قبل أن ينصرم عام 2013، فاجأتنا السينما المصرية فى اليوم الأخير من السنة الماضية، بعرض فيلم عشوائى بعنوان «جرسونيرة» من تأليف حازم متولى وإخراج هانى جرجس فوزى، ليكتمل عدد أفلام موسم 2013 فيصل إلى 28 فيلما طويلا عرضوا فى الصالات المختلفة، ولكى نتحوّل من جديد إلى التحفظ بسبب هذا العمل الذى ينتمى إلى سينما الفنكوش التى توهمك من حيث الشكل أنها تقول أشياء كثيرة ومهمة وكبيرة بينما هى من حيث المضمون لا تقول شيئا على الإطلاق، سينما مرتبكة ومفتعلة تعتمد على افتراض تخلّف المتفرج العقلى، ولا يستطيع صناعها أن يكتبوا جملة مفيدة فى هذا الفن الصعب، مع الأسف كان فيلم «جرسونيرة» أسوأ ختام للموسم السينمائى للعام الماضى المضطرب. الجرسونيرة التى يحمل الفيلم اسمها، والتى لم يكلف صنّاعه أنفسهم لكى يشرحوا معناها ضمن الأحداث، على أساس أن كل مواطن مصرى لديه جرسونيرة بجانب شقته، هذا المصطلح يعنى الشقة التى تستأجر بغرض اللهو، وقضاء أوقات الفرفشة، الفيلم بأكمله يدور داخل هذه الشقة، التى تفنن مهندس الديكور رامى دراج فجعلها أقرب إلى برنامج البيت بيتك، أما الأبطال فهم ثلاثة فقط: سامح (نضال الشافعى)، وعشيقته ندى (غادة عبد الرازق)، والممثل الأردنى منذر رياحنة الذى يلعب دور لص مدمن وشبه مجنون ، يقتحم الجرسونيرة، ويسرق السفير السابق وعشيقته، ولكن الفيلم يبدأ، والعشيقة متذمرة فجأة، لأن عشيقها (الذى يبدو أصغر سنا من أن يكون سفيرا سابقا)، لايهتم إلا بجسدها، وكأنها توقعت مثلا أن تكون عشيقته بعقلها، المهم أنها تشتبك معه وعلى شريط الصوت موسيقى صاخبة لخالد البكرى تذكرك بأفلام الأبيض والأسود، تبكى لأنها مجرد شىء فى حياته، بينما يتركها ويعود فى أى وقت إلى زوجته الثرية وابنه الوحيد، تقول إنها تعرفه منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك لم تره إلا أياما معدودات، تشعر ندى بالوحدة الشديدة، رغم أن الشقة فاخرة ولامعة، وتنافس شقق المسلسلات التى تقوم ببطولتها غادة عبد الرازق فى شهر رمضان، الملابس أيضا فاخرة وملونة، حتى عدسات ندى زرقاء، والأظافر الصناعية مثل قوس قزح. عندما يقتحم اللص المكان، نبدأ فى سلسلة من المبالغات، التى تزيدها سوءا لهجة منذر رياحنة المصرية المضطربة والمضحكة، ومبالغاته الحركية والأدائية التى لا تنضبط مع إيقاع اللهجة وتوقيتها، فتحدث تأثيرا كوميديا غير مقصود، اللص يبدأ فى تهديد العشيقين بمسدسه، يحصل على مجوهرات العشيقة، ويجبر العشيق السفير السباق على أن يحرر له شيكين بمليون ونصف المليون من الجنيهات، وبغرابة شديدة يقدم سجائر الحشيش للعشيقين، ويجلس للثرثرة معهما بدلا من أن يهرب بعد أن أكمل مهمته، تكتشف ندى مدى جبن عشيقها، ومدى خوفه على حياته، تحكى للص تحت تأثير السيجارة عن بداية علاقتها بسامح، يتمادى اللص فيطلب من العشيقين أن يصور لهما لقاء حميما، كوسيلة تمنع العشيق من الإبلاغ عن اللص فى حال صرف