أطلق الله النور في كتابه علي عدة أشياء أطلقه سبحانه علي نفسه واطلقه علي نبيه صلي الله عليه وسلم واطلقه علي القرآن واطلقه علي الهداية واطلقه علي نور الهدايا والإيمان. فالنور في القرآن علي خمسة انحاء نور الرحمن ونور القرآن ونور النبي العدنان صلي الله عليه وسلم ونور الإيمان ونور الأكوان ولو ان احد الباحثين كتب رسالة يتتبع فيها النور في كتاب الله وسنة رسوله واثر ذلك عند المسلمين لخرج كتابا حافلا لم يؤلف مثله في الإسلام. ونحن في هذا العصر الذي اشتدت فيه الظلمات ظلمات الكفر والالحاد. ظلمات الظلم والاغتصاب. ظلمات العدو وانتهاكه للمقدسات في أحوج الحاجة إلي معرفة النور الذي تكلم عنه الله ورسوله حتي نعلم الشيء ونقيضه وحتي نعلم ما هذا النور وكيف نتبعه وما البرنامج الذي نسير علي؟ نفر فيه من الظلمات إلي النور حتي يرضي ربنا عنا. ان دين الإسلام دين النور وقد اطلق الله النور علي نفسه في سورة حملت اسم سورة النور قال الله تعالي فيها: "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم" النور .35 وفي هذا النور الرحماني يقول الإمام ابن عطاء الله السكندري في كتابه الشهير "الحكم العطائية". الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه وهو يقصد ان الكون من حيث كونيته وظهور حسه كله ظلمة لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود ربه ولأنه سحاب يغطي شمس المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأواني. أما نورانية كتاب الله الكريم القرآن المجيد فقد اثبتها ربنا له في اكثر من آية قال تعالي: "فالذين آمنوا به وعزوره ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون" الاعراف 157 وقال تعالي "فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير" التغابن 8 وقال سبحانه "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا إليكم نورا مبينا" النساء .174 فالقرآن الكريم نور من عدة اعتبارات فباعتبار مصدره فإن مصدره عالم الأنوار والوحي والقدس ولذلك أمر الله في كتابه الإنسان إذا ما أراد ان يتصل بهذا النور ان يمسح نفسه بمسحة النور فعليه ان يتوضأ والوضوء من الوضاءة والانارة وهي العبادة التي يتطهر فيها المسلم من الحدث الأصغر وذلك ليكون حاله مناسبا للنور الذي يريد ان يتلوه. والقرآن نور من حيث لغته العربية وتهذيبه للغة العرب التي كانت مليئة بالغرائب ووحشي الكلام والقرآ نور من حيث نقله فقد نقل بالأسانيد المتصلة المتكاثرة التي بلغت حد التواتر الاسنادي والجملي ولقد أورد ابن الجزري في كتابه "النشر في القراءات العشر" أكثر من ألف سنة من عصره "القرن التاسع الهجري" إلي القراء العشرة وهم الذين نقلوا القرآن ممثلين عن مدن بأكملها. كلها يقرأ كما كانوا يقرأون وهذا ما يسمي بالتواتر الجملي الذي يقرأ الناس جميعا القرآن في مدينة معينة بهذه الطريقة وبهذا الاداء فصار هؤلاء القراء مجرد مندوبين عنهم وممثلين لقراءتهم وحافظين لطريقتهم في التلاوة وارتضاهم أهل كل مدينة لما رأوا فيهم مزيد الاهتمام وتمام العلم فشهدوا لهم جميعا بذلك. والقرآن نور من حيث معانيه فقد اشتمل علي مباديء عامة تنير الطريق وتنظم العقل ومن تلك المباديء القرآنية قوله تعالي: "ولا تزر وازرة وزر أخري" الأنعام 164 وقوله سبحانه: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" البقرة 179 وقوله تعالي: "عفا الله عما سلف" المائدة 95 وقوله سبحانه: "وان ليس للإنسان إلا ما سعي" النجم 39 وقوله تعالي: "وما جعل عليكم في الدين حرج" الحج 78 إلي آخر ما هنالك من أسس ومباديء تبين ان الضرر يزال واليقين لا يرفع بالشك والأمور بمقاصدها ونحو ذلك. والقرآن نور في مضامينه فقد وصف الأوجاع في النفس البشرية وفي المجتمع المسلم وبين العلاج وقص القصص واثبت العقائد وأوضح الأحكام وما فرط فيه ربنا من شيء نسأل الله ان يشرح صدورنا بنور القرآن. ولا يبعد ان يكون للقرآن نور حسي يزيد من نور المؤمن في روحه ووجهه مما يلحظه الناس ويرونه ويعبرون عن ذلك بعبارتهم السهلة الشهيرة "رجل وجهه منور" و"امرأة وجهها منور" وهم يعنون انهم يرون في وجوههم نورا. أضف إلي ذلك ان القرآن يكون نورا لصاحبه يوم القيامة ومرقي له في درجات الجنة. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همنا وذهاب غمنا.. آمين.