متى يتوقف العنف فى جمهورية أفريقيا الوسطى؟.. سؤال طرح على نطاق واسع خلال الأيام الماضية بعد تعيين كاثرين سامبا بانزا رئيسة مؤقتة لهذا البلد الأفريقى وتعهدها بإحلال السلام وتعزيز الوحدة الوطنية، دون أى اعتبارات عرقية أو إقليمية أو دينية، ما جدد الآمال فى إمكانية تحقيق الاستقرار خاصة أن «سامبا بانزا» معروفة بحيادها السياسى، فهى مسيحية تحظى بقبول الطرفين المسيحيين والمسلمين كما شهدت بذلك تجربتها الأخيرة كعمدة للعاصمة «يانجى» منذ عام 2011، كما أنها تولت سابقا عددا من عمليات الحوار الوطنى فى بلدها من بينها عملية المصالحة فى أعقاب الانقلاب عام 2003، وكان لها أيضا نشاط فى المجتمع المدنى إذ كانت عضوا فى منظمات حقوقية ونسائية فى بلادها. ومن بين ستة مرشحين، انتخب البرلمان المؤقت لأفريقيا الوسطى فى 20 يناير الماضى، سامبا بانزا البالغة من العمر (59 عاما) رئيسة للبلاد خلفا للرئيس ميشيل جوتوديا الذى اضطر للاستقالة تحت ضغط المجتمع الدولى بسبب فشله فى إنهاء إراقة الدماء، والذى كان سببا فى انزلاق البلاد إلى الفوضى والعنف الطائفى بعد أن أطاح بنظام فرانسوا بوزيزيه فى مارس 2013 على رأس تحالفه المتمرد سيليكا الذى يغلب عليه المسلمون ليصبح أول رئيس مسلم للبلاد التى تقطنها أغلبية مسيحية ما أدى إلى هجمات انتقامية من قبل ميليشيات مسيحية تدعى «انتى بالاكا» مما أشعل فتيل موجة عنف طائفى غير مسبوقة فى تاريخ أفريقيا الوسطى أدت إلى مقتل أكثر من ألفى شخص ونزوح قرابة مليون شخص يشكلون ربع سكان الجمهورية البالغ عدد سكانها 4,5 ملايين نسمة ، وأخفقت قوة تدخل فرنسية قوامها 1600 جندى إضافة إلى أربعة آلاف من قوات حفظ السلام الأفريقية فى استعادة السلام فى البلاد. وفور انتخابها دعت سامبا بانزا، وهى فى الأصل محامية، المقاتلين المسيحيين والمسلمين إلى إلقاء السلاح، مؤكدة أنها اعتبارا من اليوم رئيسة لكل أبناء أفريقيا الوسطى دون استثناء. كما دعت الدول الأوروبية والأفريقية إلى إرسال مزيد من القوات العسكرية لمساعدة بلدها فى استعادة النظام، فيما طالب زعماء دينيون – مسلمون ومسيحيون - من الأممالمتحدة إرسال قوات حفظ السلام إلى بلادهم من أجل إنهاء الصراع مؤكدين أنه صراع سياسى ولا علاقة له بالدين. وكان الاتحاد الأوروبى قد قرر إرسال تعزيزات قوامها 500 جندى إضافى، غير أن الرئيسة الجديدة تراها غير كافية لاستعادة الأمن والنظام بحسب تصريحاتها ل «بى بى سى». ومن ناحية أخرى، تعزو سامبا بانزا مشكلة العنف الطائفى الدائر فى بلدها إلى الفقر، حيث قالت فى تصريح صحفى إن الفقر الذى يعيش فيه الشباب هو الذى غالبا ما يدفعهم إلى القيام بأعمال عنف. وأوضحت الرئيسة الجديدة أن مهمة بسط السلام ونزع السلاح بصورة دائمة تستدعى أن نعيد جميع هؤلاء الرجال المسلحين إلى حياتهم الطبيعية، لأن البندقية هى التى تضمن لهم اليوم الحصول على القوت، إلا أن ذلك يمثل تحديا كبيرا لها، حيث إن صناديق الدولة فارغة تماما، وقد وعد المجتمع الدولى بتقديم 496 مليون دولار خلال العام الجارى لمساعدة أفريقيا الوسطى. ولاقى انتخاب «سامبا بانزا» كأول رئيسة لجمهورية أفريقيا