كارثة غرق قارب صيد على متنه نحو 500 مهاجر أفريقى غير شرعى قرب جزيرة لامبيدوزا جنوب ايطاليا، والذى لم يتجاوز طوله عشرين مترا، سلطت الضوء مجددا على المأساة المتكررة التى يواجهها المهاجرون من أفريقيا والشرق الأوسط والذين يحلمون بالوصول إلى أوروبا من أجل حياة أفضل، فى حين تسببت الكارثة فى تجدد الانتقادات لسياسات الهجرة بالدول الأوروبية، وأشعلت غضب ايطاليا من جيرانها الأوروبيين لتحميلها وحدها مسئولية حماية الحدود الأوروبية. الحادث الذى راح ضحيته نحو 350 شخصا بين قتيل ومفقود، بينهم نساء وأطفال، وقع بسبب اشتعال النيران فى القارب على اثر قيام ركابه - غالبيتهم من الصومال واريتريا - بإضرام النار طلبا للنجدة بعد أن توقف محركه عن العمل وبدأت المياه تنفذ إليه، لكن النيران انتشرت فى سائر أرجاء القارب. ورغم مأساوية الحادث، إلا أنه مجرد حلقة جديدة فى سلسلة الحوادث المشابهة التى تكرر وقوعها فى الأعوام الأخيرة لسفن المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى لامبيدوزا للانطلاق منها باتجاه الدول الأوروبية، حيث إن هذه السفن غالبا ما تكون قديمة ومكتظة بالمسافرين، وكثيرا ما يموت العديد منهم نتيجة غرق قواربهم. ففى حادث منفصل فى نفس اليوم، نقلت وسائل إعلام إيطالية أن نحو 200 مهاجر تمت مرافقتهم إلى ميناء سيراكيوز على جزيرة صقلية اثر تعطل مركبهم على بعد خمسة أميال من الساحل. وقبل ذلك بأيام، غرق 13 مهاجرا وهم يحاولون الوصول إلى صقلية. ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن ما يقرب من 25 ألف شخص ماتوا غرقا وفقدوا فى مياه البحر المتوسط خلال العشرين سنة الأخيرة أثناء محاولتهم التسلل إلى أوروبا بصورة غير شرعية، بما فى ذلك 1700 شخص العام الماضى. ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الايطالى أنريكو ليتا الحادث ب «المأساة الكبرى». وقال وزير الداخلية الايطالى أنجلينو ألفانو إن أوروبا يجب أن تدرك «إنها ليست مأساة ايطالية، بل مأساة أوروبية. يجب اعتبار لامبيدوزا حدود أوروبا وليست حدود ايطاليا»، وبالتالى يتعين على دول أوروبا أن تتحمل مسئولية حماية حدودها بعد أن أزالت باتفاقية شنجن الحدود الوطنية لكل منها. وأضاف فى تصريحات صحفية أن وكالة مراقبة الحدود الأوروبية «فرونتكس»لا تعمل كما ينبغى لها أن تعمل. وأوضح أن ايطاليا لا تسمح لها إمكاناتها بمراقبة حدود أوروبا الجنوبية بمفردها، وأنه يتعين على الأوروبيين المساهمة فى مراقبة مناطق انطلاق المهاجرين غير الشرعيين فى شمال أفريقيا وتسيير دوريات خفر سواحل مشتركة لضبط السفن التى تحمل مهاجرين غير شرعيين. وفى السياق نفسه طلب الرئيس الايطالى جورجو نابوليتانو من البلدان الأوروبية «وضع حد للإتجار غير الإنسانى بالبشر بالتعاون مع البلدان المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، ووضع خطط لمراقبة رحلات اليأس والموت قبل انطلاقها». وتعالت أصوات فى إيطاليا سواء بين أعضاء الحكومة أم فى صفوف المعارضة للمطالبة بوضع خطة جديدة للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين الذين يُقدر عددهم بأكثر من 25 ألف وافد هذا العام . ومن ناحية أخرى، جدد الحادث الانتقادات لسياسة الهجرة فى الدول الأوروبية وتعاملها بشكل غير إنسانى مع تدفق المهاجرين الفارين من الفقر والحروب الأهلية والاضطهاد فى أفريقيا والشرق الأوسط، حيث إن قضية الهجرة تشكل هاجسا أمنيا فى أوروبا حتى أن اليونان أعلنت مؤخرا عن تشييد سياج بالأسلاك الشائكة بطول خمسة أميال على حدودها البرية مع تركيا من أجل وقف الهجرة غير الشرعية من الدول العربية بسبب ثورات الربيع العربى. وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قول عدد من الخبراء بأن تصعيب الوصول إلى أوروبا برا لم يؤد إلا إلى دفع مهاجرين كثيرين إلى أخذ الطريق الأكثر خطورة وهو البحر. وفى هذا السياق، يقول البروفيسور ليمسيدور الأستاذ بجامعة كافوسكارى فى فينيسيا، إن لوائح اللجوء المعقدة التى تتبعها أوروبا لا تمنع المهاجرين من المخاطرة بالفرار من دولهم، وبالتالى فإن الشئ الوحيد الذى تستطيع أوروبا فعله هو إتباع إجراءات لجوء لائقة. وفى مقال نشره الموقع الإلكترونى لشبكة «سى إن إن» الأمريكية، قال موريس رين، الرئيس التنفيذى ل «مجلس اللاجئين البريطانى»، الذى يعد أولى المنظمات التى تتعامل مع اللاجئين وطالبى اللجوء فى بريطانيا، إنه هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لمعالجة الأسباب الجذرية التى تؤدى بأشخاص إلى المخاطرة بحياتهم بهذه الطريقة. وأضاف أن هناك شئ واحد واضح وهو أن هذا الحادث الأخير هو تذكير مروع لما يحدث عندما يحرم أناس يعانون من الاضطهاد من الوصول إلى بر الأمان على الحدود الأوروبية، مشيرًا إلى أن غالبية ركاب القارب الغارق كانوا من الصومال واريتريا، وهما من بين أكثر عشر دول مصدرة للاجئين فى العالم، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، مما يعنى أن عددا كبيرا منهم كانوا لاجئين فارين من الاضطهاد ويبحثون عن الأمان فى أوروبا. وأكد أن غياب الطرق الشرعية الآمنة إلى الأراضى الأوروبية يزيد المشكلة تعقيدا بالنسبة للاجئين ويجبرهم على المخاطرة بحياتهم. ومن جانبه، حذر فرانسوا كريبو، مقرر الأممالمتحدة الخاص المعنى بحقوق الإنسان للمهاجرين، من أن إغلاق الدول الأوروبية لحدودها من شأنه أن يعطى المزيد من القوة للمتاجرين بالبشر، داعيا الاتحاد الأوروبى إلى تعزيز فرص الهجرة الشرعية.