الشيك، يرضخ العشيقان للتهديد، ومرة أخرى، وبدلا من هروب اللص، يبدى رغبته فى التحرش بالعشيقة، ورغم نجاح العشيقة فى الحصول على المسدس، إلا أنها لا تقتل اللص، تشتمه وتسبه فقط، يتواصل الاستخفاف بالعقول، برضوخ سامح لطلب اللص، بأن يلعبا القمار على العشيقة، تقرر ندى أن ترضخ لنزوات اللص نكاية فى جبن سامح، ترقص خصيصا من أجل اللص، وتقبل أن تعاشره، أخيرا يتركهما اللص ويهرب بالمال والمجوهرات! يبدأ فاصل جديد من الشتائم والسباب المتبادل بين العشيقين، نسمع أغنية طويلة تتضمن الحوار الذى يتذبذب بين عبارات الحب، وبين الإدانة، ندى تقول أنها وقعت فى حب رجل جبان، سامح يشعر بالذنب، هناك كلام كبير متبادل لا معنى له ويثير الضحكات فى الصالة، يغادر سامح الجرسونيرة أخيرا، يعود اللص من جديد، نكتشف أخيرا فنكوش الفيلم أو مفاجأته السخيفة: ندى تعرف اللص، واتفقت معه على سرقة سامح، ولكن الاتفاق لم يتضمن أن تعاشر اللص، تبدو ناقمة عليه لأنه خالف الاتفاق، طبعا لن تفهم أبدا أين ومتى تعرفت ندى على اللص، ليس ذلك مهما، وليس مهما أيضا أن تفهم لماذا لم يقم اللص بمهمته بعيدا عنها، بدلا من أن تكون شاهدة على المهزلة، كل ما يعنى صناع الفيلم هو تلك اللعبة الفنكوشية التى تكتمل بعودة سامح فجأة حاملا المسدس، ومطلقا سيلا من الشتائم والسباب باتجاه عشيقته «الخائنة»، وبعد أن يلقى عليهم درسا بائسا جديدا يضاف إلى ثرثرة وصداع الفيلم السابقة، يقرر أن يتخلص من اللص وصديقته ندى باستخدام أنبوبة البوتاجاز التى تبدو نشازا وسط هذا الديكور الفاخر، لكن الانتقام عايز كده، هنا تحين من العشيقة الخائنة التفاتة إلى ولاعة ملقاة فى مكان قريب منها، تستخدمها عندما يتسرب الغاز فينتهى الفيلم، وتنتهى الجرسونيرة وشخصياتها العبيطة التى أرادت أيضا استكراد الجمهور. طوال هذه الأحداث البائسة، كنت أسمع ضحكات الجمهور الصاخبة بسبب صراخ الممثيلن الثلاثة، وأدائهم المسرحى المفتعل، فشل ديكور رامى دراج فى زغللة العيون، وفشلت فساتين غادة عبد الرازق ورقصتها فى إقناع المشاهد بأى شىء، وامتلأ شريط الصوت بموسيقى صاخبة مزعجة، وأفسد المخرج قدرته على استغلال أماكن الشقة من كل الزوايا، بفشله الذريع فى قيادة ممثليه، سقط الإيقاع فجأة بعد ذهاب اللص، تأهب الجمهور للانصراف، ثم اكتشفوا فيلما جديدا آخر فعادوا وهم يضحكون، ظلت صورة سامح سليم اللامعة معلقة فى فراغ من الاضطراب والافتعال والثرثرة الحوارية، كانت أكثر جمالا مما نشاهده من أحداث عاصفة وغرائبية، وبدا منذر رياحنة إضافة أخرى للضجيج والفوضى، ولم ينقذ المشاهد المسكين إلا تفجير الجرسونيرة، والتخلص من الجميع دفعة واحدة، ليخرج الجمهور القليل من الصالة، وهو يحتسب على الذين أرادوا أن يبيعوا له الفنكوش من جديد، لا صنعوا فيلما اجتماعيا ولا رومانسيا ولا تشويقيا، ولكنهم قدموا خلطة من السمك واللبن والتمر هندى تؤثر سلبيا على من يصبر على تجرعها حتى النهاية.