هو دريد بن الصمّة بن الحارث من بنى غزية من بن جشم بن هوازن، كان أبوه وأعمامه من فرسان قومهم المعدودين، وأمه ريحانة بنت معد أخت فارس اليمن المشهور عمر بن معد يكرب، وقد أسرها أبوه فى إحدى غزواته وتزوجها بعدما علم بنسبها، آملا أن ينجب منها فرسانا وهو ما حدث بالفعل حين أنجبت له خمسة ماتوا كلهم فى غزوات لهم، وقد غزا دريد حوالى مائة غزوة، ولم يغلب سوى فى اثنتين منها، وقد أصيب فى إحداها وقتل فى الأخرى، ولكنه صنع مع إخوته ووالديه وأعمامه مجدا لقومهم جعل العرب تفتخر بأن يكون من بين قتلاها أحد من بنى جشم بن بكر، وهو ما عبر عنه الشاعر عمرو بن كلثوم فى معلقته حين قال: وأما يوم لا نخشى عليهم فنمعن غارة متلببينا برأس من بنى جشم بن بكر ندف بها السهول والحزونا وقد عّمر دريد طويلا حتى سقط حاجباه على عينيه وأدرك الإسلام ولم يسلم، وخرج مع قومه فى معركة حنين، مظاهرا للمشاركين، غير مشارك فى الحرب، ولكنهم أخرجوه معهم تيمنا به وللاستماع لمشورته.. وقد خطب دريد الشاعر الخنساء بعد أن أعجب بها عندما رآها تداوى ناقتها.. وقال فيها: حيّوا «تماضر» وأربعوا صاحبى وقفوا فإن وقوفكم حسبى أخناس قدهام الفؤاد بكم وأصابه تبل من الحب ولكنها رفضته على الرغم من علمها بمن هو.. قائلة لأخيها معاوية وكان صديقا له ولأبيها: يا أبت أترانى تاركة بنى عمى مثل عوالى الرماح، وناكحة شيخ بنى جشم؟.. وعندما سمع دريد قولها هجاها فردت عليه بهجاء مماثل. وقد أنجب دريد ولد «سلمة» وكان شاعرا فارسا، وكذلك ابنته (عمرة) وكانت أيضا شاعرة.. وقد ذكرهما فى الكثير من أشعاره. ووصف دريد بأنه كان شاعرا فحلا.. وقيل إنه كان فى بعض أشعاره أفضل من النابغة الذبيانى وخاصة فى مراثيه التى قالها فى إخوته، فقد قتل إخوته الأربعة فى معارك مختلفة، فشقيقه خالد قتله بنو الحارث بن كعب حين هب مدافعا عن جيرانه وحلفائه، وقيس قتله بنو أبى بكر بن كلاب، وعبد يغوث قتله بنو مرة، أما عبد الله وكان شقيقه الأكبر فقد قتل فى غزوة له ضد قبيلة غطفان، وكان معه دريد وكاد يقتل فيها أيضا. وها هو ذا دريد يصف بطولات إخوته وعائلته فى مرثية جميلة تعد من عيون الشعر العربى، حيث يفخر دريد بنفسه وإخوته، فهم لا يفارقون السيف قاتلين أو مقتولين، فقد كان لحمهم طعاما للسيوف وكذلك لحم أعدائهم وهم لا يتركون ثأرهم وقسّموا عمرهم نصفين: نصف للإغارة، ونصف للدفاع، ولا حياة لهم غير ذلك. تقول ألا تبكى أخاك وقد أرى مكان البكا لكن بنيت على الصبر فقلت اعبد الله أبكى أم الذى له الجدث الأعلى قتيل أبى بكر وعبد يغوث تحجل الطير حوله وعز المصاب جثو قبر على قبر أبى القتل إلا آل الصمّة أنهم أبو غيره والقدر يجرى إلى القدر فإنا للحم السيف غير نكيرة ونلحمه حينا وليس بذى نكر يغار علينا واترين فيشتفى بنا إن أصبنا أو نغير على وتر بذاك قسّمنا الدهر شطرين قسمة فما ينقضى إلا ونحن على شطر