كان احد ابطال ملحمة العبور العظيم ، انتقل الى الضفة الشرقية للقناة مع الموجة الاولى للعبور، شارك فى العديد من المعارك ، وكان شاهدا على الملحمة، حاولت أكتوبر أن تستعيد معه حديث الذكريات لتروى تفاصيل ما حدث فى المزرعة الصينية، وكيف تمت الثغرة، وكيف استطاعت القوات المصرية تطويقها ليكون المثل والقدوة لشباب مصر، فى ظل المتغيرات التى تشهدها مصر حاليا، وما يحاك لها من قبل القوى الخارجية. فى البداية يقول اللواء اركان حرب محمد زكى الالفى يوم 6 اكتوبر كنت ملازمًا اول فى ذلك الوقت ، وكنت قائد فصيلة مدافع مضادة للدبابات عديمة الارتداد، وكنت قائد ثانى سرية مشاه وهى السرية الثالثة فى الكتيبة 18 مشاه من اللواء 16 واثناء عملية العبور استشهد قائد السرية، النقيب الشهيد محيى الدين أحمد رجب،حيث كنا فى أول موجة عبور، وكانت موجودة فى الدفرسوار، وانت تعلم ما هى الدفرسوار وما حدث فيها .. من معارك شرسة وقوية ، نظرا للاهمية الشديدة لهذا المكان ، والذى تاتى اهميته من كونه نقطة التقاء من المجرى الملاحى لقناة السويس مع البحيرات المرة الكبرى وكان العدو نظرا لأهمية المكان قد أنشأ 2 نقطة حصينة ، بجوار بعض بفاصل لا يتجاوز 500 متر، ونقطة حصينة ثالثة جنوبهم بحوالى 5 كيلو مترات تسمى «تل سلام»، وهذه تقع على البحيرات، منطقة الدفرسوار كان جنوبها مباشرة مطار الدفرسوار، وهو غير مستعمل ولكن بتجهيزات بسيطة كان من الممكن ان يعمل،ويساهم فى العمليات. ويواصل اللواء محمد زكى قائلا: فى نفس الوقت من خلال هذه المنطقة اذا استطاع العدو العبور إليها، أو الاقتحام منها يسهل الاتجاه إلى مدن قناة السويس والتى لها صدى إعلامى ضخم وكبير مثل مدينة الاسماعيليةومدينةالسويس فى نفس التوقيت يسهل الانطلاق لمدينة القاهرة العاصمة السياسية والتى تبعد بمسافة 100 كيلومتر ، من هنا جاءت أهمية هذا المكان، وهذه الأهمية انعكست على الموجودين فى المكان واهميته، وهو ما جعل هذا الموقع يزوره العديد من القاده منهم الرئيس البطل الشهيد محمد انور السادات بطل الحرب والسلام، وزير الحربية فى هذا التوقيت الفريق اول محمد أحمد صادق، كما زاره وهو رئيس أركان، وجميع القادة على كافة المستويات كانوا يقومون بعمل لقاءات مع الجنود ويلتقون بهم ويسلمون عليهم واحدًا واحدًا، ثم يصعدوا لاستطلاع الموقف والمكان ليتعرفوا على الموقف والأهمية للمكان،لان القائد عموما،يجب ان يدرس ويقوم بالتعرف على الارض، ولذلك اليهود أعطوها هذه الأهمية، وبالتالى كانت القوات المسلحة المصرية نظرا لاهمية المكان كانت هناك فرقة مدرعة فى الغرب للتعامل مع هذه النقطة، ولمنع وصول أى قوات إسرائيلية إلى الغرب، ولان الجانب الأمريكى كان يقوم بطلعات استطلاع لصالح الجانب الإسرائيلى لكشف تحركات القوات المصرية على الأرض، وبعد عبور هذه الفرقة المدرعة تنفيذا للقرار السياسى المسمى بتطوير الهجوم ، لتخفيف