ألم تسأل نفسك إذا غابت الشمس أو حدث لها كسوف وطال لعدة ساعات أو لساعة واحدة وليس لثوان كما يحدث.. فماذا أنت فاعل؟.. فقد تموت كائنات من نباتات وحشرات وقد تطرأ تغيرات ضارة على جسدك وتعتريك حالة من الاكتئاب واليأس.. أما عند بزوغ نورها وإشراقها يحيا فيك الأمل ومعها الحياة تتفتح وهو ما نستشعره جميعا مع كل صباح، حيث يولد يوم جديد يملأه التفاؤل بعدما بددت سكون الظلام وروعه.. وفى نفس السياق هل يمكنك أن تحجب قلبك ونفسك عن نور الله الذى لا يضاهيه نور آخر قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).. ويقول إمامنا الشيخ الشعراوى- رحمه الله- فى تفسير «لا شرقية ولا غربية».. بأن نوره يشمل الشرق والغرب.. أما إذا قلنا ظهر شرقا فيعنى أظلم غربا وأن نوره يطرأ عليه الظلمة.. والمثل هنا ليس لنور الله إنما لتنويره للسماوات والأرض، أما نوره تعالى فشىء آخر فوق أن يوصف.. والمثل هنا لتقريب المسألة إلى الأذهان.. انتهى تفسيره. وأقول إنه النور الذى يتخلل القلوب.. ومن فتح قلبه لتلقى نوره فلا ينقطع ولا يخبو والحائر يهتدى إليه حينما يتصل بالله وهنا يقول رب العالمين: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .. فإذا لم تحاول فتح قلبك لنوره فأنت تعبأه بالظلمات لحجب الحقائق عنك وتسير بك إلى الضلال فلذلك كانت الهداية تلازم النور.. وإذا أمعنت أكثر فى كنه الحقيقة تجد أن الله جعل نوره حياة للقلوب، كما قال تعالى:(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) ويستحيل أن ترى القلوب نور الله إلا بتهذيب النفس والالتزام بضوابط وأحكام كتابه الكريم وسنة نبيه إلى أن يتم تطهير وتزكية الإنسان، ومن ثم يرتفع إلى آفاق النور الإلهى.. فسورة النور تشير بدايتها إلى الاهتمام بالأخلاق وتحديد الضوابط لتحمى الأسرة والمجتمع من الانحراف والتفكك.. والهدف هو تربية الضمائر لتصل إلى نور الله ويستمد منه العقل يقظته.. وتظهر آثاره فى الأخلاق الكريمة والآداب والحياة السوية.. بعكس بعض العلماء والفلاسفة، فقد اهتموا بتنوير العقل بالحقائق وأهملوا تزكية النفس ثم جاء أهل التصوف فاهتموا بتزكية النفس ولم يهتموا بالعقل.. فالمنهجان قاصران على تحقيق التربية المثلى لصفاء الإنسان ولتحقيق هذه التربية، لابد من تربية متكاملة للعقل والنفس.. وحتى هذا لا يكفى فيجب أن يستمدا العقل والنفس من نور الوحى لأنه النور الحق الذى لا يبدد ولا يتغير بأى عوامل.. فمثلا اهتمام الغرب بالعقل وحده أفقدهم البوصلة فلم يعلموا هدفا للحياة ووقعوا فى متاهة. ولذلك ذهب المفسرون إلى أن نور الله مثل نور قلب المؤمن.. فالمشكاة هى التجويف الذى فى الصدر والقلب هو الزجاجة المضيئة وما يتبعه الإنسان من القرآن والسنة المداد لنوره كشجرة الزيتون أو مداد شجرة الوحى والنبوة.. والعبد المؤمن لا يشغله عن ذكر الله والقيام بالأعمال الصالحة تجارة ولا بيع ويخافون ربهم ويعدون العدة ليوم الحساب وتشرق قلوبهم بنور الله عند الذكر والعبادة فى مساجده، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم «بشر المشائين فى الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».. وعلى الجانب الآخر يعرض القرآن جانبا مظلما مخيفا لحال الكافرين، فالظلمات تتراكم فوقه وتحته ومن حوله ولا يجد هاديا فقد أطفأ نور الله فى قلبه.. فتعرض للإصابة بداء النفاق والفجور والشهوات والهوى فرأى الباطل حقا والحلال حراما والكذب صدقا والرياء مجاملة والدنيا هى دار البقاء فانزلق إلى نار جهنم خالدا فيها. فلابد أن نسارع إلى التوبة ونبتهل إلى الله أن يجعل لنا نورا فى قلوبنا وقبورنا وسمعنا وأن نستقى نوره من شجرة الوحى.. ويثبتنا على الإيمان ويربط على قلوبنا بمحبته..