بدأت هذه الحكاية بوشاية أدت إلى كشف أثرى كبير وانتهت بتورط وخلاف سياسى لم يتم حله بعد. ففى أواخر الستينيات من القرن الماضى وبدافع الخوف قامت الطائفة اليهودية فى العراق بجمع كنوزها من الكتب اليهودية المقدسة وخبأتها فى علية سطح معبد يهودى فى بغداد باسم مسعودة شيم طوف..هذه الكنوز كانت عبارة عن كتب فى الشريعة والتفاسير استخدمتها على امتداد مئات السنين المدارس الدينية فى أنحاء العراق واستعان بها كبار حاخامات يهود بابل فى مكتباتهم الخاصة. الصحفى الإسرائيلى جاكى حوجى ألقى الضوء على هذا الموضوع وكتب فى صحيفة (معاريف) يقول إنه فى عام 1969 ومع تولى صدام حسين الحكم كان عدد اليهود فى العراق مايقرب من الثلاثة آلاف بدأوا فى الهروب إلى الخارج خوفاً من أن يصيبهم سوء. وكان من بينهم يهودى يدعى «دافيد ح» اختار أن يهاجر إلى إسرائيل، وبعد عدة سنوات اشتاق إلى بيته فى العراق فعاد وهو يرتعد خوفاً من اكتشاف ماضيه الإسرائيلى، وتم تجنيده من قبل السلطات العراقية لنقل أخبار الطائفة اليهودية فى بغداد. وفى أوائل السبعينات أطلعهم على أمر الكنز الذى تخبئه الطائفة، فأغار رجال المخابرات العراقية على المعبد اليهودى وصادروا مجموعة الكتب المقدسة وألقوا بها فى أقبية المخابرات العامة فى حى المنصور غربى بغداد. وبمرور السنين غطى التراب الكتب اليهودية المقدسة إلى أن قرر جورج بوش إعادة ترتيب الشرق الأوسط من جديد. وفى أوائل مايو 2003 وبعد شهر من إسقاط نظام صدام حسين، حكى شخص ما للأمريكان عن الكتب اليهودية الموجودة فى أقبية المخابرات، فذهبت مجموعة من الجنود الأمريكيين إلى مبنى المخابرات العراقية لكنهم وجدوا الكتب ومن بينها كتابان غاية فى الأهمية ترجع طباعة أحدهما إلى عام 1568 والآخر إلى عام 1696 بالإضافة إلى سجلات الطائفة ووثائق الزواج والميلاد والوفاة منذ عام 1931، غارقة فى المياه بارتفاع متر وأكثر وذلك من جراء قصف الموقع قبلها بعدة أسابيع. ومنذ ذلك الحين بدأت عملية إنقاذ طويلة ومعقدة لهذا التراث. دامت عملية الإنقاذ هذه مايقرب من ستة أسابيع، بعدها تم وضعها فى 27 صندوقاً من الألمونيوم وشحنها بالطيران تحت رعاية الجيش الأمريكى إلى مخازن الأرشيف الوطنى بالولايات المتحدة. تعاملت إدارة بوش مع الكتب المقدسة اليهودية بوصفها كنزاً تاريخياً أولته اهتماماً كبيراً ورصدت الكثير من المال بغرض الحفاظ عليه. لكن الاتفاق الذى تم توقعيه فى أغسطس 2003 بين ممثلى الحكومة العراقية (رجال أحمد الشلبى فى ذلك الوقت) والإدارة الأمريكية ممثلة فى بول بريمر، الحاكم المدنى المعين من قبل واشنطن، كان يقضى بإعادة هذا الكنز اليهودى إلى العراق بعد عامين من عمليات الترميم وهو ما لم يحدث.. وتم مد أجل الاتفاق المرة بعد المرة إلى أن تحدد الآن فى صيف 2014. وبعد مرور كل هذه السنوات ومع رؤية العراق لواقعه الجديد وبداية الاستقرار واستتباب الأمن إلى حد ما بدأ العراقيون ينظرون إلى المستقبل حتى من وراء الأفق الدامى. فبدأوا فى وزارة السياحة يبذلون الجهد لاستعادة الكنوز الثقافية العراقية، وأخذوا يرممون المواقع الأثرية التى تضررت ويفتحون قصور صدام أمام الزائرين. وفى نفس الوقت بدأ الاهتمام بالسياحة الدينية. وفى إطار هذه الجهود بدأت كل من وزارتى السياحة والداخلية العراقيتين حملة لاستعادة الكنوز التاريخية العراقية وهى الكنوز التى نهبت خلال سنوات الحرب. وانصب الاهتمام على 9400 قطعة أثرية عالية القيمة اختفت من المتحف الوطنى العراقى بعدما تم نهبه فى أعقاب سقوط صدام. وحتى الآن، جمع العراق أدلة على وجود الكثير من هذه القطع فى لبنان وبيرو والولايات المتحدة. وقد تم بالفعل استعادة بعضها إما بموجب القانون الدولى أو نتيجة للجهود الدبلوماسية التى مارستها وتمارسها بغداد. وفى نفس السياق، تذكر العراقيون أيضاً مجموعة الكتب والمخطوطات اليهودية المقدسة. وبمحض المصادفة، وصل إلى بغداد خبر تم نشره فى صحيفة معاريف فى شهر يونيو 2008 مفاده أن بعضاً من هذا الكنز اليهودى تم تهربيه إلى إسرائيل، وهو ما دعا المتحدث باسم هيئة الآثار العراقية، عبد الظاهر طلقانى إلى القول:(فى منتصف 2008 نشرت صحيفة إسرائيلية تقريراً مفاده أن إسرائيل تلقت عدداً من المخطوطات اليهودية والتى يرجع مصدرها إلى العراق وهو ما أثار استغرابنا ودفعنا إلى توجيه رسالة إلى الأمريكيين نلفت نظرهم إلى أن فى ذلك استخدام لآثار عراقية). وأضاف المتحدث بأن هيئة الآثار أيضاً طلبت من إسرائيل عن طريق اليونسكو، إعادة كل القطع الأثرية التى نهبت من العراق ووصلت إلى أراضيها. وفى نفس الوقت، صرح يهودى أمريكى مقرب من الإدارة الأمريكية لصحيفة (معاريف) أنه وفقاً للقانون الدولى لايحق للمحتل أن يخرج قطعاً أثرية موجودة فى حوزة الدولة الواقع عليها الاحتلال وإلا يعد ذلك سرقة ونهباً. وأضاف: لكن فى هذه الحالة فإن القول بأن كنز الكتب المقدسة اليهودية ملك للحكومة العراقية هو قول غير دقيق، لأنه كان من ممتلكات الطائفة اليهودية وهى اليوم موجودة خارج العراق!