الضغط على الجبهة الشمالية «سوريا» أصبحت هذه المنطقة مكشوفة للعدو ، وبتكثيف نيرانه وعملياته القتالية عليها يستطيع اختراقها والوصول إلى الضفة الغربية فأصبحت بمثابة قشرة ضعيفة فى حال اختراقها، يمكن تحقيق نجاح على الارض ، وهو ما شجع الجانب الأخر إلى حشد أكثر من ألف دبابة فى هذا المكان الضيق لكى يخترق هذه المنطقة ويصبح خلف مؤخرات الجيوش الميدانية الموجودة فى الشرق، وللأسف كان هذا العمل تليفزيونى أكثر منه عملًا عسكريا لان مصر كان لديها قوات فى الشرق تفوق عدد القوات الاسرائيلية فى الغرب، وكنا سوف ننفذ خطة « شامل» والتى عدلت بعد ذلك باسم «شامل المعدله» وكان الهدف منها طرد العدو الإسرائيلى من الغرب ومن لم يخرج يقع أسيرًا، والتى تدخل فيها هنرى كسينجر وقال للسادات:لن نسمح بهزيمة السلاح الامريكى وحدثت المفاوضات الكيلو 101، وهكذا تم إنهاء الأزمة وهذا كان باختصار شديد عرض لأهمية هذا المكان. ويستكمل الالفى حديثه قائلا: أما بالنسبة للمعركة التى شاركت فيها الكتيبة التى كنت احد ضباطها، وجميع قادة هذه الكتيبة اصيبوا بالكامل ومن لم يصيب استشهد ، وكان فى ذلك الوقت قائد الفرقة هو الفريق عبد رب النبى حافظ ، والذى أصيب واخلى والذى اصبح بعد ذلك رئيس أركان حرب القوات المسلحة، قائد اللواء الثالث هو العميد الشهيد شفيق مترى سيدراك،قائد اللواء 12عادل يسرى والذى اصيب و بترت ساقه، وهو صاحب كتاب الساق المعلقة ، ولم يبق من قادة الفرقة سوى اللواء عبد الحميد عبد السميع قائد اللواء 16، ونأتى إلى اللواء الذى كنا فيه والذى كان على الجانب الايسر منه المشير حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16، ونحن على الجانب الايمن الكتيبة 18مشاه بقيادة المقدم احمد اسماعيل عطية وكان معه نخبة من قادة السرايا المقاتلين الاشداء ذوى البأس الشديد والخبرة العظيمة،المقدم احمد اسماعيل كان اختياره موفقًا فى اختيار النقاط الدفاعية للكتيبة، حيث استند بالدفاعات الخاصة بالكتيبة على ترعة جافة فى منطقة كان يطلق عليها الإسرائيليون المزرعة الصينية ،أما نحن فكنا نطلق عليها قرية «الجلاء»، فكان اختيار القائد للارض موفقا جدا،حيث كانت هذه الترعة تجهز ضمن خطة زراعة هذه المنطقة قبل 1967 . ويستكمل قائلا : بعد ذلك بدا دور المقاتل الذى يحمى هذا المانع ، وهنا يجب ذكر الدبابات المتعاونة مع المشاه وهى لها اسلوب وتكتيك خاص،وهنا اذكر موقفًا لاحد سرايا الدبابات،حيث نجحت الدبابات المصرية فى العبورمساء يوم 6 أكتوبر، حيث وصل إلى موقعنا وقام بالتقدم أمام قوات المشاة وقام بالحفر لعمل مرابض للدبابات وتم عملية الإخفاء والتمويه لها، حتى أصبح من الصعب كشف الدبابات المصرية . فى ذلك الوقت قامت القوات الاسرائيلية فى صباح اليوم السابع بإرسال 3 دبابات تحركت جميعها فى خط مستقيم لاستكشاف الموقع ، وهنا ظهرت عبقرية هذا القائد ، حيث ترك الدبابات