استأذن القارئ العزيز فى التوقف طوال شهر رمضان الكريم عن الكتابة فى الشعر والشعراء الذين أبدعوا وتركوا لنا تراثا عظيما من الشعر الغزلى الرفيع. فالشهر الكريم.. رمضان.. شهر القرآن والروحانيات.. والإكثار من العبادة والصلاة وقراءة القرآن والشكر والحمد لله على نعمه الكثيرة. وقد اعتدت فى السنوات السابقة أن أكتب عن أنبياء الله الصالحين ومنهم يوسف الصديق، وموسى كليم الله وداود الملك وابنه سليمان الحكيم. ولكنى أنوى- بعون الله- أن أكتب هذا العام عن بعض الآيات.. التى أتوقف عندها كلما قرأت فى كتاب الله فى هذا الشهر الكريم.. فأنا دائما ما أنصح نفسى ومن حولى بأن الله موجود فى كل زمان ومكان.. وهو يعلم السر وما يخفى وما على كل منا سوى أن يقوم بعمله ويؤدى واجباته بجد وضمير.. وأن يترك الجزاء لله سبحانه وتعالى.. أليس هو القائل " ان لا نضيع أجر من احسن عملا" وأيضا: وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وأحيانا ما كانت تضيق علىّ الدنيا.. وأظنها لا تفرج.. وأسارع بالاستغفار وترديد بعض الابتهالات التى أحفظها منذ صغرى.. ومنها: قل ادعو الله إذا يمسسك ضر وأرفع ساعديك إلى السماء تجده قد رفع المضرة وخفف من وقع البلاء وسبحان الله.. وكأنى بعد هذا الدعاء.. اسمع قول الشاعر ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت.. ولكل إنسان ما جنت يداه.. ولا يغنى عنه شىء.. لا مال ولا بنون.. ولا منصب ولا نسب.. ولا جاه ولا سلطان. واقرأ معى الآيات الكريمة فى سورة التحريم والتى أفضل دائما الاستماع إليها بصوت شيخ المقرئين المرحوم مصطفى إسماعيل.. حيث كان يفتح الله عليه فيها فتحا كبيرا..فينجلى صوته.. وتصل معانى الكلمات كما أراد لها الله سبحانه وتعالى.. إذ يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. نعم.. كلنا عباد الله.. ولكن منا من اصطفاهم الله واتخذهم أنبياء أو جعل منهم رسلا.. أو عدهم من أوليائه الصالحين ومنا من كان من الخاسرين.. ولا تنفع معه صلة نسب ولا قرابة فامرأة نوح وامرأة لوط كانتا زوجتين ليس لعبدين صالحين من عباد الله فقط.. ولكنهما كان نبيين من أنبيائه المكلفين، ومع ذلك خانتهما بالنفاق.. والقول المكذوب والعمل غير الصالح، ولم تنفعهما تلك الصلة ولم تغن عنهما شيئا وسوف ينادى عليهما يوم الحشر (ادخلا النار مع الداخلين).. والأمر مختلف تماما - مع وجود ذات الصلة - بين امرأة نوح وامرأة لوط.. مقارنة بموقف امرأة فرعون وقد كان من الظالمين، فالآية الكريمة تقول وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، يا سبحان الله .. آسيا امرأة فرعو الظالم تستجير بالخالق أن ينجيها من فرعون (زوجها) وعمله غير الصالح.. وقومه الظالمين، وأن يدخلها فى رحمته بأن يخصص لها موضعا فى المكان الذى يجمع الصالحين( الجنة) حيث قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فالآيات الكريمة.. تقول إن الصلة أو الشفاعة لا تنفع لمن لا يستحقها.. بينما العمل الصالح ينفعه.. فزوجتا نوح ولوط لم يغنيا زوجاهما عنهما شيئًا. وانظر - مقارنة - موقف مريم بنت عمران والتى حافظت على كرامتها وحصنت نفسها من عبث الرجال وصدقت بكلمات ربها وكتبه.. وكانت من القانتين، فقد نفخ الله فيها من روحه- وهو أعلم بذلك - وهو من يقول للشىء كن فيكون.. فوهبها الله عيسى نبيًا ورسولًا، فالآية الكريمة تقول: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) ولماذا نذهب إلى صلة النسب.. ولدينا صلة الأبوة فهذا ابن نوح لم يكن من المؤمنين.. ولم تنفعه صلته بأبيه من النجاة من الطوفان، فكان من الغارقين. ففى سورة هود يقول عز من قال (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ )فعندما صدر الأمر الإلهى وانفجر الماء وبدأ الطوفان.. أمُر نوح أن يحمل فى سفينته التى بناها فى عدة سنوات من كل زوجين اثنين.. ومن أهله إلا من سبق عليه القول بأنه من المغرقين.. وكان منهم ابنه وقد نفذ سيدنا نوح الأمر الإلهى وطلب من الجميع أن يركبوا السفينة باسم الله مجريها ومرسيها، وتذكر ابنه فنادى عليه وكان يقف فى مكان معزول عن الماء، أن اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، ولكنه أَبَى وتكبر.. ورد بأنه سوف يلجأ إلى مكان أعلى يحميه من الماء، فحاول أبوه معه مرة أخرى ونصحه بأنه لا عاصم من أمر الله فى هذا اليوم وسارت السفينة، فتفرقا وباعد الماء بينهما.. فكان من الغارقين، وأمر الله أن تبلع الأرض ماءها وأن تتوقف السماء عن أمطارها، فنضب الماء.. وانتهى الأمر وهلك الكافرون.. واستقرت السفينة على جبل الجودى بالموصل، واستنكر الملائكة موقف هؤلاء الكافرين، ولجأ نوح إلى ربه يستعطفه ويشفع لابنه.. بأنه من أهله، قالا: إنك وعدت أن تنجى معى أهلى وأن وعدك الحق، فيجيبه الله سبحانه وتعالى، بأن أبنه ليس من أهله.. لأنه عمل غير صالح. (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) *** نعم. من عمل عملا صالحا فسوف ينفعه فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا.