لم يكن التدخل العسكرى الفرنسى الأخير فى أفريقيا الوسطى مفاجئا للعديد من القوى الدولية، إذ يعد هذا التدخل جزءا من الاستراتيجية العسكرية الجديدة لوزارة الدفاع الفرنسية فيما يتعلق بالقارة الأفريقية، والتى تتمحور حول التصدى للحركات الإسلامية الراديكالية فى منطقة الساحل الإفريقى، وذلك بهدف منع النموذج الأفغانى من التكرار فى أى من بلدان المنطقة، وبالإضافة لذلك، فإن هذه العملية العسكرية وما سبقها من عمليات مماثلة فى ساحل العاج، والصومال، ومالى تساهم أيضاً فى تدعيم مكانة فرنسا الدولية المتراجعة، خصوصاً فى مستعمراتها الإفريقية السابقة، وفى تعزيز شعبية أولاند المتدنية. وعلى الرغم من أن المبرر الرسمى لهذا التدخل الجديد هو منع القتال بين المجموعات المسلحة، وحماية المدنيين هناك، إلا أن كثيرًا من المحللين ووسائل الإعلام الغربية أكدوا أن تدخل فرنسا لم يؤد لوقف المذابح فى البلد الأفريقى الفقير، بل أدى لزيادة العنف، حيث تساءلت صحيفة « ليبراسيون» الفرنسية عما إذا كان التدخل الفرنسى قد فاقم الوضع، معتبرة أن هذه العملية التى أمر بها أولاند من أجل تفادى حمام دم فى هذه المستعمرة الفرنسية السابقة أدت بشكل مناقض إلى تدهور الوضع الأمنى والإنسانى، كما تساءلت الصحيفة عن مخاطر هذه العملية خاصة بعد مقتل جنديين فرنسيين فى هذا البلد، مشيرة الى أن باريس التى تعتقد أنها ستنهى هذه العملية فى ستة أشهر بالاعتماد على 1600 جندى قد تكون فى وضع يحتم عليها مراجعة أوراقها. وفى نفس الاتجاه سارت صحيفة « لوفيجارو» الفرنسية، والتى قالت إنه بالرغم من أن الهدف من العملية هو السماح بعودة قدر قليل من الهدوء فى أفريقيا الوسطى لاستئناف عملية سياسية تؤدى إلى إجراء انتخابات، إلا أن ما حدث هو العكس فبدلا من استقرار الوضع، تسبب التدخل الفرنسى فى إغراق البلاد فى العنف الذى كان من المفترض أن توقفه، وأشارت الصحيفة إلى أن اندلاع أعمال العنف بين الأقلية المسلمة والأغلبية غير المسلمة أدى إلى بدء مرحلة من الانتقام يصعب فى الوقت الحالى إيقافها، مشيرة إلى أنه ما من أحد يستطيع أن ينفى أن فرنسا تتحمل المسئولية الكاملة إزاء الفوضى فى أفريقيا الوسطى. أما صحيفة «دير شبيجل» الألمانية، فذكرت أنه رغم إرسال الرئيس الفرنسى 1600 جندى فرنسى لوضع حد للعنف، لكن فرنسا قد تجد نفسها متورطة فى نزاع معقد، مضيفة أن فرنسا لديها تاريخ حافل فى التدخل فى جمهورية أفريقيا الوسطى، من خلال عدة عمليات قامت بها كعملية «سانجاريس» والتى سميت أيضا بعملية الفراشة، إضافة إلى عملية «باراكودا» عام 1979 عندما أطاحت بالرئيس «كايزر بوكاسا» الذى عينته باريس بنفسها، وكل هذه التدخلات العسكرية جرت لأجل حماية المصالح الاقتصادية الفرنسية هناك، وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن انتشار الفساد داخل السلطة وداخل الشركات الفرنسية المستثمرة فى افريقيا الوسطى أدى إلى وجود مشاكل كثيرة مثيرة للقلق، كما أدت إلى تعرضها لانتقادات من اليسار فى فرنسا، واختتمت الصحيفة تقريرها بأن التحدى الأكبر سوف يكون فى عملية التحرر السياسى لبلد مساحته الجغرافية كبيرة بحجم بلجيكاوفرنسا معا. ومن جانبها، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن جمهورية أفريقيا الوسطى تحولت إلى المحور الجديد لجهود أولاند الرامية إلى إعادة نشر وإحياء نفوذ أمته فى قارة تواجه فيها سيطرتُها السابقة تحدياً كبيراً مع بروز الصين المتزايد. وإذا كانت العديد من الصحف العالمية قد اتفقت على أن التدخل العسكرى الفرنسى فى افريقيا الوسطى مخاطرة من قبل أولاند، فإن موقف الشعب الفرنسى لم يختلف كثيرا، حيث أظهر استطلاع للرأى أُجرى الأسبوع الماضى أن 64% من الفرنسيين يعارضون العملية العسكرية الفرنسية فى أفريقيا الوسطى، وأن 35% يؤيدونها. وبصورة عامة أعرب نحو 62% من الفرنسيين عن عدم رضاهم عن السياسة الخارجية لأولاند، فى حين أعرب 38% عن تأييدهم له.