الاسرائيلية الثلاثة تسير على طريق الشاطىء وهو الطريق الموازى للقناه من القنطرة إلى السويس فقام القائد المصرى باطلاق قذيفة على الدبابة الاسرائيلية الثالثة فى مؤخرة المجموعة حتى يقطع عليهم العودة فاصابها اصابة مباشرة ، ثم وجه نيران مدفعيته على الدبابة الاولى واصابها ايضا وكانت هذه أول دبابتين إسرائيليتين اصيبتا صباح يوم 7 أكتوبر وكان لهما اثر معنوى قوى جدا جدا، بالإضافة إلى إسقاط الطائرات التى كانت تهاجم الدفاعات الخاصة بالقوات المصرية ، بواسطة كتائب «الميم ط» وفصائل الضبع الاسود بقيادة المرحوم النقيب ممدوح فتحى، بالإضافة إلى حائط الصواريخ، وهذه كانت نماذج بسيطة لمعارك كان لها تأثير قوى جدا على نفوسنا ونفوس المقاتلين على الجبهة، وكقادة منحتنا ثقة كبيرة جدا، ففى صباح يوم 7 اكتوبر وجدنا دبابات تدمر وطائرات تتساقط، وواصلنا تقدمنا حتى يوم 14 اكتوبر ليلا وطورنا راس الكوبرى، إلا أن القتال فى هذا الوقت اخذ شكلًا آخر تماما، فقد كثف العدو نيران مدفعيته على الفاصل بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى وحشد أرتالا ضخمة من الدبابات والمجنزرات فى الوادى بمنطقة تل سلام، وفى ليلة 14 حاول العدو ان يخترق هذه المنطقة ليصل إلى الضفة الغربية للقناة ويحاصر مؤخرة الجيشين، وذلك من خلال 3 محاور، اثنين منهم تعاملنا معهم. ويضيف اللواء محمد الألفى بعد ذلك استطاعت القوات المصرية حصار الثغرة وكانت قادرة على الانتهاء منها لولا تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويواصل اللواء محمد زكى الالفى حديث الزكريات وقد اغرورقت عيناه بالدموع قائلا: هناك اللواء أحمد كحيل رحمه الله أو الرائد احمد كحيل فى ذلك الوقت والذى أصيب فى أذنه، جاء إلى فى يوم يطلب منى الذهاب معه إلى القائد نوارين الباسل لزيارته، ولم تكن الزيارة الهدف منها الترفيه ولكن كانت فيها دروس نتعلم فيها من القادة ، فقد كانوا المثل والقدوة، فوجدناه يجلس فى سيارة مدمرة ويتخذ منها استراحة له حتى لا تتعرض لقصف العدو فوجدنا الرائد « نوارين» وضع خطابًا تحت لوح زجاجى داخل السيارة ، وكان خطاب من والده اللواء سيد جاد الذى قال له « لا تطلب اجازة إلا بعد النصر أو إذا أرغمت على نزول الاجازة» وبالفعل لم ينزل اجازة الا عندما ارغم على النزول فى اجازة. موقف اخر وانا لن اتحدث عن نفسى، فقد كان هناك سائق اسمه « فؤاد السيد سالم» اليهود تربصوا به لانه كان سائقًا لسيارة تنقل الجنود المصابين واخلائهم، وكان مثالًا للشجاعة النادرة،فقد اصاب الاسرائيليين بالجنون، حيث كان يخلى الجنود المصابين من وسط القوات الاسرائيلية لانهم كانوا قد قطعوا علينا الطريق، وكان لابد من المرور من وسطهم فكانت سرعته تجعله هدف غير سهل، إلا أنهم تربصوا به وتم قصفه بالدبابات وليست دبابة واحدة، دمروا سيارته واستشهد، لقد كان مثال للتضحية والفداء فى المعركة.