عبد الناصر.. السادات.. مبارك، رؤساء مصر الذين عاصرهم الجيل الحالى وعاش معهم أصعب وأجمل أيامه أبرزها بدون شك نصر أكتوبر المجيد ومن قبله نكسة يونيو.. الكثير من النقاد تناولوا دور الرؤساء الثلاثة بالنقد والتحليل خصوصاً فيما يتعلق بحرب السادس من أكتوبر، إلا أن أكتوبر تستعرض هذه الأدوار مع نخبة من الخبراء السياسيين والمحلليين العسكريين بعيداً عن التوجهات السياسية التى دأب البعض مؤخراً على استغلالها بغرض تشويه رموز وطنية كان لها دور بارز فى تاريخ مصر. فى البداية يقول الخبير العسكرى اللواء مصطفى أبو سديرة إن عبد الناصر استعان بعد النكسة بأستاذ التاريخ العسكرى، اللواء حسن البدرى، لتحليل أسباب الهزيمة، وأكد أن أسبابها سياسية وعسكرية مختلطة وأن الانسحاب كان قراراً غير مدروس، لافتاً إلى حرص الزعيم على جمع شتات الجيش ورفع معنوياته واسترجاع قوته بعد انكساره فى النكسة، مما كان تمهيداً لانتصار أكتوبر . وتابع: إن حرب الاستنزاف التى خاضتها مصر ضد العدو الصهيونى، جاءت بعدما رأت مصر والدول العربية أن الكيان لديه الكثير من الغرور، مؤكداً أن الشعب منذ إعلان عبد الناصر تنحيه لم ييأس، بل صمم على الصمود بقيادة ناصر بعد أن عانت مدن القناة من التهجير إلى مدن المحافظات المختلفة . وقال إنه كان شاهدا على ذلك وكيف تم اقتطاع 50% من ميزانية الدولة لإعادة بناء القوات المسلحة، وإمداد القوات بخيرة شباب مصر من خريجى الجامعات وحاصلى الشهادات المتوسطة للتدريب على الأجهزة والتقنيات الحديثة التى ستمد بها مصر وحققت لاحقاً طفرة كبيرة فى الحرب نتيجة استيعابه تكنولوجيا الأسلحة الحديثة . وشرح أبو سديرة أن الأسلحة البطيئة الموجودة مع الجيش المصرى، كانت تصيب الهدف بدرجة أعلى من الأسلحة الحديثة التى أتت للجيش، وذلك أدى إلى اندهاش الخبير السوفيتى الذى كان حاضراً إحدى نقاط تفتيش الحرب، وقال إن السبب فى ذلك كثرة التدريب والدقة الفائقة مع الاعتماد على الثقة بالنفس والعنصر البشرى فى النصر. وأشار إلى سوء الروح المعنوية للجانب «الإسرائيلى» فى هذه الحرب وخوفهم من المصريين، مدللاً على كلامه بمقابلة كانت بين مسئولين وأمريكيين، أكدوا خلالها أن الجنود «الإسرائيليين» خائفون بالأخص من العسكريين والضباط الصغار فى مصر، لأنهم هم من سيقومون بأهم دور فى المعركة لو حدثت. ويضيف اللواء أبو سديرة لقد تجلت عبقرية السادات فى حرب أكتوبر فى العديد من القرارات أبرزها قيامه بمناورتين للجيش المصرى وإعلان التعبئة العامة قبل الموعد المحدد للحرب مما كلف إسرائيل أموالاً طائلة، وعندما حدثت المناورة الثالثة تجاهلتها فكانت الحرب. وأضاف: أيضاً تجلت عبقرية السادات فى توصيل رسالة لإسرائيل عبر العميل المزدوج أشرف مروان الشهير ب «بابل» بأن موعد الحرب آخر نهار 6 أكتوبر، وبالفعل نجح مروان فى إبلاغ المعلومة إلى رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «ايلى زاعيرا» فى لندن، ووصلت المعلومة بالفعل إلى مدير مكتب «جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل، إلا أن الأوان قد فات للتحرك لأن الحرب بدأت فعلاً يوم 6 أكتوبر فى الثانية ظهراً وليس