من سمات الشخصية المصرية التى يحددها علماء الاجتماع أننا شعب محب للضحك وابن نكتة وأن المصرى مبتسم دائما حتى فى الشدائد تجده يضحك على حاله ويسخر، وأنه بشوش ووجهه دائما مبتهج وحلو، ولدينا قاموس طويل عريض من الحكم والأقوال التى تقول إن الابتسامة فى وجه أخيك صدقة وأن المبادرة بالابتسام تنهى كل الخلافات بين الناس. أما من الناحية الصحية فإن الضحك يطيل العمر وجالب للصحة النفسية حيث يقلل من تجاعيد الوجه فالضحك يحرك عضلات كثيرة فى الوجه كما لو كانت بمثابة المساج الذى يدلك الوجه فيجعله نضرا وجميلا حتى ولو كان الشخص لا يمتلك كثيرًا من الجمال فيبدو جميلا لأنه مبتسم وبشوش.. ويقول البعض هذه السيدة ليست جميلة لكنها بشوشة ووجهها دائما مبتسما وهذا جمال، والمتأمل الآن فى وجوه المصريين يجد عبوسا وتكشيرة وهما كالجبال كاسر ظهورهم. وقد تجدهم لا ينظرون لبعض حتى لا يبتسمون أو يحيون بعضهم ويضطرون للابتسام أو الضحك فى وجوه بعضهم .. هل انتهت هذه السمة من حياة المصريين ويجب أن يعاد النظر فى السمات الشخصية التى طرأت على حياة المصريين. أقول نعم.. إن ما يحدث الآن فى حياتنا من عدم استقرار واضطرابات والظروف الاقتصادية والفقر وانتشار أمراض غريبة على مجتمعنا وعدم توفر العلاج الناجح وعدم اهتمام الأطباء حتى بتقديم خدمة طبية على مستوى عال إلا بالدفع أولا ولو دفعت حتى تحويشة عمرك أنت لا تضمن أنهم يعالجوك صح.. كل واحد منا أصبح لا يؤدى واجبه على الوجه الأكمل.. بس عايز فلوس الكل عايز يجمع فلوس.. والناس تتصور أن الفلوس هى الأمان أنا أرى أن الضمير المتيقظ هو الأمان لنا جميعا.. وضمير الناس نام شوية وأخذ إجازة ولو كان ضمير الناس صاح لم نكن لنعانى من الكوارث اللى وصلنا لها. نعود لموضوع الضحك، فالضحك يمكن أن يعالج كثيرًا مما نحن فيه.. والذى يملك الضحك صناع الضحك الذين كانوا يزغزغون الشعب من خلال الكتابة الكوميدية وممثلى الكوميديا الراقية كوميديا الحياة بمواقفها المتناقضة أو حتى غير المتناقضة، فكان يضحكنا إسماعيل يس، وفؤاد المهندس وحسن فائق ونجيب الريحانى وعلى الكسار وعبد الفتاح القصرى وعبد السلام النابلسى وعبد المنعم مدبولى وعبد المنعم إبراهيم وعادل إمام وطابور طويل عريض من الممثلين العتاة القادرين على انتزاع الضحكة بل القهقهة ومنهم ممثلات مثل جملات زايد وخيرية أحمد وزينات صدقى وملك الجمل ونعيمة وصفى ووداد حمدى وشويكار ونبيلة السيد وسناء يونس وسعاد نصر والكثير والكثيرات.. وكان كل فرد منا ينقل الضحك للآخرين من خلال رؤيته لشىء مضحك أو موقف أو نكتة أو مسرحية أو لقطة من فيلم، وكثير من الناس حولنا كانوا يجيدون صنع البهجة والضحكة، اذهب إلى مكتبك الآن لا تجد غير العابسين والمكتئبين والمهمومين والأحاديث الدائمة حول المشاكل والمصائب التى تحل على الشعب المصرى كل يوم هنا وهناك مصائب عامة ومصائب خاصة، واختفت أجواء المرح والضحك بين الناس لماذا لا أعرف هل تراكم الأحداث هو السبب، هل الظروف الاقتصادية ومشاكلها هى السبب.. فكل الأسر لديها إما شاب عاطل أو بنت كبرت ولم تتزوج للآن أو ابن مش عارف يؤجر أو يشترى شقة يتزوج فيها أو مرتب لا يكفى أبدا ميزانية أى فرد وهكذا أصبح الناس مهمومين، ودروس خصوصية أثقلت حياتهم.. يضحكوا إزاى وعلى إيه، شوف الناس فى الشوارع والمواصلات وتأمل وجوههم وأنت تدرك ذلك سريعا، وجوه بائسة عابسة مكفهرة.. شوف نسبة البائعين الجائلين فى الشوارع وفى مترو الأنفاق والأطفال الذين يبيعون الأشياء التافهة على الأرصفة وفى المواصلات، شوف نسبة السيدات التى تخرج إلى الشوارع تبيع أشياء وهذا شىء ليس من عادات المصريين أن تخرج المرأة إلى الشوارع بهذه الصورة لتيبع على الأرصفة بالساعات من أجل جنيهات قليلة وأنت تدرك حالة وصورة السواد الأعظم من الشعب كيف يعيش وكيف يعانى.. لكن كيف يعيشون ويسيرون حياتهم إنهم مضطرون لذلك. حتى ولو كل هذا يحدث.. نريد أن نضحك ونبتسم وتعود البشاشة لوجوهنا حتى ولو ضحكنا على ظروفنا ومنها، والدور الكبير هنا يقع على مصدرى الضحكة والابتسامة للشعب ومنها الإعلام بكل وسائله مقروء ومرئى لماذا لا يخصصون مساحات من الوقت للترفيه عن الشعب المصرى خلال ساعات البث بكوميديا راقية تجعلنا نضحك ولو قليلا بعد عناء ساعات العمل، وفى الصحافة نعود إلى القصص الصحفية التى تدعو للتفاؤل بدلا من نبرة التشاؤم التى تطل علينا من الصفحات بالكوارث والمصائب والقتل والهدم والتفجيرات.. شوية تفاؤل.. شوية بهجة لا تضر، وأحيانا شر البلية ما يضحك.. الناس تحتاج شوية زغزغة بمسرحية كوميدية أو فيلم أو برنامج حتى لو كان من تراثنا القديم وبالأبيض والأسود.