بينما تتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية دولا أخرى بالقرصنة الإلكترونية وتدعوها إلى التوقف عن ذلك، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، استنادا إلى وثائق عالية السرية سربها العميل السابق فى وكالة الأمن القومى الأمريكى إدوارد سنودن وكذلك مقابلات مع مسئولين أمريكيين سابقين، أن إدارة أوباما تدير حملة اختراق معلوماتية أوسع بكثير وأكثر عدوانية عما كان متصورا، وأنها تتعامل مع هذه العمليات على أنها سرية وترفض الاعتراف بها. ووفقا للوثائق، فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية شنت 231 هجوما إلكترونيا عام 2011، نحو 75 % منها طالت أهدافا بالغة الأهمية حيث شملت خصوما مثل إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وأنشطة مثل الانتشار النووى، إلا أن الخبراء يقولون إنها لم تصل إلى مستوى التدمير الذى أحدثه فيروس «ستاكسنت» الذى طورته الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتسبب فى تدمير أجهزة الطرد المركزى النووية الإيرانية فى هجمات عامى 2009 و2010. وبالإضافة إلى هذه الهجمات، أوضحت الصحيفة أن المتخصصين الأمريكيين، فى ظل مشروع واسع يطلق عليه الاسم الكودى «جينى» GENIE، يخترقون الشبكات المعلوماتية الأجنبية لوضعها خلسة تحت السيطرة الأمريكية. وتقول الوثائق إن المشروع الذى تبلغ ميزانيته 652 مليون دولار يقوم سنويا بوضع برمجيات خبيثة متطورة داخل عشرات الآلاف من الأجهزة، مع وجود خطط لتوسيع هذه الأرقام إلى الملايين. فمن المفترض أن يسيطر جينى، بحلول نهاية العام الحالى، على ما لا يقل عن 85,000 جهاز فى العالم ، وهو ما يوازى أربعة أضعاف ما كان عليه فى 2008 (21,252 جهاز). ويبدو أن وكالة الأمن القومى تخطط لتوسيع سريع فى تلك الأرقام، والتى كان يحد منها حتى وقت قريب الحاجة للعنصر البشرى لتولى عملية التحكم عن بعد فى الأجهزة المسيطر عليها. ففى عام 2011، بالرغم من أن عدد الموظفين كان يبلغ 1,870 شخص، إلا أن جينى لم يستطع تحقيق الاستفادة الكاملة إلا من 8,448 جهاز فقط من بين 68,975 جهاز تم تزويدها بالبرمجيات الخبيثة. وتقول الوثائق إن عمليات القرصنة الأمريكية تستهدف الشبكات أكثر من أجهزة الحواسيب الفردية لأن الشبكة الواحدة عادة ما تتضمن العديد من الأجهزة. ويهدف مشروع جينى إلى التوغل داخل الشبكة لنسخ المعلومات المخزنة والتقاط الاتصالات والتسلل إلى الشبكات الأخرى المتصلة بها. ففى بعض الحالات، يفتح الجهاز الواحد الطريق إلى مئات أو آلاف الأجهزة الأخرى. ووفقا للمذهب الأمريكى، تعرف هذه العمليات ب «الاستغلال» وليس «الهجوم»، ويعرف مصطلح «استغلال» على أنه «الوصول الخفى للحفاظ على وجود داخل النظم أو المرافق المستهدفة». وتقوم وكالة الأمن القومى بتصميم معظم البرمجيات الخبيثة الخاصة بها، ولكنها خصصت هذا العام 25,1 مليون دولار ل «مشتريات سرية إضافية من البرمجيات الهجومية». وهكذا فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، حسبما تشير الصحيفة، تستخدم بشكل روتينى وفى كل أنحاء العالم برمجيات خبيثة لا تختلف فى وظيفتها عن التهديدات التى ينسبها المسئولون الأمريكيون للصين. ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين أن الفارق الأساسى هو أن الصين تسرق أسرارا صناعية أمريكية لتحقيق مكاسب مالية ، فى حين أن وزارة الدفاع الأمريكية لا تشارك فى التجسس الاقتصادى فى أى مجال، بما فى ذلك الفضاء الإلكترونى، وذلك وفقا لأحد المتحدثين باسم وكالة الأمن القومى التى تعتبر جزءا من وزارة الدفاع. وتلفت «واشنطن بوست» إلى أن حجم ونطاق العمليات الهجومية يمثلان تحولا فى السياسة الأمريكية التى كانت فى الماضى تسعى إلى الحفاظ على معيار دولى ضد الأعمال العدوانية فى الفضاء الإلكترونى، وذلك جزئيا لأن القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية تعتمد اعتمادا كبيرا على أجهزة الكمبيوتر. وفى هذا الصدد، يرى نائب وزير الدفاع السابق وليام لين أن هناك الآن أكثر من قضية أظهرت أن خيارات الهجوم الإلكترونى يمكن أن تكون عنصرا هاما فى ردع بعض الخصوم. ووفقا للوثائق، فإن الهجمات الأمريكية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الدفاع الإلكترونى حيث يتم وصفها فى بعض الحالات بأنها «دفاع نشط». ويقول مسئول سابق فى وزارة الدفاع الأمريكية، والذى تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية العمليات، إن الولاياتالمتحدة بدأت تتجه نحو استخدام أسلحة غير تقليدية- أسلحة لا يمكن ربطها بسهولة بالمهاجم- لإقناع العدو بتغيير سلوكه على المستوى الاستراتيجى. وتعتبر الصين وروسيا أهم مصدر للتهديدات الإلكترونية لأمريكا، فى حين تأتى إيران فى المركز الثالث من حيث القدرة على شن هجمات إلكترونية ولكن يعتقد أن الدافع لديها أقوى للرد على «ستاكسنت» بعملية لن تهدف إلى سرقة المعلومات فحسب بل محوها ومحاولة تدمير النظام الإلكترونى الأمريكى بأكمله. كما يركز مشروع جينى بشكل خاص على تحديد مكان الإرهابيين المشتبه بهم فى أفغانستان وباكستان واليمن والعراق والصومال وغيرها من الملاذات الآمنة للمتطرفين، وذلك وفقا لإحدى قوائم الأولويات.