السادسة مساء كما علمت تل أبيب. وأشار إلى أن من ضمن خطة الخداع الاستراتيجى التى اتبعها السادات فى الحرب كان نشره خبراً بالأهرام فى الصفحة الأولى عن قيام قادة أسلحة الجيش المصرى بالعمرة فى السعودية قبل الحرب بأيام قليلة، وتلقى الموساد الخبر واعتبره إعلاناً مؤكداً عن استبعاد الحرب. وشدد أبو سديرة على أن عبقرية السادات تجلت فى إدارته الحرب بنفسه فى غرفة العمليات باعتباره عسكرياً عتيداً، ولم يترك الأمر لوزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة أفرع القوات المسلحة، وبالتالى لم يكرر خطأ عبد الناصر فى حرب 1967 حين ترك الأمر للمشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع الذى أصدر أوامره بانسحاب القوات المسلحة من سيناء بعد ضربة الطيران الشهيرة، وكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس، لأن الانسحاب تم دون خطة مدروسة عكس انسحاب روميل القائد الألمانى الشهير من العلمين فى الحرب العالمية الثانية، ولأن انسحاب الجنود المصريين من سيناء تم دون وجود غطاء طيران أو دفاع جوى فأصبح هؤلاء لقمة سائغة لطائرات الفانتوم الإسرائيلية، وبدلاً من أن يتوقف الجيش الإسرائيلى عند الممرات كما كان مخططاً لحرب يونيو 1967 إذ به يصل إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، وبالتالى أدار السادات الحرب بنفسه وأوقفها بعد صدور قرار مجلس الأمن بإيقاف الحرب لأنه وجد أن الحرب حققت أغراضها ب «تحريك عملية السلام» ولا يستطيع محاربة العالم بمفرده لأن معظم دول الغرب تساعد إسرائيل. وعن دور مبارك قال الخبير العسكرى، إن مبارك صاحب الضربة الجوية الأولى ولا يستطيع أحد أبداً أن ينكر دوره فى هذه الحرب. وأضاف أن مبارك قائد عسكرى متميز من الطراز الفريد، وكان سببا رئيسيا فى انتصار أكتوبر عندما كان قائدا للقوات الجوية التى كان لها الدور الأكبر فى انتصار أكتوبر، ولكنه عندما تولى مهمة رئيس الجمهورية وقع فى بعض الأخطاء التى أثرت كثيرا على مستقبل مصر ونحن نحتفل بذكرى نصر أكتوبر يجب ألا ننسى الدور العظيم الذى قام به مبارك أثناء قيادته القوات الجوية واخلدور الذى قامت به هذه القوات فى هذا الانتصار، فالتاريخ لا يمكن تغييره أو محوه، ودور مبارك فى حرب أكتوبر لا يمكن، بل ومن المستحيل، إغفاله أو إنكاره وأنه إذا كان مبارك قد ارتكب جرائم، فسوف يحاسب عليها، لكن دوره كأحد مقاتلى مصر لاستعادة شرفها، سوف يظل محفورًا فى التاريخ، مشيرا إلى أن الألمان لم يمحوا من التاريخ هتلر أو اليهود على الرغم من كراهتهم للاثنين. ومن جانبه أكد سمير فياض أمين عام حزب التجمع إن حرب أكتوبر رمز الوحدة الوطنية فالشعب المصرى توحد على يد عبد الناصر بعد هزيمة 67 فكان الهدف بعد حرب أكتوبر هو إحياء الدولة المصرية الجديدة بعد هذه الحرب، وأشار إلى أن أنور السادات استمر فى بناء الجيش المصرى الذى أسسه جمال عبد الناصر واستطاع استعادة الأراضى المسلوبة فى سيناء و وحدة التراب الوطنى وعقد اتفاقية كامب ديفيد. ونأمل أن يكون درس حرب أكتوبر فى مخيلتنا وليمنحنا وحدة صلبة نسير من خلالها، وأضاف أن وجود إسرائيل فى المنطقة طبيعى فى العقد الأخير