ولدريد عدد من الأبيات المشهورة يرددها محبو الشعر وقراؤه قالها ضمن قصيدة طويلة يسجل فيها ما حدث فى معركة «يوم اللوى» والتى كانت بين قومه وقبيلة غطفان، حيث خرج هو وأخوه عبد الله فأغارا على غطفان، فأصابا منهم إبلا كثيرة واستاقوها عائدين، وهم فى الطريق نزل عبد الله عن الركاب ليريح ويستريح ويقسّم المال بين أصحابه، فنهاه دريد ونصحه بالسرعة حتى «تنجو وننجو معك» إلا أن عبد الله أخذته الحمية ورفض الاستماع لرأى شقيقه، فهاجمتهم غطفان وقتلت عبد الله وأصابت دريدا واستردت إبلها، وفى ذلك يقول شاعرنا: أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد فلما عصونى كنت منهم وقد أرى غوايتهم وأننى غير مهتد وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد فإن تعقب الأيام والدهر تعلموا بنى قارب إنا غضاب بمعبد لقد نصحهم ولكنهم لم يستمعوا له، ونظرا لأنه من قبيلة غزية فهو يسير خلفها إذا غزت أو أرشدت، كما يهدد من قتلوا شقيقه «بنى فارب» للأخذ بثأره. ثم يصف كيف قتل شقيقه، وأنه حاول حمايته دون جدوى فقد هب إليه بفرسه الذى يصفه فى بيتين نافس فيهما امرأ القيس عندما وصف فرسه.. حيث قال: وغارة بين اليوم والليل فلتة تداركتها ركضا بسيد عمرد سليم الشطا عبل الشوى شنج النسا طويل القرا نهدأ سبل المقلد لقد أغار على فرسه الذى شبهه بالذئب.. كما أنه سليم العضم غليظ القوام، نفر منه عرق النسا بسبب كثرة حركة قدميه.. كما أنه طويل الظهر أملس المستوى. وتمر الأيام ويعاود دريد غزو بنى غطفان للانتقام لأخيه وأخذ ثأره.. وهنا يصف ماذا فعل بغطفان وبنى عبس وفزارة، وقتله ذؤاب بن أسماء قاتل أخيه بعد أن أسره وعاد به إلى قومه ورفض فديته.. وقتله أمام أمه ريحانة لتبرد نارها! يا راكبا إما عرضت فبلغن أبا غالب أن قد ثأرنا بغالب قتلنا بعبد الله خير لداته ذؤاب بن أسماء بن زبدبن قارب وعبسا قتلناهم بحر بلادهم بمقتل عبد الله يوم الذنائب ويستمر فى ذكر العشائر والقبائل التى هزمها وقتل فرسانها أو أسرهم إلى أن يختم بقوله: ليت القبور التى يدفن فيها قتلانا تخبر عنا، لقد أشبعنا الضباع والذئاب الجائعة بلحومهم: فليت قبورا بالمخاضة أخبرت فتخبر عنا الخضر خضر المحارب رد سناهم بالخيل حتى تملأت عوا فى الضباع والذئاب السواغب وقد قتل دريد فى يوم حنين بعد أن هزم المشركون وتفرق جمعهم، وهرب الناجون منهم إلى بعض القرى ومنهم دريد الذى طارده رجل من بنى سليم وعندما لحق به سأله دريد: من أنت وماذا تريد؟ فأخبره الرجل أنه ربيعة بن رفيع السلمى.. وضربه بسيفه فلم يصبه، فقال له دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفى هذا ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، كما كنت أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريدا بن الصمّة وكان دريد قد أعتق ثلاث نساء من بنى سليم بعد أن أسرهن فى إحدى غزواته.