر عنه بتلك الأبيات الجميلة: الحرب أول ما تكون فتية تبدو بزينتها لكل جهول حتى إذا حميت وشب ضرامها عادت عجوزا غير ذات خليل شمطاء جزت رأسها وتنكرت مكروهة للشم والتقبيل ومع فروسيته وشجاعته.. فقد كان أيضا حكيما مجربا.. حيث يقول: فمن ذا عاذرى من ذى سفاه يرود بنفسه شر المراد لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى ولو نار نفخت فيها أضاءت ولكن أنت تنفخ فى الرماد وكان أيضا خطيبا مفوها وما قاله فى هذا المجال «إنما المرء بأصغريه»: قلبه ولسانه، فبلاغ المنطق السداد، وملاك النجعة، الارتياد، وعفو الرأى خير من استكراه الفكرة، وتوقيف الخبرة خير من اعتساف الحيرة، فاجتبذ طاعتنا بلفظك، واكتظم بادرتنا بحلمك.