نختتم تلك السلسلة من المقالات التى حاولنا فيها شرح وتوضيح مواد الدستور الجديد.. بما يسمى بالأحكام الانتقالية والهّيئات والمؤسسات المستقلة، حيث أورد المشرّع فيها نصا عاما وهو أن يحدد القانون الهّيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، على أن تتمتع كل منها بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها. ونبدأ بالمجلس الأعلى للإعلام، والذى كنا اقترحنا فى المجلس الأعلى للصحافة السابق أن يكون هناك مجلسان منفصلان: أحدهما للصحافة المطبوعة والرقمية، والثانى للإعلام المرئى والمسموع، ولكن المشرّع أخذ بوجهة النظر الأخرى والتى وردت فى دستور 2012، وأنشأ مجلسًا واحدا لتنظيم الإعلام بكافة أشكاله السابقة، على أمل أن تكون هناك شعبتان تختص كل منهما بنوعية مختلفة من الإعلام، وهو ما يمكن إنجازه حيث ترك المشرّع للقانون تشكيل هذا المجلس المقترح ونظام عمله. ولكن المشرّع عاد وفصل الإعلام المطبوع والرقمى عن الإعلام المرئى والمسموع، حيث أنشأ لكل منهما هيئة مستقلة، الأولى باسم الهيئة الوطنية للصحافة، والثانية باسم الهيئة الوطنية للإعلام وترك أيضا للقانون طريقة تشكيلهما ونظام العمل بهما. ثم جاء فى المادة 214 ليحدد المجالس القومية المستقلة ومنها القومى لحقوق الإنسان، والقومى للمرأة، والقومى للطفولة والأمومة، ثم القومى للأشخاص ذوى الإعاقة. أما الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية فقد جاء حصرها فى المادة 215 ومنها البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة على التأمين، والجهاز المركزى للمحاسبات، وهيئة الرقابة الإدارية. وقد حدد اختصاص كل منها كما هو معروف فى الدساتير السابقة وبالطبع سوف يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة الرقابية، ولكن بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يعفى أى منهم من منصبه إلا فى الحالات المحددة بالقانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء. وفى المادة 226 منح رئيس الجمهورية لخمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ولكن طبقا لإجراءات برلمانية معينة، وأن يعرض التعديل الجديد على الشعب للاستفتاء عليه. وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بمزيد من الضمانات. مع ملاحظة (المادة 227) أن الدستور وديباجته (مقدمته) يشكلان مع جميع نصوصه نسيجًا مترابطا، وكلا لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه فى وحده عضوية متماسكة. وهو ما يعنى أمرين: الأول أنه سوف يتم التصويت على الدستور كاملا، وليس مادة.. مادة.. وهذا أمر معروف ومفروغ منه، والثانى: أنه عند الاحتكام للدستور.. لا يجب الرجوع إلى مواد معينة دون غيرها.. ولكن يجب الاحتكام لجميع مواده.. فكل منها تكمل ما عداها. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية التالية لتاريخ العمل بالدستور، يجب أن تتم وفقا لأحكام المادة 102 منه.. أى ترك تحديدها لرئيس الجمهورية.. سواء كانت بالقائمة أو الفردى أو بالنظام المختلط الذى يجمع بينها. وأيضا ترك المشرّع فى المادة 230 لرئيس الجمهورية تحديد أيهما أولا: الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية، فالدستور يتيح ذلك، حيث يمكن للمرشح لمنصب الرئيس الحصول على تزكية 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخابات فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. ثم نأتى للمادة 234 والتى أثارت بعض الجدل، حيث نصت على أن «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين من تاريخ العمل بالدستور. فالبعض فهم- خطأ- أنها تخص الفريق عبد الفتاح السيسى نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الحالى، فى حين أنها تعطى القوات المسلحة الحق فى اختيار الوزير المسئول عنها من خلال موافقة المجلس الأعلى على الاسم المرشح.. وخاصة أيضا أن المادة 201 تنص على أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ويعين من بين ضباطها. والإجراء العملى فى مثل هذه الحالة.. أن رئيس الجمهورية- ومن الحق الذى منحه إياه الدستور- وبالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء سوف يختار وزراء الدفاع والداخلية والعدل والخارجية، ونظرا لأن الدستور ينص على أن وزير الدفاع لابد أن يكون من بين ضباطها.. فيجوز لرئيس الجمهورية أن يرشح أحد الضباط ويعرض الاسم على المجلس الأعلى للقوات المسلحة للموافقة على هذا الترشيح. أو أن يطلب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ترشيح اسم وزير الدفاع.. حتى يقوم رئيس الجمهورية بتعيينه وهنا يكون ترشيح المجلس هو بمثابة موافقة على التعيين. والمسألة لا تتعلق بالفريق السيسى ولكنها بالقوات المسلحة.. إذ رأى المجتمع أن يعطيها بعض التقدير والعرفان.. فترك لها اختيار وزيرها.. ولمدة ثمانى سنوات فقط.. أى لمدتين رئاسيتين متتاليتين. أما مواد (الترضية) وإطفاء الحرائق فقد وردت فى المادة 236 وما بعدها، حيث تكفل الدولة وضع خطة لتنمية الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة.. حاضر إن شاء الله، وذلك تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.. وحسنا أعطى المشرع الدولة لمدة زمنية تمتد إلى عشر سنوات لكى تعمل على تنفيذ هذا المطلب، وبالطبع لابد أن يصدر قانون لتنظيم وتحديد إجراءات التنفيذ. وكذلك تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلا ملائما فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون. طيب من الذى سيصدر القانون الذى سيحدد ذلك؟.. والمعنى لابد من تشكيل المجلس ثم يقوم بمناقشة وإصدار القانون المطلوب أى يتم تنفيذ هذا المطلب فى الانتخابات البرلمانية التالية إن شاء الله! ونفس الأمر أيضا بالنسبة للعمال والفلاحين.. وهو ما ورد فى المادة الانتقالية 243.. حيث تعمل الدولة على تمثيل العمال والفلاحين تمثيلا ملائما فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك - أيضا - على النحو الذى يحدده القانون طبعا.. لازم الدولة تعمل على ذلك.. حاضر.. «إن شاء الله»! ولكن الطريف فى الموضوع أن عاد المشرع الدستورى إلى الحق، وتدارك خطأ ما أورده فى مواد التعليم والصحة والبحث العلمى، حيث حدد نسبة 3% لكل منها فى الناتج القومى الإجمالى.. سنويا، ونظرا لصعوبة تنفيذ ذلك فى الوقت الحالى، فقد منح المشرع الدولة فترة زمنية للتنفيذ، وهو ما ورد فى المادة 238 من الأحكام الانتقالية، حيث نص على أن «تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى، المقررة فى هذا الدستور تدريجيا اعتبارا من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملا فى موازنة الدولة للسنة المالية 2016/ 2017، أى بعد ثلاث سنوات من الآن.. حاضر «إن شاء الله»!! ونفس الأمر بالنسبة للتعليم الإلزامى، والمراد أن يمتد إلى المرحلة الثانوية.. فقد سمح المشرّع بأن يتم التنفيذ بطريقة تدريجية تكتمل فى العام الدراسى 2016/ 2017. *** الخلاصة أن الدستور توسع فى الحقوق والحريات العامة، ووازن بين اختصاصات السلطات الأساسية الثلاث: التنفيذية والتشريعية، والقضائية، ولا مانع من اعتباره دستورًا «مؤقتًا» لدورة أو دورتين رئاسيتين، ثم يضع المجتمع على مهل ويتأنى فى مشروع جديد لدستور (دائم) للبلاد.