عندما وقف العقيد القذافى فى الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومزق دستورها على رءوس الاشهاد معلنا رفضه للأسلوب الذى تدار به هذه المؤسسة الدولية تحول الأمر إلى نكتة.. لكن عندما رفضت المملكة العربية السعودية الصدقة التى قدمتها لها الأممالمتحدة على شكل مقعد مؤقت لمدة عامين فى مجلس الأمن.. عندها تحول الأمر إلى زلزال فما فعلته السعودية غير مسبوق فى تاريخ الأمم التى هى متحدة وكيف لدولة من العالم الثالث ومهما كان حجمها الإقليمى ووزنها الاقتصادى العالمى أن تقول لا وخاصة أن لها مصالحها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، الدولة التى تدير الأممالمتحدة من وراء ستار وأحيانًا من أمامه جهارًا نهارًا فإذا حدث لا قدر الله واتخذت المؤسسة قرارًا ضد مصالح أمريكا أخرجت لها الكارت الأحمر واستخدمت سلاح الفيتو.. لأنها من كبار مجلس الأمن الذين يحق لهم فقط القول الفصل بينما باقى الدول ال 188 أعضاء الجمعية العمومية مجرد كومبارس. فإذا قالوا كلمتهم ورفضها المجلس..فهذا هو الأمر المغلوط المرفوض الذى تمردت عليه السعودية فى كبرياء يذكر لأرباب الأممالمتحدة أن أمور مؤسستهم تحتاج إلى إعادة نظر وأن الدول كبرت على التبعية والتخويف فالكل سواء تحت سقف هذا التجمع الدولى. هناك من الدول العربية من طالب السعودية بقبول المقعد المؤقت والغالبية أيدت موقفها الرافض.. ولنا أن نعرف بأن الدول «التربتيك» أى المؤقتة على طريقة الجمارك التى تدخل مجلس الأمن لكى تخرج منه بعد عامين وهى تجلس وتناقش وتتكلم لكن بلا فاعلية.. لأن الأكابر الخمسة: أمريكا - فرنسا - انجلترا - روسيا - الصين. هم اصحاب الحق الوحيد فى التصويت وهذه الدول العشر يتم اختيارها عن طريق الجمعية العمومية.. وهذا ما يؤكد مبدأ عدم المساواة بين مؤسسة يفترض فيها تحقيق العدالة والسلام بلا تفرقة أو تمييز بين الدول الأعضاء لكن على أرض الواقع لا نرى إلا تقسيمة عجيبة.. فيها ركاب الدرجة الأولى المميزة المكيفة وركاب الترسو أو السبنسة. والحقيقة أن التصريحات التى خرجت على ألسنة كبار المسئولين فى السعودية تعليقًا على اعتذارهم المدوى هذه التصريحات كشفت عورات الأمم وكيف أنها تخاذلت فى الكثير من القضايا الدولية الكبرى منها الأسلحة النووية.. وأزمة فلسطين.. وما جرى ضد مسلمى ميانمار وغيرهم فى أرجاء المعمورة.. حيث تصور الجمعية العمومية قرارتها التى لا جدوى منها إلا تحصيل حاصل..بينما هناك قرارات اتخذها مجلس الأمن وراح يتابع تنفيذها فى زمن قياسى؛ لأن الأمر يوافق الهوى الأمريكى وقد فسر البعض موقف السعودية الشجاع هذا بأنه صفعة على وجه أمريكا ردًا على مسألة قطع المعونة عن مصر. وهو تفسير غير مستبعد كما جاء فى جريدة «الواشنطن بوست».. لأن مواقف السعودية كانت سباقة ورائدة تجاه ثورة مصر فى 30 يوينو.. وكان لها دورها فى تحويل دفة الأمور.. ودعمها تحركات وزير الخارجية السعودى المخضرم الفيصل فى قلب أوروبا.. وتأثيره الواضح فى تغيير الصورة وأثبت بذلك ان اعتماد العرب على أنفسهم وقوتهم هو الضامن الأكبر للإعلان عن قدراتهم فى عالم لا يعترف إلا بالأقوياء وعندنا كعرب من الملك والمكان والمكانة والامكانيات لها كلمتها وحضورها. وهذا استحضر مقولة المؤرخ البريطانى الشهير «ارنولد توبينبى» أن النظام السوفيتى القديم لم يكن يختلف عن نظيره الأمريكى فهما نوتتين مع لحن واحد أو صيغة واحدة من صيغ الحضارة الغربية ومن هنا ظهرت مصطلحات «العولمة» نهاية التاريخ.. صدام الحضارات وفى كتابه «خمس سنوات فى بيت من زجاج» كشف الدكتور بطرس غالى عن خبايا ما يدور فى كواليس الأممالمتحدة وكيف لاعبته أمريكا بالترحيب والترغيب لكى يكون طوع يديها وطموحاتها.. حتى إذا أراد أن يقول كلمة حق فيما جرى خلال أحداث «قانا» فى لبنان أثناء حرب الجنوب والمجزرة التى وقعت هناك دفع الثمن غاليا.. وتم ابعاده نهائيا عن موقعه ولم يتم التجديد له رغم الاعتراف بقدراته السياسية.. واستشهد فى ذلك بما دار مع «مادلين اولبرايت» وزيرة خارجية أمريكا فى هذا الوقت. وقال إن الدول العظمى التى تعتبر نفسها المحامى الأول عن حقوق الإنسان هى المنتهك الأكبر لهذه الحقوق.. تنفق الملايين على المؤسسات التى تتاجر بهذه البضاعة.. ثم تدوسها بالنعال فى أفغانستان والعراق والسودان وليبيا وتربع إسرائيل فى قلب العالم العربى.. وتجعلها شوكة ضد الإنسانية عمومًا. السعودية أطلقت صرخة مدوية جاءت فى وقتها.. ووجدت صداها جيدًا..لأن أمريكا 2013 غير تلك التى كانت من قبل.. هى الأن دولة مديونة وفاشلة فى كل المعارك التى اخترعتها وخاضتها لأسباب اقتصادية بحتة. وحاولت أن تتجمل كثيرًا وهى تخوض هذه المعارك فلم تحصد فى نهاية المطاف.. إلا أن كشفت القناع عن وجهها القبيح البشع. السعودية فتحت طريق التمرد على تبعية بغيضة لا مبرر لها.. وعلى العرب جميعا استثمار هذا الطريق والمضى فيه إلى غير رجعة.. وخطوتها تلك فى تقديرى هى استكمال لموقف مصر فى 30 يونية وقد وجدنا أمريكا قد أصبحت إخوانية تدعم الإرهاب فى اتجاه.. وتحاربه فى اتجاه آخر. حطموا أغلال الخوف والانسياق وراء أمريكا بلا مبرر.. وتذكروا مقولة شكسبير التى ذكرها فى مسرحية «الملك لير» منذ أكثر من مائة عام حيث قال: هذا العالم الذى يحكم فيه المجانين مجموعة من العميان فهل نسترد البصر.. والبصيرة.. نسأل الله أن نفعلها كعرب ولن نندم والفاتحة على روح الفنان العبقرى توفيق الدقن عندما قال فى أحد أفلامه.