الوسطى ترحيبا واسعا من قبل أبناء وطنها والمجتمع الدولى والخبراء ووسائل الإعلام العالمية آملين أن تنجح فيما فشل فيه الرجال، ولكنهم فى الوقت نفسه أكدوا على صعوبة المهمة المكلفة بها. وفى هذا السياق، طرحت مجلة «ذى اتلانتيك» الأمريكية تساؤلا حول إمكانية نجاح أول رئيسة لجمهورية أفريقيا الوسطى فى إنهاء الصراع بالبلاد، وبدأت المجلة الإجابة بالقول إن اختيار سامبا بانزا فى أعقاب قرار الاتحاد الأوروبى إرسال قوات إضافية إلى البلاد عزز التكهنات بأن الكارثة الإنسانية التى ألمت بقلب أفريقيا فى الشهور الأخيرة ربما تكون قد شارفت على الانتهاء، مشيرة إلى قول طالب جامعى لوكالة «أسوشييتيد برس» إنه منذ الاستقلال قاد الرجال البلاد وفشلوا فى المهمة. والآن سوف نجرب رئاسة المرأة لأول مرة ونرى كيف ستسير الأمور، كما أشارت المجلة إلى استشهاد صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ببحث يظهر أن اقتصاديات الدول التى تعانى من درجة عالية من «الانقسام العرقى» تكون أفضل أداء تحت القيادات النسائية. ولكن «ذى اتلانتيك» استطردت قائلة إن مثل هذا التفاؤل قد لا يكون له ما يبرره، مرجحة عدم حل الأزمة على الرغم من التطورات الأخيرة الواعدة مشيرة إلى وفاة 16 شخصا فى اشتباكات فى العاصمة فى اليوم الذى أدت فيه الرئيسة اليمين الدستورى. ورأت المجلة أن نزع سلاح الجماعات المتمردة لن يكون سهلا، ولفتت إلى أن جهود المصالحة الماضية مثل الحوار الوطنى عام 2003 والذى شاركت فيه سامبا بانزا أثبتت عدم فعاليتها فى إنتاج التعاون والثقة على المدى الطويل فى جمهورية أفريقيا الوسطى. وأنهت المجلة كلامها بأن تحقيق المصالحة يتطلب ما هو أكثر من مجرد الدعم الدولى أو تغيير جنس الرئيس، إنه يحتاج إلى قيادة لا مثيل لها فى تاريخ البلاد ونهجا جديدا لمعالجة الانقسامات داخلها. وعلى نحو مماثل، أشارت صحيفة «الأوبزيرفر» البريطانية إلى قول الكثير من مواطنى أفريقيا الوسطى بأن وجود امرأة، وأم، على رأس السلطة هو أفضل وسيلة لتحقيق المصالحة، وكذلك قول مارى لويز ياكيمبا، الناشطة بمجال المجتمع المدنى، إن «كل ما مررنا به كان نتيجة لأخطاء الرجال ونعتقد أنه مع وجود امرأة هناك على الأقل بصيص من الأمل»، إلا أن الصحيفة أضافت أن هناك تحديات هائلة تنتظر سامبا بانزا حتى إجراء الانتخابات الرئاسية فى موعد أقصاه منتصف 2015، مشيرة إلى أن سامبا بانزا تتولى السلطة فى دولة تعد إحدى أفقر الدول فى العالم ولم تكن دولة فاعلة منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، إضافة إلى تحذير الأممالمتحدة من احتمال تحول الصراع إلى عملية إبادة جماعية. ونقلت الصحيفة عن ديفيد سميث، مدير مركز أوكابى الاستشارى قوله: «نحن نرى الكثير من التقارير الإعلامية تتحدث عن إعادة بناء المؤسسات ولكن فى الواقع ينبغى التحدث عن بناء المؤسسات لأنه لا يوجد مؤسسات فى المقام الأول. الرئيسة الجديدة ليس لديها جيش مدرب أو شرطة مدربة أو درك مدرب. إنها تبدأ من لا شىء». وبالتالى فإنها تعتمد كليا على الدعم الدولى، ويرى سميث أن اهتمام المجتمع الدولى بأفريقيا الوسطى لن يدوم طويلا.