من القرن العشرين لكن نستطيع إذا عاد التحالف العربى إرجاع إسرائيل لحجمها وتحويلها إلى دويلة. وأشارت سكينة فؤاد مستشارة رئيس الجمهورية لحقوق المرأة والكاتبة الصحفية إلى أن حرب أكتوبر هى صناعة مصرية أصيلة تعانق فيها المقاتل والمواطن والمرأة والطفل والشرف والطباع المصرية، وأوضحت أن حرب أكتوبر شهدت بسالة وفنون القتال التى مارسها المقاتل المصرى التى تحولت إلى دروس فى استراتيجيات الحرب، مؤكداً أن هذه الحرب لم نقرأ أسرار عظمتها وعناصر البطولة التى حدثت فيها ولم نعرفها حتى الآن، وأضافت رغم كل ما يواجهه الجيش المصرى من ضغوط داخل وخارج البلاد و من قوى عالمية وهيمنة داخلية والجماعات الإرهابية التى يواجهه فى سيناء إلا أنه جيش عظيم يحافظ على أمن بلده ويواجه الآن الجماعات الإرهابية بروح حرب أكتوبر. تدمير إيلات وأشار اللواء حسين غباشى الخبير الاستراتيجى إلى أنه عقب هزيمة 67 استجاب الرئيس جمال عبد الناصر لمطالب الشعب فى 9 و10 يونيو برفض التنحى والعودة إلى حكم مصر مرة أخرى، و قام عبد الناصر عقب 10 يونيو مباشرة بإعادة بناء للقوات المسلحة على أسس حديثة من حيث التسليح والتدريب ورفع الكفاءة القتالية كما خطط لتنفيذ بعض العمليات العسكرية مثل إغراق المدمرة إيلات وقاد باقتدار حرب الاستنزاف وركز على رفع الروح المعنوية لرجال للقوات المسلحة. بطل الحرب والسلام ...وعن الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام قال غباشى إنه بعد تولى السادات الحكم استمر فى استكمال إعادة بناء القوات المسلحة مخططاً لعملية كبرى فى عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف والتقدم شرق القناة بعد إقامة رءوس الكبارى بعملية (12:15ك) بهدف كسر نظرية المانع الإسرائيلى التى تعتمد على خط بارليف وقناة السويس وتحطيم نظرية أن الجندى الإسرائيلى لا يقهر وأن العرب غير قادرين على أى حرب شاملة مع إسرائيل عقب سلسلة جرائم متتالية، وقال أدار السادات عملية الحرب بحنكة سياسية وعسكرية غير مسبوقة حتى إنه شل حركة العدو الذى كان يظن أن السادات غير قادر على القيام بعملية شاملة. وأكد قيام السادات بالتنسيق بين القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة السورية فى سرية تامة فى تحديد موعد الحرب، كما قام السادات شخصياً بالمشاركة فى خطط الخداع الاستراتيجى لإسرائيل عندما قال إن عام 1971 هو عام الحسم وقامت القوات المسلحة المصرية خلال العام بمناورات بغرض إيهام العدو ببدء عملية عسكرية ولم يحدث، ثم قام فى عام 1972 مكرراً نفس السيناريو بأن عام 72 هو عام الحسم ولم يمر إلا وتكون القضية العربية قد حلت عسكرياً أو سياسياً وانتهت عام 72 ولن يحدث شىء وفى عام 1973 هدد أيضا أن إسرائيل عليها أن تنتظر مفاجأة كبرى وقام بحشد القوات المسلحة فى اتجاة تنفيذ عملية إلا أن إسرائيل كانت مقتنعة أن الجيش المصرى والرئس السادات غير قادرين على الحرب وأنه إذا قام بها سيواجه بخسائر كبيرة ولكن فى السادس من أكتوبر الساعة الثانية وخمس دقائق ظهراً بدأت الحرب على الجبهتين المصرية والسورية فى آن واحد وقامت مفاجأة استراتيجية تكنيكية لم تكن متوقعة وكانت المفاجأة الرئيسية فى تلك الحرب هو أداء الجندى المصرى وشجاعته وهو نفس الجندى الذى تعرض للهزيمة 1967ولكنه تغير بعدما قادته قيادة حكيمة وواعية محنكة لذا حقق الانتصار واستعاد كرامته وكرامة وطنه إلا أن استشهاد الرئيس السادات فى ذكرى الاحتفال بنصر 6أكتوبر 1981 بأيادى الغدر الأثمة والإرهاب الأسود والجهلاء كتب نهاية حزينة لهذا البطل الكبير. بطل الضربة الجوية وعن دور الرئيس السابق مبارك فى نصر أكتوبر قال: بعد استشهاد السادات فى أكتوبر 1981 تولى الرئيس مبارك رئاسة الجمهورية عقب استفتاء شعبى على اختياره بعد مرور الفترة الانتقالية التى قادها د. صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب آنذاك، وقام الرئيس مبارك الذى كان نائباً للرئيس السادات وقائدا للقوات الجوية فى حرب 1973 باستكمال تحرير الوطن طبقاً لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل. بناء الجيش ومن جانبه يقول اللواء عادل عباس القلا رئيس حزب مصر العربى الاشتراكى إن الفضل الرئيسى لنصر أكتوبر لعبد الناصر وهذا ليس مجاملة ولكنها حقائق عاصرته. فالرئيس عبد الناصر بدأ حرب الاستنزاف بعد هزيمة يونيو 67 بشهر واحد، واستطاع أن يقوم بإعادة بناء القوات المسلحة بقيادة الفريق أول محمد فوزى الرجل العظيم الذى أعاد بناء القوات المسلحة وتم تجهيز ثلاث خطط عسكرية للعبور إحدى هذه الخطط هى التى نفذت فى حرب أكتوبر 73، حيث تم تجهيزها والتدريب عليها على أرض الواقع فى وجود الرئيس عبد الناصر شخصياً فى ترعة الإسماعيلية ومنطقة القناة وتم تجهيز القوات إلى يوم بدء العمليات العسكرية، ثم جاء السادات واستكمل تنفيذ هذه الخطة وقام بتنفيذها. أما الرئيس حسنى مبارك كان دوره قويا جداً فى مجال إعداد القوات الجوية إلى هذا اليوم وأعد التدريبات والخطة وأشرف عليها ووجه وكان قائده فى هذا التوقيت الفريق مدكور أبو العز الذى كان قائداً للقوات الجوية قبل مبارك ويحسب له تجهيز القوات الجوية فى فترة عبد الناصر. الدفاع الجوى ويضيف د.محمد عفيفى عبد الخالق رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة أن عبد الناصر قام بالتمهيد لحرب 73 بعد هزيمة 67 وقام بعمل خطة للعبور. أما السادات فيحسب له أنه أكمل على المشروع وعلى الفكرة نفسها وقام بتنفيذها فى 73. ويضيف أن حسنى مبارك يذكر له أنه كان قائدا للقوات الجوية وكذلك الدور الذى قام به الطيران ولكن تم تضخيم الدور الذى لعبه الطيران بعد ذلك ففى الحقيقة كان هناك دور أخر مهم مثل الدفاع الجوى الذى لعب دورا كبير جداً فى تحجيم الطيران الإسرائيلى من خلال صواريخ سام 6 وسام 7 لكن المشكلة دور الطيران تم تضخيمه بعد وصول حسنى مبارك للحكم. ويؤكد د.جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الرؤساء الثلاثة عبد الناصر والسادات ومبارك كان لهم أدوار مختلفة وبارزة فى نصر أكتوبر بعيدا عن طريقه إدارتهم للبلاد، وأشار إلى أنه لا يمكن فهم حرب أكتوبر فى إطار عملية دبلوماسية كبيرة وهى عملية السلام ومن يقول لا علاقة للحرب باتفاقية السلام فهو خاطئ فكلها عملية استراتيجية واحدة فالحرب مقدمة عسكرية ويليها بنفس القوة عملية سلام.